الدين المعاملة
محمد الصالح الاصديق
ليس الدين عبادة فحسب، وإنما هو أيضا حسن المعاملة مع الناس، ولذلك جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد لرجل آخر، وأثنى عليه خيرا، فقال له عمر: هل جاورته في السكن لتعرف مدخله ومخرجه؟ فقال: لا، فقال له: هل سافرت معه لتعرف أخلاقه؟ فقال: لا، فقال له: هل عاملته بالدينار والدرهم؟ فقال: لا، ثم قال له: أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طورا ويرفعه أخرى..فقال: اذهب فلست تعرفه.
والذي نسجله في تألم وتحسر أن الكثير من المسلمين يحرصون على أداء العبادات ربما في وقتها، وتراهم يحاولون أن لا يتخلفوا عن الصفوف الأمامية في المسجد ولكنهم في محيط المعاملة بعداء عن الإسلام غرباء عنه، لا يمتون إليه بأية صلة.
كم هو عجيب أمر معظم المسلمين الذين ينتسبون إلى الإسلام ظلما، ترى الواحد منهم يروعك لسانه الرطب بذكر الله، وحرصه على تلاوة القرآن، وحديثه عن القيم الخلقية، وإشادته بالفضائل والمحامد، وتنديده بأولئك الذين لا يشرفون الإسلام بأخلاقهم وسلوكاتهم، ونعيه على الذين لا يطبقون الإسلام في حياتهم، ثم عند المعاملة تجده عنوانا خادعا، وصورة باهتة، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، لا يفكر واضحا وصادقا، ولا يعمل جادا أو حازما، إلا في الخداع والتضليل، وإيقاع إخوانه في الشراك، وهو لا ينفك يعمل لمصلحته دون أن يعير أي اهتمام إلى مصالح غيره.
إن مما لا شك فيه أن الإنسان مدني بالطبع، وهذا معناه أن يشارك في تنمية حياة الجماعة، والرفع بها إلى الأفضل، وذلك بسعيه في ضمان بقائه المحدود في هذه الحياة، وبمشاركته لغيره من الناس فيما يحفظ حياتهم من مقومات العيش ووسائل الراحة والطمأنينة والأمن، وهذا يتوقف أساسا على المعاملة الحسنة بين سائر أفراد المجتمع، فإذا كان كل فرد في المجتمع يعامل غيره كما يجب أن يعامل هو فإنه يكون قد لاءم بين ذاته كفرد وبين غيره كمجتمع، وفي الوقت نفسه يكون قد سعى في تمتين العلاقات مع غيره بلا زيف ولا خداع ولا تضليل.
وليس ادعى إلى التفاهم بين أفراد المجتمع، وحفظ كيانه من المعاملة الحسنة، ولما كان هذا السلوك صعبا على النفس الأمارة بالسوء، وجب تهذيبها وتعويدها عليه، حتى يصبح أداء حقوق الغير سهلا يسيرا، وفي راحة أيضا من النفس، وطمأنينة من الضمير.
|