ليلة القدر
هبة حلمي الجابري
اتفقنا على استغلال مواسم العبادات ومحاولة الفوز بأكبر مكسب ممكن منها، وأتتنا فرصة عظيمة؛ فمع فضل الليالي العشر، فإن فيها ليلة عظيمة، ليلة واحدة العبادة فيها خير من ألف شهر، ليلة لو قمناها إيمانًا واحتسابًا غُفر لنا ما تقدم من ذنوبنا.
هل تعرفون كم يعدل ألف شهر؟ 83 سنة و4 أشهر، ليلة واحدة فقط أجر العبادة والقيام فيها يعادل أكثر من أجر قيام وعبادة 83 سنة؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الشهرَ قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولا يُحْرَمُ خيرَها إلا كُلُّ محرومٍ))؛ [حسنه الألباني في مشكاة المصابيح].
بالفعل من يضيع ليلة القدر في نوم أو مشاهدة تلفاز أو واتس آب أو فيس بوك أو على المقهى، فهو محروم، وأي حرمان؟
فمتى تكون هذه الليلة العظيمة لنجتهد في العبادة فيها؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((التَمِسُوهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ))؛ [رواه البخاري]، ورأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها))؛ [رواه مسلم].
إذًا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وخاصة في ليالي الوتر منها؛ أي ليالي 21، 23، 25، 27، 29، وليس ليلة 27 فقط كما يظن كثير من الناس، فيقومون هذه الليلة فقط وينسون بقية الليالي، فاجتهدوا رحمكم الله في كل ليلة وتر – بل في ليالي العشر جميعًا - كما تجتهدون ليلة 27 تمامًا.
كيف نستغلها لنفوز بها؟
كل عبادة نستطيع القيام بها؛ صلاة وذكر وقراءة قرآن وخصوصًا الدعاء، كما نكثر من قول: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةِ القدرِ ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللهمَّ إنك عفوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي))؛ [رواه الترمذي]، وبالطبع نبتعد فيها عن كل معصية وكل ما يلهينا عن العبادة حتى لو كان أمرًا مباحًا.
جدول مقترح في ليلة القدر:
• عند غروب الشمس ندعو أن يعيننا الله ويوفقنا لقيام ليلة القدر.
• تجهيز صدقة، فلا يفوتنا ليلة من ليالي الوتر دون صدقة ولو مبلغًا بسيطًا جدًّا.
• الحرص على الفرائض والسنن كلها؛ سنن الأذان وسنن الإفطار وسنن الوضوء، الأذكار بعد الوضوء والصلاة وغيرها، فنحافظ على السنن كلها.
• لا يزال لساننا دائمًا رطبًا من ذكر الله مع الإكثار من قول: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)).
• الصلاة بخشوع إذا أُقيمت الصلاة، وكلما قرأ الإمام آية نستشعر قراءته، حتى النساء في البيوت يصلين بخشوع.
• بعد العودة من صلاة التراويح لا يكون هذا هو آخر العهد بالعبادة حتى صلاة القيام، بل نجعل في البيت أوفر الحظ والنصيب من العبادة سواء بالصلاة أو بغيرها.
• ليكن لنا جلسة مع كتاب ربنا فنقرأه، فإذا تعبنا استرحنا بذكر الله من التهليل والتسبيح، والتحميد والحوقلة، والتكبير والاستغفار، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
فإن نمنا على الذكر نَنَلْ أجرًا حتى في نومنا - بإذن الله - ونستيقظ لصلاة قيام الليل، وليكن لنا ساعة خلوة مع ربنا ساعة السَّحَر فنتفكر في عظمة الخالق، ونعمه التي لا تحصى علينا، مهما كنا فيه من حال أو شدة، فالحمد لله، نحن أحسن حالًا ممن هو أشد منا.
• الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فهي ليلة عظيمة يقدر فيها كل ما يحدث خلال العام.
• أخيرًا وقبيل الفجر لا بد من السحور ولو بماء، مع احتساب العمل بالسنة، ثم نتوضأ ونستعد لصلاة الفجر، ونحن إما في ذكر أو دعاء أو قراءة قرآن.
علامات ليلة القدر:
ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن لليلة القدر علامات مقارنة وعلامات لاحقة.
العلامات المقارنة:
• قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيدًا عن الأنوار.
• الطمأنينة؛ أي: طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراحَ صدر في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي.
• أن الرياح تكون فيها ساكنة؛ أي: لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسبًا.
• أنه قد يُرِي الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
• أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي.
العلامات اللاحقة:
أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام؛ ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها)).
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابًا.
التطبيق العملي:
ضع لنفسك خطة أو جدولَ عباداتٍ لاغتنام ليلة القدر والتزم به.
|