تمت الإضافة بتاريخ : 07/04/2022

رمضان .. موسم المراجعة

بحلول شهر رمضان المبارك من هذا العام ؛ تكون مجلة ( البيان ) قد أشرفت على نهاية عامها الأول ، وفي هذه المناسبة الكريمة - مناسبة حلول هذا الشهر الكريم - يستطيب للمسلم أن يجعل من رمضان علامة يقف عندها في مسيرته ، فيحاسب نفسه ، ويضع خطة العمل للمستقبل .

 

وإنها لعادة حسنة ، وعرف طيب للمسلمين ، أن يتخذوا من رمضان  مغلاقاً لفترة مضت ، ومفتاحاً لفترة أقبلت ، فعلى حين يختم غير المسلم سنة من  عمره ويفتتح سنة أخرى بالعربدة ، والاستغراق في الشهوات والمعاصي ، ومحاربة   الله تعالى ، وتعدي حدوده ومحارمه فإن المسلم شأنه شأن آخر : خشوع وإخبات ،   وقيام بحق الله من العبادة والشكر ، وتضرع إليه تعالى ليتقبل الطاعات ، ويتجاوز   عن السيئات ، ويسدد الخطا ، وينير السبيل لعباده فيما يستقبلون من أيام.

 

وقد كان رمضان - ومازال - موسماً من مواسم الخير يغتنمه الأتقياء للاستزادة من صالح العمل ، ويلقي بظله الظليل على العصاة والغافلين ، فيتوبون ، ويعاهدون ربهم على الإقلاع عما هم فيه ، وقد يصدقون العهد ، وقد يفشلون ويقعون في مهاوي الغفلة والنسيان ، فالسعيد السعيد من جعل رمضان مجدداً للعزم والطاعة ،   وحافزاً للتمسك بحبل الله ، وفرصة يتزود فيها بزاد التقوى ، والشقي الخاسر من مرَّ به رمضان كغيره من الشهور ، لم يُعِرْهُ التفاتاً ، ولم يتعرض لنفحات الله -عز وجل- فيه .

 

وكما وعدنا قراءنا الكرام ، عند صدور العدد الأول من هذه المجلة ، فإننا نريد أن نشركهم في تجربتنا ، ونطلعهم على طرف من معاناتنا . وانطلاقاً من ذلك فإننا سنبوح لهم ببعض الصعوبات التي واجهتنا ،   وتواجهنا .

 

1- أول هذه الصعوبات أننا نعمل في ظروف غير طبيعية ، حيث لم  نستكمل بعد كثيراً مما يتطلبه مثل هذا العمل .

 

2- إن مخاطبة القارىء العربي من وراء الحدود ، تربو في صعوبتها  على مخاطبته من داخل الحدود في مثل هذه الظروف الشاقة التي تحيط بنا ، حيث   قد وضعنا نصب أعيننا هدفاً ، هو الحرص على أن تصل ( البيان ) إلى كل عربي ، وتخاطب كل معنِيٍّ بالدعوة الإسلامية أينما وجد .

 

وقد حاولت تحقيق الغاية المرجوة قلباً وقالباً ، شكلاً ومضموناً ، ولذلك فقد مارسنا رقابة ذاتية مضنية لتجنب مواقع الخلل ومواطن الضعف ، حتى تصل الكلمة المخلصة النظيفة التي تكون لبنة بناء لا معول هدم .

 

3-إن حمى الفرقة والانشطار قد ضربت كل شيء في العالم الإسلامي ، ولم ينج منها { إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } ، وانعكس هذا الداء الخطير على العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ، وذلك بسبب غياب المنهج الصارم ، والنظرة الواضحة المحددة التي تقوّم بها الأمور ، فما يكاد صوت يرتفع بهذه الدعوة حتى تتعالى الصيحات والاستفسارات مشككة أو مشاغبة دون دليل أو برهان .

 

قد وجدنا - وسنجد - صعوبة واضحة وبسيطة ، وهي : أننا لسنا دعاة تعصب وتحزب ، وليس من همنا مهاجمة هذه الجهة ، أو تلك ، ولا نعتقد أن إضاعة الجهود في مثل ذلك مما يعود على المسلمين بالعزة والمنعة ، وأن مجال عملنا هو الدعوة إلى الله على بصيرة متمثلة بمنهج أهل السنة والجماعة الذي نعتقده أنه هو المنهج الوسط الذي لا إفراط فيه ، ولا تفريط ، لا تطرف ، ولا تهاون ، وكل دعوة أو منهج - بخلاف ذلك - فهو حائد إلى إحدى الجهتين : غلو ، أو تحلل .

 

وإننا - على الرغم من كل الصعاب والمشكلات التي تواجهنا - ماضون بعون الله في طريقنا ، تحدونا آمال كبيرة ، ويدفعنا التفاؤل إلى الأفضل ، ولعل القارئ الكريم يلحظ أن هناك تطوراً ملموساً في المجلة شكلاً ومضموناً ، ونسأل الله أن يأخذ بيدنا كي تصدر المجلة كل شهر ، فالساحة الإسلامية تدعو إلى ذلك ،  وعلى الرغم من سوء الواقع ، وكثرة المشاكل التي يرزح تحتها الجسم الإسلامي ؛ فإن هناك ما يدعو إلى مضاعفة الجهد من أجل بث الوعي الإسلامي والتعريف بالإسلام .

 

فالحضارة الغربية بشقيها -الرأسمالي والشيوعي- تبدو مفلسة لا معنى لها ، والمؤمن الذي يبصر بنور الله يرى ذلك ماثلاً للعيان ، فشبح الزوال يحيط بهذه الحضارة التي تفننت في ابتكار وسائل الرخاء المادي تفننها في ابتكار وسائل التدمير ، ولكنها لم تكتف أن عجزت عن تقديم شيء يداوي الروح المريضة ، ويبعث في النفس القلقة السكينة والراحة ؛ بل قتلت هذه الروح ، وعاشت جسماً ضخماً يبعث الرهبة والفزع ، ويحيط به العبث والخواء .

 

ومن جهة أخرى ، فالعالم الإسلامي يتطلع إلى البديل الذي ينقذه مما عانى - ويعاني- في ظل الأفكار غير الإسلامية ، فقد مل الكبت والقهر الذي فرض عليه من قِبل القوى الغاشمة ورموزها ، وأدرك أن الأمم التي تستورد الأفكار مصيرها أن تستجدي الغذاء والكساء وأسباب البقاء ممن لا يجود به لله ، بل ابتغاء مطامع ومكاسب ، وإلا فمصيرها الاندثار والزوال ، وأنه لا عاصم لهذه الأمم من هذه النهاية البائسة ، إلا أن ترجع إلى ربها ، تطلب منه العون والسداد ، وتثوب إلى عقيدتها المهجورة ، تستمد منها دليل العمل .

 

وإننا لنرى أصداء العودة تتردد في كل الجهات : على لسان الأصدقاء ، مشجعين مستبشرين ، وعلى لسان الأعداء ، محذرين ومتذمرين . { وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ} [آل عمران: 120] .