الاستعداد الدعوي لشهر النفحات
رمضان فوزي بديني
أيام قليلة تفصلنا عن شهر الخير والبركة، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
ويُعد هذا الشهر الكريم فرصة كبيرة للدعوة إلى الله تعالى؛ حيث تكون القلوب مفتوحة للخير، والنفوس مهيأة للتغيير، والأرواح محلقة في عالم الإيمان، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النار مغلقة، والشياطين موصدة..
إنها فرصة كبيرة ومنحة إلهية لا ينبغي للداعية الحاذق أن يفرط فيها؛ بل عليه أن يغتنمها ويستثمرها الاستثمار الأمثل، ولن يتأتى له ذلك إلا من خلال الاستعداد الدعوي الجيد لهذا الشهر، والتخطيط المحكم على كل المستويات؛ بحيث يستفيد من كل لحظة من لحظاته وكل نفحة من نفحاته..
وهذه بعض المقترحات لمظاهر استعداد الداعية لشهر رمضان:
أولا- الاستعداد الإيماني والروحي:
إن دور الداعية يتمثل أول ما يتمثل في الارتقاء الإيماني والروحي والتعبدي بالأفراد، ولن يتأتى له ذلك حتى يكون متحققا هو بهذا الارتقاء؛ ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ فإذا كان الداعية يريد زيادة الرصيد الإيماني لدى الناس فعليه أن يزيد رصيده هو أولا، سواء كان ذلك في رمضان أم في غيره.
فإذا كان الأمر متعلقا بفرصة تأتي مرة واحدة في العام فإن الأمر يكون أولى وأوجب؛ مع الوضع في الاعتبار أن النفس تكون بحاجة للتهيئة والتمهيد المتدرج حتى تصل لدرجة مرتفعة ومستقرة من الإيمان والعبادة، فهذه الحالة لا تتأتى إلا بمجاهدة ودربة للنفس قوية؛ ولذلك قال أحد الصالحين: “جاهدت نفسي في قيام الليل عاما، فذقت حلاوته عشرين عاما”.
ولذلك على الداعية أن يبدأ من الآن فيما يلي:
التهيئة النفسية والروحية من خلال معايشة أجواء رمضان ونفحاتها، ومطالع ما كتب في فضائله.
الحرص على قيام الليل ولو بركعتين، حتى إذا جاء رمضان كان مستعدا لإمامة الناس في القيام.
الحرص على ختم القرآن بتدبر وخشوع.
صيام الإثنين والخميس أو ما يستطيعه من أيام شعبان.
الإنفاق والصدقة ليكون قدوة لغيره.
ثانيا- الاستعداد العلمي والمعرفي:
يقوم دور الداعية على الوعظ والتبليغ عن رب العالمين؛ حتى يحقق قول الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108)؛ ولذلك فإن من أهم مظاهر استعداداته الاستعداد العلمي، وذلك من خلال ما يلي:
مطالعة فقه الصيام مطالعة جيدة، ودراسة المسائل المتكررة فيه؛ بحيث يقوم بتوعية الناس به، ويكون مستعدا للردود على أسئلتهم واستفساراتهم في هذا المجال.
أن يضع خريطة معرفية لشهر رمضان؛ بحيث يحدد بعض الأهداف التي يريد تحقيقها في الناس خلال هذا الشهر.
يمكنه من الآن عمل استبيان بين الناس عن أهم الموضوعات التي يريدونه التطرق لها؛ بحيث يركز على أكثر الموضوعات اختيارا من الناس.
يبدأ في تجهيز المادة العلمية التي تحقق أهداف خطته المبنية على رفع واقع الناس ويدرسها جيدا؛ بحيث إذا دخل رمضان يكون مطلوبا منه مراجعة الدروس مراجعة سريعة فقط؛ وهو ما يسهل عليه ديمومة التواصل مع الناس وتنوع مصادره وموضوعاته.
تجهيز بعض المطويات التي تحوي بعض آداب الصوم وأحكامه وفضائل شهر رمضان.
التواصل مع غيره من الدعاة والعلماء لتبادل الأفكار العلمية والدعوية.
ثالثا- تهيئة الناس:
على الداعية ألا ينتظر حتى يدخل رمضان ثم يبدأ في تهيئة الناس؛ بل عليه أن يبادر قبل دخول رمضان في هذا الأمر، وذلك من خلال ما يلي:
حث الناس على التزود في العبادة فيما تبقى من شعبان استعدادا لرمضان.
تذكيرهم بفضائل رمضان من الآن، وأهمية الاستعداد المبكر له؛ حتى يبدؤوا في تهيئة أنفسهم وأولادهم وبيوتهم مبكرا.
يمكن أن يبدأ مع الناس من الآن في ممارسة بعض الشعائر التي تهيئهم للعبادة في رمضان؛ مثل صلاة القيام أو تلاوة القرآن في المسجد أو الصيام والإفطار معا.
رابعا- الاستعداد الميداني:
وأقصد به التأكد من بعض الأمور الإدارية والتجهيزية، وذلك على النحو التالي:
التأكيد على جاهزية المسجد وأماكن القيام التي تستوعب الناس.
تجهيز أماكن الاعتكاف، خاصة في العشر الأواخر.
تجهيز أماكن الإفطار للفقراء وغيرهم في المسجد.
الترتيب الجيد والتام لهذه الأمور مثل الأمور المالية والإدارية وغيرها؛ بحيث يدخل في رمضان وهو غير مشغول بمثل هذه الأمور التي تعطله عن العبادة والطاعة.
نسأل الله أن يتقبل منا، ويجعلنا ممن يحسنون استقبال نفحاته.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
|