خطوات على طريق التغيير الإيجابي
عزيزي القارئ الكريم، كم مرة حاولت فيها أن تغير حالك إلى الأفضل؟ في عملك، في دراستك، في علاقاتك الاجتماعية، والأهم من ذلك كله: علاقتك مع الله سبحانه وتعالى؟
التغيير الإيجابي
التغيير يحتاج إلى جدية وإقدام
الإنسان الطبيعي يحدث نفسه دائماً بالتقدم نحو الجديد الأفضل، وهذا هو ما يعرف بـ(الطموح)، ولكن قد لا يتحرك البعض فعلياً نحو التغيير الإيجابي في أيٍّ من جوانب حياتهم المختلفة؛ فتظل رغباتهم تلك مجرد أماني وأحلام يقظة ليس إلا، فما هي الأسباب التي تقعد بالمرء عن التحرك العملي نحو التغيير الإيجابي في حياته؟ هذا، وتفاصيل أخرى حول التغيير الإيجابي، نتعرف عليها في الأسطر التالية.
سنة ربانية في التغيير
بداية لنتفق أن الأسوياء من البشر يسعون دائماً إلى تحسين أوضاعهم وأحوالهم بشكل مستمر ما داموا على قيد الحياة، وفي الإسلام يعد الترقي في العمل الصالح وتصحيح القصد والنية وتحسين الخلق هو منهج حياة المسلم، وبقدر اجتهاد كل مسلم في هذا المنوال بقدر ما ينال من الدرجات عند الله وبقدر ما تطيب نفسه وتستقيم أموره في هذه الحياة الدنيا، قال تعالى:”
ولكن الله تعالى بيَّن لنا القاعدة والسنة الربانية في ذلك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11).
نعم. حتى يغيروا هم ما بأنفسهم..!
كثير من الناس يستشعرون أنهم بحاجة ماسة إلى التغيير الإيجابي، ولكن الغالبية ينتظرون المعجزة أو الأمر الخارق الذي سوف يأتيهم ويغير واقعهم إلى الأفضل، (من جيل جديد، من حاكم قوي، أو رجل مُخَلِّص، من دولة أجنبية عظمى، أو من حكومة جديدة قوية… إلخ) ولن يحدث ذلك. ولكن السنة الكونية تقول: إن التغيير الحقيقي وطريق أي إصلاح يجب أن يبدأ من الداخل.
مراحل التغيير التي يمر بها الإنسان المصلح
إنّ تحرك المرء نحو التغيير الإيجابي والارتقاء بنفسه إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه، والمشاركة الإيجابية في إصلاح المجتمع من حوله، يحتاج من الإنسان المسلم الإيجابي أن يُقدِم وبجديَّة على التغيير، وأن يبدأ من داخل نفسه، وأن يجاهد نفسه ويأخذ بالأسباب التي تعينه على ذلك -بعد الاستعانة بالله- ويصبر عليها حتى يتم التغيير بإذن الله تعالى.
وهنا يذكر لنا علماء النفس ست مراحل أساسية للتغيير، هي:
أولاً: مرحلة الإسقاطات:
في هذه المرحلة لا يرى الشخص أنه السبب في مشاكله ووضعه الحالي، هو يسقط كل معاناته أو وضعه الحالي على الظروف الخارجية.. على أبيه الذي اضطهده وأضعف شخصيته.. أمه القاسية المتسلطة.. أو أقاربه الذين سحروه أو حسدوه.. أو مديره القاسي في العمل.. أو الحكومة الظالمة التي ضيعت عليه فرصًا.. أو بلده غير المتفهم المضطرب الفقير الذي يدوس الآمال.. أو الزمن المخزي الذي نعيش فيه.. حتى تصل المرحلة عند بعض الناس إلى أن يلوم الدهر أو الكون -أو حتى والعياذ بالله – يرفع اللوم إلى الله عز وجل!.
في هذه المرحلة يكون الإنسان لا أمل له في تغيير وضعه، أو التشافي من مرضه، أو التغلب على مشكلته! أغلب الناس – وخاصة في أمتنا اليوم – يعيشون في هذه المرحلة.
ثانيًا: مرحلة الاستيعاب:
هذه المرحلة تسمى أيضاً (مرحلة الاعتراف)، يقول علماء الاجتماع: إن أول مراحل حل أي مشكلة هو الاعتراف بوجود المشكلة! وهو أمر لا شك منطقي، فمن لا يعترف بوجود المشكلة لن يحلها أبدًا. ومن هنا كان الاعتراف مقدمًا على الخطأ؛ لأن المعترف يصحح، لكن الناكر يريد أن يقول إني لا أريد أن أصحح.
من هنا حرص الإسلام على قبول التوبة من الإنسان، وإن تكرر منه الخطأ، بل جعل التائب من الذنب -المعترف بالخطأ والمستوفي لشروط التوبة – كمن لا ذنب له، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك” (صحيح البخاري، التوحيد، 7507).
فالمعتذر من خطأ كأنه يريد أن يقول: سأصحح الخطأ أو لن أعود إليه، لكن المصر غير المعترف يريد أن يقول: ليس هناك خطأ أصلاً حتى أصححه، وليس هناك مشكلة وكل شيء على ما يرام..!
إنّ الاعتراف أول مراحل التغيير الحقيقي، لأن الاعتراف قوة، ومواجهة المشاكل شجاعة، وجبر النقائص فضيلة.
ثالثًا: مرحلة الاستعداد:
وهي مرحلة الاستشارة والسؤال ثم التخطيط. ومثال ذلك:
إنسان مقصر في أمر دينه، ويريد أن يتعلم الدين من منابعه الصافية، عندئذٍ سيبدأ في البحث عن كل ما يفقه في أمور دينه، فيطلع على السيرة النبوية الشريفة بالتفصيل، و تفسير القرآن الكريم، وعلى قصص الأنبياء وسير الصحابة والتابعين والصالحين، وعلى العقيدة الصحيحة، والتاريخ الإسلامي –ودراسته مهمة جداً للوقوف على تحليل جيد وصائب لحال أمتنا الآن، ومن ثم التعرف على أسباب النهوض مرة أخرى- ، ويبدأ بالبحث عن دراسة أكاديمية موثوقة في علوم الشريعة، ثم بحضور المحاضرات وقراءة الكتب وكل ما من شأنه أن يساعده على الارتقاء بنفسه من الناحية الدينية إلى ما يسعده ويُرضي عنه ربه، ويجعله على استعداد كامل للمشاركة بإيجابية في أمر الإصلاح والدعوة إلى الخير – وأعلاها الدعوة إلى الله تعالى – وبناء جيل النصر والتمكين.
رابعًا: مرحلة التطبيق:
وهي مرحلة مهمة تبدأ ترى فيها النتائج. إن التطبيق العملي والتنفيذ هو صلب الإنجاز، وحجة أصحاب النفوس الراقية، ومن لا يطبق فلا يتوقع أي نتائج أبدًا. إن هذه المرحلة من الإنجاز هي مرحلة كشف الجادين من الخائبين.
إذا كنت تود أن تكون عابدًا تقيًّا صالحًا مصلحًا وأنت تتعامل بالربا، أو تظلم زوجتك في المنزل أو مرؤوسيك في العمل؛ أو كنت تود أن تكون أبًا وزوجًا مثاليًّا وأنت تقضي أكثر من أربع عشرة ساعة في العمل أو في الدردشة في المقاهي أو ساهرا طوال الليل أمام شبكات التواصل الاجتماعي؛ أو إذا كنت تريد أن تربي أولادك تربية إيجابية وتجعل منهم أبناء صالحين مصلحين وأنت لا تجلس معهم لتسمع منهم، وتشاركهم الرأي وتعلمهم فنون التفكير واتخاذ القرار وحل المشكلات ومهارات الاتصال مع الناس وآداب الحديث والذوق، وتشجعهم على الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن وحفظ القليل أو الكثير منه؛ أو إذا كنت تود أن تطور نفسك في مجال معين -كجانب التفقه في الدين مثلاً- وأنت لا تقرأ أي كتاب ولا تحضر أي محاضرة ولا تسمع أي محاضرة ولا تشاهد أي برنامج في هذا المجال؛ أو إذا كنت من الذين يقرءون ويسمعون ولكن لا يطبقون؛ إذا كنت تود شيئًا من ذلك ثم أنت جالس على السرير تتمنى أن ترتقي بنفسك وتساعد من حولك للارتقاء بأنفسهم إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه، فسوف يطول بك التمني…
نحن نعرف أنه من جدَّ وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، فعلينا أن نتعلم الطريقة ثم نكون مصرِّين على بلوغ أهدافنا، علينا أن نعرف الطريق، وأن نصِرَّ على المضي فيه حتى نصل بإذن الله تعالى.
خامسًا: مرحلة الصيانة والمحافظة:
وهي مرحلة العزيمة والإصرار والصبر والتأكد من الحصول على النتائج؛ لضمان استمرارية النجاح أو رعاية التعافي من السلبيات للوصول إلى بر الأمان، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).
سادسًا: مرحلة القضاء على المشكلة:
والتأكد من عدم العودة إلى المرحلة السابقة، وهي المرحلة التي يحدث فيها تطابق حقيقي وكامل بين السلوك والقيم. وفي هذه المرحلة يتم التأكد من حدوث التغيير والوصول إلى الهدف المرجو بإذن الله، فيشعر الإنسان أنه قد تغير فعلاً، وارتقى بنفسه وبسلوكه إلى غير ما كان عليه، وأصبح جزءًا من مشروع إصلاحي شامل، فتطمئن النفس ويسعد هو ومَن حوله بإذنه جل وعلا. |