تمت الإضافة بتاريخ : 15/02/2022

الشائعة ومخاطرها

ياسر المسدي

الشائعة لغة: شاع ـ يشيع ـ شيعاً، وهو شائع: أي انتشر وتفرق وظهر.

 

ويقال: شاع الشيب: انتشر، شاع الخبر: ذاع

 

الشائعة عرفاً: نشر الأخبار والأقوال التي لا تستند إلى دليل، ولا يعرف لها مصدر.

 

 

 

خطر الشائعة:

تعتبر الشائعة من أخطر الأسلحة المدمرة للمجتمعات والأشخاص لأن الشائعة تستهدف عقل الانسان وعقيدته وروحه، لذلك كان خطرها كبيراً.

 

فكم قتلت من أبرياء! وحطمت من عظماء، وسببت من جرائم.

 

وكم من كلمة عابرة، وفلتة لسان طائشة أقضت مضاجع، وأفسدت بيوتاً وفككت أسراً.

 

 

 

دوافع الشائعة:

تعددت دوافع الشائعة بحسب الهدف المقصود منها، وأذكر هنا بعض الدوافع :

 

شائعة دافعها الفت في عضد المقاتلين وأنصارهم وإيقاع الخوف في نفوسهم من مجابهة عدوهم.

 

شائعة دافعها الحماس والعاطفة لخبر يُسر الصديق ويؤلم العدو، دون النظر في الآثار المترتبة على إذاعتها.

 

شائعة دافعها الحقد والحسد، وهذه تنتشر بين المتماثلين في الأهداف والمتنافسين على مكاسب دنيوية كالمنافسة بين الأحزاب ذا الأغراض الدنيوية، وكالمنافسة بين المقاتلين الذين يقاتلون من أجل المغنم، والذكر، والمصالح الشخصية.

 

شائعة دافعها الفضول وذلك لتفسير حدث أو خبر غامض، أو شخصية غامضة، فيقع الناس الفضوليون في التأويلات والتفسيرات التي لا تستند إلى دليل.

 

 

 

موقف الإسلام من الشائعة:

لقد حذرنا ديننا الحنيف من تلقف الأخبار وإشاعتها دون التحقق من ثبوتها قال تعالى:[وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36}.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: (كفى المرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم.

 

كما بين عليه الصلاة والسلام العقوبة التي يعاقب الله تعالى بها الذين يبثون الشائعات الكاذبة بين الناس، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أنه عليه الصلاة والسلام رأى رؤيا (ورؤيا الأنبياء وحي) وكان من جملة ما رآه، رأى رجلاً مستلقياً على قفاه يُشْرَشَرُ شِدقه، ومنِخرهُ وعَينُهُ إلى قفاه، ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بواسطة الوحي عن سبب عذاب هذا الرجل فقيل له : (إنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق) ألا نرى إلى إعلام الدجاجلة في هذا العصر كيف يصل كذبهم إلى العالم كله!! نسأل الله السلامة.

 

ومن أخطر الشائعات التي تفت في عضد المجاهدين وأنصارهم بث الشائعات التي تستهدف رموز الأمة المخلصين من العلماء والمجاهدين والمنفقين، وهذا ما لاحظناه خلال السنوات الأربع من الثورة السورية، كيف كان عدونا يركز على الطعن في القيادات الصالحة من خلال قصص مختلقة يتلقفها ضعاف النفوس والبسطاء فيبثونها من خلال أجهزة الاتصال الحديثة التي لا يكلف نشر الخبر عبرها أكثر من كبسة زر.

 

إن هذا المكر الذي يمكره أعداء الله اليوم ليس جديداً علينا معشر المسلمين فهو قديم قِدَم الصراع بين الحقِّ والباطل، قال تعالى محذراً لنا وموضحاً لنا طبيعة أعداء الإسلام: [وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ] {إبراهيم:46} .

 

 

 

سهام التهم والشائعات:

وأذكر هنا بعضاً من الشائعات التي أُثيرت حول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم خير خلق الله على الإطلاق، الذي لم يسلم من التهم الكاذبة التي تمس شخصه، بل ومنها ما يمسُّ أهل بيته الطاهرين.

 

لقد وجه أعداء الإسلام للرسول صلى الله عليه وسلم من أول يوم جهر به بالدعوة إلى الله تعالى، سهام الشائعات الكاذبة وذلك حتى ينفض الناس من حوله من ذلك اتهامه بالكذب والسحر قال تعالى: [وَقَالَ الكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ] {ص:4}.

 

يوم غزوة أحد، أشاعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل، لما تُحدِث هذه الشائعة من خلخلة في معسكر المسلمين لذا جاء التثبيت من الله تعالى للمؤمنين بأن لا يهنوا ولا يضعفوا حتى لو كانت الشائعة صحيحة فقال تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا…] {آل عمران:144}.

 

وانبعاث الشائعات ليست محصوراً في العدو المباشر، بل يأتي من المرجفين والمنافقين الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا يسير وقد نبهنا الله تعالى إلى أولئك المخادعين للحذر منهم بقوله : [وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ] {البقرة:14}

 

ومن الأمثلة على ذلك : حادثة الإفك التي استهدفت السيدة الطاهرة المطهرة زوج رسول الله صى الله عليه وسلم، حيث تولى كِبْرَها زعيم المنافقين والتي أراد من خلال إشاعتها أن يخدش قداسة القيادة المتمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتج لها مجتمع المدينة بأسره، ووصلت الآلام ذروتها برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته لمدة شهر كامل، حتى نزل القرآن الكريم معلناً براءة الطاهرة المطهرة، ومحذراً للجيل المؤمن من أن يقع فريسة الشائعات التي تهدم كيان المجتمع فقال:[إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ] {النور:15}.

 

ثم هدد أيضاً من أن يتكرر مثل هذه الحادثة بقوله: [يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ] {النور:17}.

 

وها نحن اليوم ما إن تبرز شخصية مؤثرة وفاعلة حتى تنهال سهام الطعن والتجريح ، حتى وصلنا إلى حال يكاد لا يثق أحد بأحد ، وهذا أقصى ما يتمناه العد ، فالله اللهَ أيها المؤمنون من الوقوع فيما يكره الله تعالى : (إن الله يكره القيل والقال).

 

 

 

كيف نتعامل مع الشائعة:

في كلِّ مجتمع أناس لا تألف نفوسهم النظام والانضباط ، وربما هؤلاء لا يقل خطرهم عن العدو لأنهم لم يدركوا قيمة الكلمة التي ينطقون بها ، ولا النتائج الخطيرة المترتبة عليها.

 

إذ التساهل في نقل الأخبار قد يجر على الشخص وجماعته من الأخطار مالا يخطر ببال لذا كان التوجيه القرآني واضحاً في كيفية التعامل مع الشائعة ، قال الله تعالى :[وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ …] {النساء:83} .

 

لقد وضّحت الآية الكريمة حال الذين لم تألف نفوسهم الانضباط والنظام بأنهم بمجرد أن يسمعوا خبراً ينشرونه دون النظر إلى صحته وإلى عواقبه سواء كان الأمر أمناً ، أو خوفاً فإنه لا يصح أبداً نشره قبل الرجوع إلى القيادة التي تحلل الخبر وتدرسه.

 

فإشاعة أمر الأمن مثلاً في معسكر متأهب مستيقظ متوقِعٍ لحركة العدو قد يحدث نوعاً من التراخي وعدم المبالاة.

 

وكذلك إشاعة أمر الخوف في معسكرٍ مطمئن لقوته ثابت الأقدام قد يَحدث خلخلة وارتباكاً في صفوفه.

 

ثم وضَّح الله تعالى الطريقة المثلى في التعامل مع أخبار الأمن والخوف فقال : [وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ …] {النساء:83} .

 

هكذا يربي القرآن الكريم في نفوس المؤمنين حُسْنَ الولاء للقيادة المؤمنة ، والرجوع إليها في كل ما يخص العلاقة بين الجندي وقائده.

 

فالجندي الصالح حين يبلغه خبر ما يسارع ليخبر قائده، فلا ينقله لأصحابه ولا ينشره على صفحات التواصل الحديثة التي أضحى الخبر ينتشر فيها كسرعة انتشار النار في الهشيم.

 

الله اللهَ أيها المؤمنون الصالحون لنتق الله تعالى في نقل الأخبار ، ولنتمثل قول الله تعالى في كل ما ننشره ، قول الله تعالى :[وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا] {الإسراء:36} .