مواقف المنافقين في الأزمات
"إنَّ
شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ؛ الذي يَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ، وهَؤُلاءِ
بوَجْهٍ". وهذا المُنافِقُ له أنفٌ حسّاس يشتمُّ به رياح التّغيير؛ فيعرف
اتّجاهاتها ويسير بمقتضاها، وله أجندة محدّدة قائمةٌ على الإفادة من التّغييرات
الجارية. ورغم هذه الحساسية؛ فهو يظنّ بنفسه الذّكاء، لكنّه قِصَرُ النّظر الذي
يُورد المهالك، تقوده إليه نفسُه الخبيثةُ. وتلك خديعةُ الطّبع اللّئيم؛ إذ إنّ
أكثر خواتيم هؤلاء تحكي نهاياتٍ مُخزية ومُؤسفة ﴿وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ
إلَّا بِأَهْلِهِ﴾.
ولا غرو أنّه في
الدُّنيا من المحقُورين، وفي الآخرة في الأسفلين: ﴿إنَّ المُنَافِقِينَ في
الدَّركِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ النساء 145.
كانت هذه
مُقدّمة سريعة ضروريّة للحديث عن موقف المنافقين من حرب غزّة. إذ بوّأت قيادةُ
المجاهدين في غزّة من أهلِها مقاعد للقِتال: فمنهم حاملُ السّلاح، ومنهم صانعُ
الذّخيرة، ومنهم الممدّ بالمُؤن والغذاء، ومنهم المرابط والصّامد على أرضه، ومنهم
الإعلاميّ والمتصدّق بالمال والطّائر على جناح قضيّته في المحافل، كلُّهم يدعو
ويقول: "اللّهمّ استعملنا ولا تستبدلنا".
وفي معركة
"طوفان الأقصى" تمايزَ النَاس إلى أصناف: فظهر الشُّجاع الجريء والجبان
الخوّار وتميّز قويّ الإيمان من المتكسِّب بقشوره. كما ظهر المنافقون ﴿الذِينَ
قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَوِ ادْفَعُوا﴾ لكنّهُم
قَالُوا لإخوانِهم: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ أو قالوا:﴿لَوْ
كَانُوا عِنْدنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلكَ حَسْرَةً فِي
قُلُوبِهِمْ﴾.
هذهِ الفئةُ
الخَطِرةُ قال الله تعالى فيهم ﴿هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ وَحَرِيٌّ بِأَيِّ
حِركةٍ مجاهدة أن تضع نصب أعينها اتّقاءَ خطر هؤلاءِ، فلا يَغرّهم منهم أجسامهم
وألسنتهم ومناصبهم. والمطلوب من قيادات العمل في كلّ مكان تحويل الأرضيّات
النّظريّة في معرفة المنافقين إلى قواعد إداريّة، منها قوائم الفحص والمعاينة
ومنها جدارات التّكليف، ومنها المراقبة والمتابعة، ومنها آليّة استرجاع العهدة
والأمانة والصّلاحيات لو أعطيت، ومنها دوائر التّأثير والسّيطرة عليها. وليجرِ هذا
كلّه تحت مظلّة "المُؤمنُ كيَّسٌ فَطنٌ" .
|