من مثل أخي؟!
أ. شائع محمد الغبيشي
مَنْ مِثْلُهُ عَضُدِي إذا فُقِدَ العَضُد
مَن مِثْلُهُ سَنَدِي أيا نِعْمَ السَّنَد
في كلِّ نائبةٍ تحِلُّ بساحَتي
ألْقَى بساحتِه الكِفايةَ والرَّغَد
وإذا مَشيتُ بقُرْبِهِ في مأمِنٍ
لا خوفَ يَغْشاني ولا أخْشَى الرَّصَد
ذاكُمْ أخي وقَرينُ رُوحي إنَّه
مِنْ بَعْدِ ربِّي دائمًا نِعْمَ المدَد
من مثله؟! من مثل أخيك؟! هو العون والعضد؛ ولذا قال الله لموسى عليه السلام: ? سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ? [القصص: 35]، فهو نعم السند، ونعم النصير والمعين.
من مثل أخيك؟! أو ليس قد خرجتما من صُلْب واحد، أو بطن واحدٍ، أو منهما معًا، فمن مثل الأخ، وما أجمل قول الأول:
أخاكَ أخاكَ إنَّ مَن لا أخًا لَه
كَساعٍ إلى الهَيجا بِغَيرِ سِلاحِ
من مثل أخيك؟! أقرب الأرحام إليك بعد الأبوين، فصِلَتُه صِلةٌ للرَّحِم، وبِرٌّ بالوالدين، وقد قال الله جل جلاله: ? وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ? [النساء: 1]، عن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر يخطب الناس، وهو يقول: ((يد المعطي العُليا، وابدأ بمَنْ تَعُول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك))؛ رواه النسائي، وصحَّحه الألباني.
من مثل أخيك؟! تجد عنده الأمن والاطمئنان، وما أجمل استقبال يوسف عليه السلام لأخيه: ? وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [يوسف: 69].
من مثل أخيك؟! ينشد لك الخير، ويتمنَّى لك الرِّفعة، فهذا موسى عليه السلام يطلب من ربِّه أن يُشرِكَ أخاه في الخير الذي أصابه لما اختاره الله رسولًا: ? قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى ? [طه: 25 - 36]، فكان سببًا في نبوَّة أخيه هارون، وهكذا الأخ يتمنَّى لأخيه أن ينال من الخير والبرِّ ما ناله.
قال بعض السلف: ليس أحدٌ أعظَمَ مِنَّةً على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولًا[1].
من مثل أخيك؟! تجد عنده الأمن والحفظ والصيانة، ? وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [يوسف: 69].
من مثل أخيك؟! يجهد أن تفوز بمغفرة الله ورحمته، حريصٌ على نجاتك يوم القيامة، تأمَّل دعاء موسى عليه السلام: ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأعراف: 151].
من مثل أخيك؟! يصفح عن خطئك، ويعفو عن زلَّتِك، فلا تثريب عليك عنده، هذا يوسف عليه السلام يُلقيه إخوتُه في الجُبِّ، ويتعرض بسببهم للبيع والرِّقِّ، وفتنة امرأة العزيز، ونسوة مصر، ويدخل السجن بسببهم، ويُفرَّق بينه وبين أبيه وشقيقه بسببهم، فلما احتاجوا إليه وعرفهم، كيف تصرف مع إخوته؟ تأمَّلوا هذا الحوار: ? قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف: 90 - 92]، ولما ذكر مِنَّة الله عليه نسي كل ما فعله إخوته به، ولم يجرح مشاعرهم، ونسب ذلك إلى نزغ الشيطان: ? وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ? [يوسف: 100].
من مثل أخيك؟! يُعينك على بِرِّ أبيك، والإصغاء إلى نصحه والعمل بتوجيهه: ? وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ? [البقرة: 132].
من مثل أخيك؟! يُعينك على السير على نهج أبيك في الهُدَى والصلاح: ? أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ? [البقرة: 133].
من مثل أخيك؟! نعم العون لك على طاعة ربِّك، وذكره ودعائه، تأمَّل دعاء نبي الله موسى وابتهاله لربه: ? هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ? [طه: 30 - 34].
من مثل أخيك؟ يُعينك على الاستقامة على الهُدَى والطاعة، والبُعْد عن الضلال وأهله، قال تعالى: ? قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? [يونس: 89].
من مثل أخيك؟ نِعم العون لك في نشر الخير والإصلاح: ? وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ? [الأعراف: 142].
من مثل أخيك؟! هو الناصح الأمين، والمشفِق الرحيم، يدلُّك على الخير، ويحثُّك عليه، وينهاك عن الشر، ويحذرك من عواقبه: ? قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ? [القلم: 28 - 32].
وكذلك الأخت من مثلها؟! هي صِنْو الأخ، قلبٌ عطوفٌ رفيقٌ، رقيقٌ رحيمٌ، ها هي أخت موسى تُعرِّضُ نفسَها لبَطْش فرعون وجنوده حرصًا على نجاة أخيها: ? وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ? [القصص: 11، 12]، الأخت أنت لها والدٌ إذا فُقِد، وأنت لها عونٌ وسَنَد، ونصيرٌ وعَضُدٌ، هي ريحانةُ حياتِك، في بِرِّها وصِلَتها فوزٌ بصلة الله لك، فيصلك خيره وبره وهدايته وتوفيقه.
فأي نعمة أنعمها الله علينا كمِنَّته بالأخ والأخت، فما أعظم مِنَّة الله علينا وفضله! ونعمة هذه منزلتها ينبغي أن تُصان وتُحفظ، وعلينا أن نتشبَّث بها، ونحافظ عليها، وأن نصبر على ما يحدث من أخطاء بشرية، ولا ندع فرصةً لشياطين الجن والإنس لإفساد هذه العلاقة العظيمة.
والأخوة لها حقوق كثيرة؛ ومنها:
1- الإحسان إلى الأخ، والتلطُّف في التعامل معه، وسد حاجته، تأمَّل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَدُ المعطي العليا، وابدَأ بمَنْ تَعُولُ: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك، أدناك))؛ رواه النسائي[2].
وعن أبي سعيدٍ الخُدْري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كانَ له ثلاثُ بناتٍ، أو ثلاثُ أخواتٍ، أو ابنتانِ، أو أختانِ، فأحْسَنَ صُحْبتَهُنَّ، واتَّقى اللهَ فيهن؛ دخَلَ الجنَّةَ))؛ رواه ابن حِبَّان، وحسَّنَه الألباني.
2- الدعاء له، وما أجمل دعوة موسى عليه السلام لربه! ? قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [الأعراف: 151].
3- التغافر والتسامح والتماس العذر عند وقوع الخطأ من الأخ على أخيه، فالحياة غالبًا ما تعتريها مصاعب ومنعطفات وزلَّات، هي من طبيعة البشر، قد يدخل الشيطان من خلالها بالتحريش والتفريق، وتضخيم الخلاف، ولنا عبرة في قصة نبي الله يوسف عليه السلام مع إخوته مع ما حصل منهم من حسدٍ واعتداءٍ عرَّضَ يوسُفَ للموت وللسجن، وللفتنة وللابتلاء الشديد إلا أنه صبر، وقال لهم:? لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ? [يوسف: 92].
لا تثريب عليك، ما أجمل أن تخرج من قلوبنا قبل ألسنتنا عند كل خلاف بيننا صفحًا وتغافرًا وتسامحًا وإحسانًا! وما أجمل قول القائل:
أَخُوكَ الَّذِي يَحْمِيكَ فِي الغَيْبِ جَاهِدًا
وَيَسْتُرُ مَا تَأْتِي مِنَ السُّوءِ وَالقُبْحِ
وَيَنْشُرُ مَا يُرْضِيكَ فِي النَّاسِ مُعْلِنًا
وَيُغْضِي وَلا يَأْلُو مِنَ البِرِّ وَالنُّصْحِ
وقال آخر:
سامِحْ أخاكَ إذا خَلَطْ
مِنْهُ الإصابةَ والغَلَطْ
وتَجَافَ عن تعنيفهِ
إنْ زاغَ يومًا أو قَسَطْ
واعلمْ بأنَّك إِنْ طَلَبْـ
ـتَ مُهَذَّبًا رُمْتَ الشَّطَطْ
مَنْ ذا الذي ما سَاء قَطُّ
ومَنْ لَه الحُسنى فَقَطْ
من أعظم الخسران قطع وصال الأخوة؛ فإنه من قطيعة الرحم، وقد قال الله تعالى: ? فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ? [محمد: 22].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ تَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنِّي قُطِعْتُ، يَا رَبِّ، إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ، يَا رَبِّ، إِنِّي ظُلِمْتُ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، قَالَ: فَيُجِيبُها: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟))؛ رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني.
قال علي بن الحسين لولده: يا بني، لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونًا في كتاب الله.
وقاطع الرحم تُعجَّل له العقوبة في الدنيا، فعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ))؛ رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني.
__________
[1] تفسير ابن كثير (6 / 236).
[2] وصححه الألباني. |