تمت الإضافة بتاريخ : 11/04/2022

فضل ليلة القدر

د. عبدالسلام حمود غالب

يُسن للمسلم إحياء ليلة القدر بالصلاة والذكر، والدعاء وتلاوة القرآن، وبذل المعروف، وهي ليلة عظيمة القدر؛ حيث يُفرق فيها كل أمر حكيم.

 

وليلة القدر خير من ألف شهر، وذلك يساوي ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر، وهي في العشر الأواخر، وترجى ليلة سبع وعشرين من رمضان.

 

1- قال الله تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 1 - 5].

 

2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [متفق عليه].

 

3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني))؛ [أخرجه الترمذي، وابن ماجه].

 

حكم العمرة ليلة القدر:

تُسن العمرة في كل وقت، وهي في رمضان آكد؛ لأنها فيه تعدل حجة، أما تخصيص ليلة القدر بعمرة، فبدعة؛ لأنه تخصيص لعبادة في زمن لم يخصصه الشرع، وإنما خص الشرع ليلة القدر بالقيام فيها، وإحياء ليلها بالعبادة والصلاة.

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [متفق عليه].

 

ومما يتعلق بها من أحكام:

فضلُ ليلةِ القَدرِ: أُنزل فيها القرآن؛ قال تعالى:? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ? [القدر: 1].

 

• يقدر الله سبحانه وتعالى فيها كل ما هو كائن في السَّنَة؛ قال تعالى: ? فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ? [الدخان: 4، 5].

 

ففي تلك الليلة يقدر الله سبحانه مقادير الخلائق على مدار العام، ويُكتب فيها الأحياء والأموات، والناجون والهالكون، والسعداء والأشقياء، والعزيز والذليل، وكل ما أراده الله سبحانه وتعالى في السنة المقبلة، يُكتب في ليلة القدر هذه

 

• أنها ليلة مباركة؛ قال تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ? [الدخان: 3].

 

• العبادة فيها تفضل العبادة في ألف شهر؛ قال تعالى: ? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ? [القدر: 3].

 

فالعبادة فيها أفضل عند الله من عبادة ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر.

 

وألف شهر تعدل: ثلاثًا وثمانين سنةً وأربعة أشهر.

 

• ينزل فيها جبريل والملائكة بالخير والبركة: قال تعالى: ? تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ? [القدر: 4]، فتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة، والرحمة والمغفرة.

 

• ليلة القدر سلام؛ قال تعالى: ? سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ? [القدر: 5]؛ فهي ليلة خالية من الشر والأذى، وتكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب؛ فهي سلام كلها.

 

ما يشرع في ليلة القدر:

المسألة الأولى: القيام:

يشرع في هذه الليلة الشريفة قيام ليلها بالصلاة.

 

الدليل من السنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه)).

 

المسألة الثانية: الاعتكاف:

يشرع في ليلة القدر الاعتكاف؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر؛ التماسًا لليلة القدر.

 

الدليل من السنة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، وقد أرُيت هذه الليلة ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)).

 

المسألة الثالثة: الدعاء:

يشرع الدعاء فيها والتقرب به إلى الله تبارك وتعالى.

 

الدليل من السنة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم، إنك عفو تحب العفو، فاعفُ عني)).

 

المسألة الرابعة: العمل الصالح:

قال الله تعالى: ? لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ? [القدر: 3].

 

قال كثير من المفسرين: "أي: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر؛ ففي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر".

 

وقت ليلة القدر:

ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقول للمالكية، واختاره ابن تيمية والصنعاني.

 

الأدلة من السنة:

1- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)).

 

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى)).

 

3- عن ابن عمر رضي الله عنهما، ((أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرَّها في السبع الأواخر)).

 

4- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها)).

 

هل ليلة القدر تتنقل أم هي ثابتة؟

لا تختص ليلة القدر بليلة معينة في جميع الأعوام، بل تتنقل في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، وقول عند المالكية، وهو قول أكثر أهل العلم.

 

الأدلة من السنة:

1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي، فليثبت في معتكفه، وقد أُريت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماءً)).

 

2- عن عبدالله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها، وأراني صبحها أسجد في ماء وطين، قال: فمُطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله، فانصرف، وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه)).

 

بقاء ليلة القدر ولم تُرفع:

ليلة القدر موجودة لم ترفع، وباقية إلى يوم القيامة.

 

الأدلة: أولًا: من السنة عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)).

 

ثانيًا: من الإجماع: نقل الإجماع على ذلك: النووي.

 

علامة ليلة القدر:

من علامات ليلة القدر أن الشمس تطلع في صبيحتها صافيةً، ليس لها شعاع.

 

الدليل من السنة: عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: ((... أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها))، وفي لفظ آخر لمسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: ((وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها)).

 

عن أبي عقرب، قال: ((غدوت إلى ابن مسعود ذات غداة في رمضان فوجدته فوق بيته جالسًا، فسمعنا صوته وهو يقول: صدق الله وبلغ رسوله، فقلنا: سمعناك تقول: صدق الله وبلغ رسوله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر من رمضان تطلع الشمس غداتئذٍ صافيةً ليس لها شعاع، فنظرت إليها فوجدتها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

 

عن زر بن حبيش قال: ((سألت أبي بن كعب رضي الله عنه، فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول، يصب ليلة القدر؟ فقال رحمه الله: أراد ألَّا يتَّكِلَ الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها))؛ [هذا لفظ مسلم].

 

وعند أبي داود: ((تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع))، وعند أحمد عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال: ((تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر، فقال أبيٌّ: أنا - والذي لا إله غيره - أعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين تمضي من رمضان، وآية ذلك أن الشمس تصبح الغد من تلك الليلة ترقرق، ليس لها شعاع، فزعم سلمة بن كهيل أن زرًّا أخبره أنه رصدها ثلاث سنين من أول يوم يدخل رمضان إلى آخره، فرآها تطلع صبيحة سبع وعشرين ترقرق، ليس لها شعاع)).

 

وحديث آخر: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليلة القدر في العشر البواقي، من قامهُنَّ ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمرًا ساطعًا ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يُرمى به فيها حتى تصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستويةً ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذٍ)).

 

عن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء)).

 

عن واثلة قال صلى الله عليه وسلم: ((ليلة القدر ليلة بلجة لا حارة ولا باردة، ولا يُرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها)).