مهارات الاستماع والإنصات..كيف نفعلها تربويا مع المربين؟
يعد الاستماع الجيد من مستقبل الرسالة التعليمية والتربوية الخطوة الأولى للتأثير التربوي والسلوكي، وإن حسن تلقي الرسالة التربوية التعليمية يعتمد في المقام الأول على إحسان الاستماع إليها والإنصات، وقد أمر الله سبحانه في كتابه بالاستماع غير ما مرة في سبيل بيان أهمية هذه الخطوة، فقال: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا"، وقال: "وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا".
وقد علم القرآن العظيم ذلك كأدب شريف من آداب تلقي الرسالة القرآنية فأمر بالاستماع له والإنصات: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، كما زجر كل نافرٍ عن الاستماع، لاهٍ عن الإنصات للنصح والإرشاد، قال سبحانه: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا" بل لقد بشر الله عباده الصالحين الذين يحسنون الاستماع والعمل بما سمعوا، فقال سبحانه: "فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ".
يقول ابن القيم: "فالسماع أصل العقل وأساسه ورائده وجليسه ووزيره ولكن الشأن كل الشأن في المسموع... وحقيقة السماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه طربا وهربا وحبا وبغضا".
وفى دراسة علمية للباحث التربوى الدكتور خالد روشة بعنوان "الاستماع والإنصات.. أولى المهارات التربوية" حاول توجيه المربين إلى استغلال هذه الوسيلة والانتفاع بها بشكل مقدور.
أولاً: أهمية الاستماع والإنصات في العملية التربوية:
إن عملية الاستماع لهي المقدمة الطبيعية لغالب العمليات الفكرية والعقلية الموجهة للسلوك البشري التنموي سواء كان تعليميا أو تدريبيا أو توجيهيا.. والسماع هو مفتاح الفهم والتأثر والإقناع والتشبع بالأفكار لذا قال الله تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ"، فما داموا لا يسمعون له فلن يتأثروا به.. كما إنهم لما انقشع عنهم الغمام تمنوا لو أنهم كانوا قد أحسنوا الاستماع.. "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ"، أننا نستمع أحيانا بدون وعي فإذا اجتمع مع الاستماع وعي يكون الإصغاء وهو سماع الأذن بوعي وتفهم، والإصغاء الفعال هو الاستماع والإنصات المركز لمجموعة من المعلومات حول موضوع ما لغرض التفهم الكامل لذلك الموضوع. وهو مهارة مهمة إذ إنه يبني نوعا من الثقة والمودة المتبادلة ويعزز التفاهم والتواصل ومعظم المشاكل التي تحدث في العلاقات بين الناس يكون عدم الإلمام بهذه المهارة سبباً رئيساً فيها.
لقد كشفت بعض الدراسات أن الإنسان العادي يستغرق في الاستماع ثلاثة أمثال ما يستغرقه في القراءة وهو من وسائل التعلم التي تساعد المتعلم على تلقي المعلومات، وفي حالة الأطفال فإن مدة الاستماع تعد مدة حضانة لبقية المهارات اللغوية لدى الطفل، إذ إن المتحدث يعكس في حديثه اللغة التي يستمع إليها في البيت والبيئة.
كما أن أداء المتحدث ولهجته وطلاقته تؤثر في المستمع وتدفعه إلى محاكاة ما استمع إليه.
والاستماع هو الأساس في التعلم اللفظي في سنوات الدراسة الأولى والمتخلف قرائياًَ يتعلم من الاستماع أكثر مما يتعلم من القراءة، بل قد صور أحد الكتاب العلاقة بين مهارات اللغة من حيث ممارسة الفرد لها قائلاً: «إن الفرد العادي يستمع إلى ما يوازي كتاباً كل يوم، ويتحدث ما يوازي كتاباً كل أسبوع، ويقرأ ما يوازي كتاباً كل شهر، ويكتب ما يوازي كتاباً كل عام.
ثانيا: أهم معوقات الإنصات
1- نحن في غالب الأحيان بدلا من أن نصغي بشكل جيد نعمد أن نضع تفسيرا عاجلا لما نتصور أننا سنسمعه من الآخر فيترتب على ذلك إهمال لما يقول وعدم شعور بأهمية حديثه ومن ثم ننشغل عن الاستماع ونذهل عنه.
2- ما يمكن أن يكون مستحوذا على ذهنية وفكر المستمع، كأن يكون مهموما بهم شديد أو منتظرا لخبر هام أو قلقا من موقف يمر به.. إلى غير ذلك.
3- الجو العام المحيط بعملية الإرسال والاتصال بين المعلم والمستمع أو بين المرسل والمستقبل وهي حالة بيئية يمكن التحكم فيها من حيث الضوضاء وكثرة المتحدثين أو غيره.
4-عدم وجود رغبة لدى المستمع للاستماع وينتج ذلك من شعوره بعدم أهمية ما يقال..
5- الملل من أسلوب المتحدث وركاكة ألفاظه ما يدعو المستمع إلى الانشغال عنه.
6- الاستماع بغرض الانتصار وهو داء سيء جداً يعتاده البعض وسببه الرغبة دائما في تخطيء الآخر، إذ إن المستمع عندئذ يبدأ بالتخطيط للرد على المتحدث من أول كلمة يقوله.
يقول أحد علماء اللغة الغربيين بروفيسور يو دين: " إن عدم الاستعداد للاستماع يعتبر العائق الأكبر لأن الكثير منا يود أن يكون هو المتحدث لا المستمع وفي كثير من الأحيان يظن المستمع أن المتحدث كثير الكلام بدون فائدة ترجى"!
ثالثا: خطوات الإنصات ودينامية عملها التأثيري
هناك ثلاثة خطوات أساسية تتم في ذهنية المستمع حتى يصل إلى الإنصات، وهي:
الاستماع للكلمات (فالمستمع يستمع للكلمات ويستقبلها موجها انتباهه لها وقد يلفت انتباهه لها أي محفز كان أو أي مثير وهي خطوة يستوي فيها كل الناس).
معرفة معاني الكلمات التي سمعها (فلو كان الحديث بلغة لا يفهمها أو أساليب لا يستوعبها توقفت العملية عند الخطوة الأولى ولم تنتقل إلى الثانية فيظل المستمع يسمع الكلمات وفقط وخطوة تعتمد على ثقافة وتعليم كل فرد على حدة).
معرفة الأفكار خلف الكلمات (وهي العملية التي يتم فيها تجميع المعاني جنباً إلى جنب في ذهنية المستمع ليصل إلى معاني الأفكار المطلوبة من المتحدث، وهي خطوة تعتمد على الفروق الفردية في الفهم وذكاء المستمع ومدى اتساع إدراكه).
رابعاً: علامات نجاح خطوات الإنصات لدى المستمع
هناك دلائل وعلامات على نجاح إتمام هذه الخطوات الثلاثة ومنها:
التفاعل الحركي للمستمع: مثال حركة رأسه بالإيماء والموافقة أو تثبيت العينين تجاه المتحدث أو التأثر بالبسمة أو ارتداد فعله للسكوت ورفع الصوت وغيره.
التفاعل اللفظي من المستمع: مثال: أسئلته عن معنى الكلمات ومضمون الحديث أو تعقيبه بألفاظ مثل: نعم أو أفهم أو غيره.
قدرة المستمع على الإجابة عن أسئلة بسيطة تدل على إنصاته.
قدرته على إعادة بعض جمل الحديث.
قدرته على إعادة صياغة موضوع الحديث بألفاظ جديدة.
قدرته على ابتكار فكرة جديدة للنص الذي استمع إليه..
خامسا: مهارات الاستماع..
لاكتساب مهارات الاستماع يجب التركيز على ثلاث مهارات أساسية تطبيقية، وهي: (الفهم – الاستيعاب –التذكر).
- مهارة الفهم: وتحتاج هذه المهارة إلى الاستعداد للاستماع بفهم للكلمات والجمل، ثم القدرة على متابعة المتحدث وعدم صرف الذهن عنه بالشواغل المختلفة، ثم القدرة على استيعاب الفكرة العامة للحديث.
- مهارة الاستيعاب: وتحتاج هذه المهارة إلى القدرة على فهم الأفكار منفصلة في الحديث المسموع ثم الربط بين تلك الأفكار ثم القدرة على تحليلها إلى أفكار جزئية مكونة.
- مهارة التذك: وتحتاج إلى القدرة على معرفة محددات النص المستمع إليه والجديد الذي احتواه والقدرة على ربطه بخبرات سابقة تسهل تذكره له والقدرة على الاحتفاظ بكلماته ومعانيه أو بأحدهما في ذاكرته.
سادساً: مقومات مساعدة على حسن الاستماع
الشعور بأهمية موضوع الحديث يعطي دافعية داخلية للرغبة في الاستماع.
الإقبال بالوجه نحو المتحدث واستخدام حاسة البصر للمساعدة في الاستماع.
طلب التكرار عند تشتت الذهن أو الغفلة.
إعطاء الفرصة الكاملة للمتحدث ليعبر عن مراده.
ملاحظة التعبيرات النفسية والعاطفية والحركية المختلفة للمتحدث أثناء الحديث.
تجنب أخذ الأحكام على الحديث قبل انتهاء الاستماع.
محاولة التدوين ليعين على تركيز السماع.
عدم مقاطعة المتحدث حتى ينتهي من عرض فكرته.
محاولة فهم الموضوع كما يريده المتحدث لا كما يريده السامع.
10- التحلي بالصبر والحلم والسكون والوقار وكما قيل: أول العلم الصمت ثم حسن الاستماع.
سابعاً: كيف نعلم أنفسنا وأبناءنا الاستماع؟
يحتاج المعلم أن يطبق آداب الاستماع وخطواته قبل أن يعلمها غيره فلا يقاطع متحدثا ولا يشوش عليه كما عليه أن يهيئ جواً ممتعاً للحديث المراد الاستماع إليه ولا يجعله شيئاً جافاً أو حديثاً أكاديمياً جامداً فضلاً على أن تهيئة الأجواء العامة هي أيضاً دور من أدواره حتى يعزل مصادر الضوضاء واللغو، وعليه ألا يقصر الاستماع على خط واحد من خطوط الاتصال مثل أن يكون بين المعلم والطلاب فقط وإنما يجب أن يتعدى هذا إلى طالب وطالب أو إلى حديث مسجل أو موقف مفتعل أو غيره، كما أن مراعاة ميول المستمع يعد مؤثراً هاماً على الاستمرار في عملية الاستماع أطول فترة ممكنة، ويحسن أن يوضح المعلم لطلابه الهدف من النشاط الذي يجري فيه درس الاستماع في بداية ممارسة تعلم هذه المهارة ليكون اللقاء أكثر جدية وإيجابية.
ثامناً: نصائح تطبيقية للمعلمين والمربين
حاول دائما أن تتماشى مع قدرات الطالب البطيء وضعيف القدرة فلا تسرع في الحديث أو تهمل الشرح والبيان، وفي ذات الوقت لا تهمل الطالب المتميز ببعض المناوشات والمناقشات التي هي في مستواه.
استخدم دائما أحدث التقنيات والوسائل، فإن ذلك يساعدك كثيراً في أن يصل معك طلابك للاستماع والتركيز.
ناقش طلابك مناقشة لا يكون غالبها سؤال تنتظر إجابته ولكن هناك أسئلة تجيبها بنفسك غرضها الإثارة والتشويق.
اطلب منهم تلخيص الخطوط العريضة للموضوع.
راع دائما الفروق الفردية بين المستمعين وخاطب الغالبية على قدر فهمها وإدراكها.
يمكن أن يتخذ المعلم أساليب أخرى مثل تكليف الطلاب سماع عدد من الخطب والمحاضرات والندوات
حاول دائماً استخدام أساليب الاستثارة مع طلابك لجمع شتات أفكارهم واستدعاء تركيزهم للاستماع الجيد الموجه.
اربط دائماً بين التركيز في السماع وبين المواد الشرعية الإيمانية والأوامر والنواهي. |