هكذا يُستقبل رمضان
بلال الزعتري
شهرٌ عظيم أظلَّنا، وها نحن - أهل الإسلام - أوشكنا أن نُصبح صائمين؛ فأيام شعبانَ آذَنَتْ برحيل، وهلال رمضان آذَنَ بظهور.
رمضاننا الحبيب - في عامنا هذا - أتانا بفرحةٍ لا تقدَّر، بعد أن أثقلت الناسَ أحمالٌ ثِقال ناؤوا بحملها: فقرٌ مُدقِع، وباءٌ مُفزِع، بطالةٌ قلَّ نظيرها، ظلامٌ دامسٌ عمَّ، فسادٌ مُسْتَشْرٍ طمَّ، أمنٌ متفلِّتٌ… حتى كاد المرء لا يصدِّق أنَّ بلادنا التي عهدناها شارفت على الارتطام بقعر الهاوية، إن لم تكن بَلَغَتْها فعلًا.
في هذه الحال البائسة أتانا نور رمضان؛ يزكِّي الأرواح، وينعش القلوب، ويحيي النفوس، فهو ليس بصيص أملٍ للمسلم فحسب، إنَّه الأمل كلُّه، يرضي به المؤمن ربَّه ليل نهار، وتسمو به روحه ليل نهار، ويتصدَّق به ليل نهار، حتى تكاد شمالهِ لا تعلم ما تُنفِق يمينه؛ يواسي بذلك أهلَ الحاجة، يُكَفْكِفُ أَدْمُعَهم، ويحمل عنهم بعضًا من ثقيل حِملهم.
خير رمضانَ أتانا؛ يستقبله المؤمن فيحاسب نفسه على ما أسلف في عامه؛ فيحمد الله على ما كسب من خيرٍ فيه، ويسأله المزيد، ليُتوِّج عامه بتاج حُسْنِ الطاعة في رمضان، وهو يندم - تائبًا - على ما أسلف من تفريطٍ، وعلى ما اكتسب من شرٍّ جنَتْه يداه، رافعًا يديه في نهار صومه، وفي ليل قيامه، داعيًا اللهَ مستبشرًا برحمته، عازمًا على إصلاح ما قد فاته، سائلًا ربَّه أن يحفظه من العودة إلى درك المعاصي بعد أن نجَّاه مولاه منها.
شتَّان بين مَن يدرك رمضان، وهذا حاله، ومَن يدركه ساهيًا غافلًا، سادرًا في غيِّه لا يرعوي عنه، جُلُّ همِّه فيه: رواج تجارة، ومتابعة مسلسل، يحرص القائمون عليه - كما المتابعون له - على إتمام حلقاته ثلاثين ليلة، حتى وإن وافَتْ ليالي رمضان تسعًا وعشرين ! يتقلَّب في ليله وهو ينقِّل ناظرَيْه في مواقع الحرام، حتى إذا طلع عليه الفجر نام عن صلاته، ثمَّ قضى ردحًا من نهاره متقلِّبًا في فراشه، لعلَّ نهار الصوم يُسارع في الانقضاء !
هو جائعٌ عَطِشٌ يغتاب هذا، وينمُّ بين هذا وذاك، يقول زورًا، ويشهد زورًا، ويتملَّكه الغضب لأتفه سبب، ينغِّص على مَن حولَه حياتهم، مُتضجِّرًا بصيامه ينتظر انقضاء اليوم، بل انقضاء الشهر بفارغ صبر، ليعودَ أدراجَه إلى سالف حياته، مُنهمِكًا في ملذَّاته !
أتانا رمضان، شهر القرآن والإحسان، فأَرُوا اللهَ من أنفسكم خيرًا، فلعلَّنا لا نلقى رمضانَ بعد عامنا هذا، بادروا في مرضاة ربِّكم: صيامًا زكيًّا، وقيامًا تُذرَف فيه الدُّموع سخيًّا، وقرآنًا يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، وإحسانًا مِدرارًا في زمنٍ عصيبٍ لم يشهد أهل بلادنا مثيلًا له. |