أفضل أيام الدنيا
د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوعٍ بعنوانِ: «أفضل أيام الدنيا».
فَأَرِعُونِي قلوبكم، وأسماعكم جيدا، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله، وأولئك هم المفلحون.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله عز وجل اختص عباده المؤمنين بعدة خصائص، وفضائل، ومن هذه الفضائل، والخصائص أن جعل لهم مواسم تضاعف فيها الأجور والحسنات، ومن هذه المواسم العشر الأُوَل من ذي الحجة.
وهذه الأيام العشر أفضل أيام الدنيا كلِّها.
روى الترمذي بسند صحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» [1] .
وروى الدارمي بسند صحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ عز وجل وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى»، قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ عز وجل إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»[2].
واعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن من نعم الله على عباده أن يُدركوا هذه العشر؛ لما فيها من مضاعفة الأجور.
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهديُّ: «كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ؛ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنَ المُحَرَّمِ، وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ»[3] .
ولعظيم مكانة هذه الأيام عند الله سبحانه وتعالى أقسم بها في محكم آياته.
قال الله تعالى: ? وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ? [الفجر: 1، 2].
وأعظم هذه الأيام العشر هو يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة.
روى أبو داود بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ»[4].
وأكثر الأيام التي يعتق الله فيها عباده من النار هو يوم عرفة.
روى مسلم عنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»[5] .
ويستحب لنا في هذه الأيام المباركة الإكثار من جميع الأعمال الصالحة.
ومن أجلِّ الأعمال التي يستحب الإكثار منها في هذه الأيام:
1- كثرة ذكر الله تعالى من تكبير وتهليل وتحميد:
قال الله تعالى: ? وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ? [الحج: 28].
قَالَ ابْنُعَبَّاسٍ: «وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ: أَيَّامُ العَشْرِ»[6].
ويستحب إظهار التكبير في المساجد، والمنازل، والشوارع، وغيرها.
قال الإمام البخاري: «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا» وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ»[7].
يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
ويقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله اكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
ويستحب في هذه الأيام الإكثار من الصيام.
روى النسائي بسند صحيح عنْ بَعْضِ نِسَاءِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ»[8].
وأعظم الأيام العشر صياما يوم عرفة.
روى مسلمعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟[9] فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ، وسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ[10]؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ»[11].
وفي رواية لابن ماجه بسند صحيح عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غُفِرَ لَهُ سَنَةٌ أَمَامَهُ، وَسَنَةٌ بَعْدَهُ»[12].
ومما يستحب فعله في هذه الأيام الأضحيةوهي سنة مؤكدة في حق الموسر.
والأضحية سنة أبينا إبراهيم عليه السلام.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ[13]، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا[14]، يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ»[15].
أقول قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي، ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد..
ومما يستحب فعله في هذه الأيام العشر الحجُّ والعمرة لمن حجَّ واعتمر الفريضة.
روى الترمذي بسند صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ[16] خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ»[17].
ومن أجلِّ الأعمال في هذه الأيام العشر صلاة العيد وهي فرض عين على الرجل والمرأة.
روى البخاري عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: «أَمَرَنَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم بِأَنْ نُخْرِجَ العَوَاتِقَ[18]، وَذَوَاتِ الخُدُورِ[19]، وَيَعْتَزِلْنَ الحُيَّضُ المُصَلَّى»[20].
الدعاء...
اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا، وتضع وزرنا، وتصلح أمرنا، وتطهر قلوبنا، وتحصن فروجنا، وتنوِّر قلوبنا، وتغفر لنا ذنوبنا، ونسألك الدرجات العلا من الجنة آمين.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير، وخواتمه، وجوامعه، وأوله، وظاهره، وباطنه، والدرجات العلا من الجنة آمين.
اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير العمل، وخير الثواب، وخير الحياة، وخير الممات، وثبتنا، وثقِّل موازيننا، وحقق إيماننا، وارفع درجاتنا، وتقبل صلاتنا، واغفر خطيئتنا، ونسألك الدرجات العلا من الجنة.
اللهم إنا نسألك خير ما نأتي، وخير ما نفعل، وخير ما نعمل، وخير ما نبطن، وخير ما نُظهر، والدرجات العلا من الجنة آمين.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
[1] صحيح: رواه البخاري (969)، والترمذي (757)، واللفظ له، وأبو داود (2438)، وابن ماجه (1727)، وأحمد (3228).
[2] صحيح: رواه الدارمي في سننه (1815)، والبيهقي في الشعب (3476).
[3] انظر: مختصر قيام الليل، للمرزوي، صـ (247).
[4] صحيح: رواه أبو داود (1765)، وصححه الألباني.
[5] صحيح: رواه مسلم (1348).
[6] انظر: صحيح البخاري (2 /20).
[7] انظر: صحيح البخاري (2 /20).
[8] صحيح: رواه النسائي (2372)، وصححه الألباني.
[9] يوم عرفة: هو اليوم التاسع من ذي الحجة.
[10] يوم عاشوراء: هو اليوم العاشر من المحرم.
[11] صحيح: رواه مسلم (1162).
[12] صحيح: رواه ابن ماجه (1731)، وصححه الألباني.
[13] أملحين: مثنى أملح، وهو الذي بياضه أكثر من سواده. [انظر: النهاية في غريب الحديث (4 /354)].
[14] صحافهما: صفحة الشيء جانبه.
[15] متفق عليه: رواه البخاري (5558)، ومسلم (1966).
[16] الكير: أي كير الحداد الذي ينفخ به النار. [انظر: النهاية في غريب الحديث (4 /217)].
[17] صحيح: رواه الترمذي (810)، والنسائي (2630)، وأحمد (3669)، وصححه أحمد شاكر، والألباني.
[18] العواتق: أي الكبيرات في السن، وقيل: الجواري اللائي أوشكن على البلوغ. [انظر: النهاية في غريب الحديث (3 /179)، والمعلم شرح صحيح مسلم (3 /298)].
[19] ذوات الخدور: أي اللائي لا يخرجن من بيوتهن. [انظر: المعلم شرح صحيح مسلم (3 /298)].
[20] صحيح: رواه البخاري (974).
|