إنظار المعسر
سعيد مصطفى دياب
قال الله تعالى: ?وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ?.[1]
مع كونِ الإسلام قد تكفَّل بحفظ الحقوق؛ كما قَالَ تَعَالَى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ?، وَقَالَ في الآية نفسها: ?وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ?.[2]
ومع تأكيده على المدين بأداء الدين، وتحذيره الشديد من التهاون فيه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى الله عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ الله».[3]
إلا أنه تشريع تملؤه الرحمة، ويغمره الإحسان، ويفيض بالعطف، ويزدان بالرفق، فالله تعالى أرشد إلى الرحمة، فأمر بإمهال المعسر إِلَى حين مَيْسَرَةٍ فقال: ?وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ?.
ثم رغَّب في الإحسان بالتجاوز عن الدين لمن طال أمد عُسْرَتهِ، ووعده الخير على إحسانه فقال: ?وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ?.
وَفَسَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الخيرَ بما تشرئبُ إليه الأعناقُ، وتتطلعُ إليه النفوسُ، وتهوي إليه الأفئدةُ؛ فعَنْ أَبِي اليسرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ».[4]
فَهَلْ رَأَيتَ كَالقُرْآنِ فِي تَشْرِيعِهِ؟ وَهَلْ رَأَيتَ كالإِسلامِ فِي رحمتِهِ وَإِحْسَانِهِ؟
_______________________
[1] سُورَةُ البَقَرَةِ: الآية/ 280
[2] سُورَةُ البَقَرَةِ: الآية/ 282
[3] رواه البخاري - كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ، بَابُ مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَوْ إِتْلاَفَهَا، حديث رقم: 2387.
[4] رواه مسلم - كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ، بَابُ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ وَقِصَّةِ أَبِي اليسرِ، حديث رقم: 3006. |