علامات في مواجهة الأزمات..
خالد روشة
لا يكاد أحد من الناس ينجو من أزمة تحل به أو مشكلة تعرض له , والمشكلات والأزمات والمصائب هم سبب الكدر في حياة الناس , فالحياة لا تكاد تصفو لأحد , لكن الناس يختلفون في مواجهة مشكلاتهم وأزماتهم ومصائبهم بحسب عدة عوامل مؤثرة : فأهمها وأولها مدى قربه من ربه سبحانه , ومدى ارتباطه بالتوكل عليه سبحانه والثقة فيه عز وجل , فالمرء الذي يعود إلى ربه في أزماته ويتوكل عليه سبحانه في حلها , ويرجوه ويلح في دعائه أن يفرجها عنه واثقا في ذلك وموقنا به ومسَلما أمره له سبحانه فهو الأجدر أن تحل مشكلاته وينجو من أزماته , والمرء الذي يلتفت إلى الماديات بعيدا عن ربه سبحانه , ويظن أن الحياة المادية تكفيه فهو مغرور ما يلبث أن يفجع في نفسه وفي دنياه , قال سبحانه : " مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يغيظ ,, " والقلب المطمئن الذي تملؤه السكينة الإيمانية يتلقى الأزمات بثبات وهدوء , فهو يعلم أن ماأصابه لم يكن ليخطئه وما أخطاه لم يكن ليصيبه , فهو راض بقضاء ربه سبحانه , صابر صبرا جميلا , أما القلب المكدوس في الدنيا وزخرفها فهو يعتصر ألما عند المشكلات ويحترق غيظا إذا ماأصابته مصيبة فيما يراه من مكتسباته مما أنفق فيه زهرة حياته , فهو مصدوم مشلول الحركة تجاه مصائبه وأزماته , أو أنه متخبط متردد ثائر تائه !
وفي الحديث لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي ابنها بكاء شديدا وتصرخ قال لها :" اتق الله واصبري " ..
فقالت أليك عني لم تصب بمصيبتي , فلما ذهبت اليه وكلمته وقالت لم أعرفك , قال لها :" إنما الصبر عند الصدمة الأولى " أخرجه مسلم وفي الحديث ايضا " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها ، إلا أخلف الله له خيرا منها " أخرجه مسلم هناك عامل آخر مهم للغاية , فالرؤية الصحيحة للأزمة هي سبب مؤثر في صحة حلها أو مواجهتها , وصوابية الرؤية تؤدي إلى صوابية الحل , وكثير ن الناس يصاب بتشويش الرؤية فلا يرى الأمور على حقائقها , وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه " اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه وارني الباطل باطلا وارزقني اجتنباه " فانظر إلى الازمة التي تمر بك من أعلاها لا من جانبها , فصفها لنفسك وصفا دقيقا بغير تهويل ولا تهوين , واعرف أطرافها جيدا , والعوامل المؤثرة فيها , ومدى اثرها المتوقع عليك وعلى من حولك ولا تفتح لنفسك مجالا لتداخل الرؤى بين ما يمر بك من مؤثرات أخرى وبين مشكلتك .
الجانب الأهم هنا في التعامل مع الأزمات هو مواجهتها وعدم الهروب منها , وأقصد بمواجهتها وضعها على طاولة التفكير والنظر والبحث لدراستها دراسة جيدة , فالذين يهربون من مواجهة مشكلاتهم تظل مشكلاتهم وأزماتهم بغير حل أو انقضاء , بل إن بعضهم يظل قيد مشكلته حتى بعدما تنقضي المشكلة .
والبعض يلحق به أزى مرضي سواء أكان نفسيا أو عضويا بسبب عدم مواجهة مشكلته أو الانزواء عنها أو الخوف من مواجهتها , فتجد كثيرا من أمراض الاكتئاب وكثرة النوم والانطواء سببه ضغط الأزمات وعدم الرغبة في مواجهتها .
وبدلا من تضييع وقتك وجهدك تأسفا على ما حدث لك , وسقوطك في التيه النفسي تقليبا في أحداث مااصابك , فأولى لك أن تتفكر في أسباب ما حصل لك , فإن كان أمرا قدريا ليس لك فيه دور فعليك بقبوله والصبر عليه , وسؤال الله التثبيت لنفسك و فإنما هو ابتلاء يبتلي الله سبحانه به عباده و وعليك أن تدرب نفسك على تقبله . وإن كانت أزمة ذات أذرع وفروع فتفكر في اسبابها , فالتفكير في الاسباب جزء من التفكير في الحل , والموفق من وفقه الله الى مسببات الأشياء فتوكل على الله في الأخذ بأسبابها .
محور آخر هام في مواجهة الأزمات و وهو سالك لنفسك كيف ستواجهها ؟ هل ستواجهها بالانطواء والعزلة أم بالتصعيد والغضب والنفخ فيها أم بالصبر والهدوء والعقل والروية ؟ وبالطبع فالخياران الأوليان هما خيارا الأحمق الذي يأخذ الغضب بتلابيب وجدانه ويسيطر عليه حزنه وألمه .
ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم عدم إطالة الأحزان , بل قد جعل للعزاء ثلاثة ايام , وكره العزاء بعدها , لأن قلب المصاب يكون قد بدأ في الهدوء وبدأ الجرح في الاندمال فلا نفتح المجال لإثارته .
ومن الحكمة في مواجهة الأزمات ان تضع لها حلولا مختلفة , وألا تقتصر على حل واحد , بل إن بدائل الحلول هي كلمة السر في حل الأزمات , وكلما كان البديل واقعيا وقريبا من الإمكانات والقدرات كلما كان أقرب للتطبيق . ويجب ان تعلم نفسك أنك إذا اخترت حلا بديلا وبدات فيه فإياك أن تتردد , بل سر فيه مادمت قد اتخذت خطواتك سليمة كما بينا لك .
و بعد تفنيد اسباب ما تواجهه , ووصفه وصفا دقيقا بعيدا عن التوتر , ووضع خيارات الحلول الذاتية , جاء الدور على استشارة أهل الخبرة والعلم , فاستشارتهم تضيف علما إلى علمنا وخبرة إلى خبرتنا في مواجهة الأزمة , ثم علينا أن نضيف آراءهم وما تفضلوا به من اقتراحات ورؤى الى ما سبقناهم فيه ثم نضع وصفا جديدا وصورة نهائية للازمة وحلها .
وتأتي استخارة الله العظيم سبحانه قبل الهموم والبدء بالعمل وبالحل كأمر أساسي ومبارك في حل الأزمة ومواجهتها , بل أنا دائما أنظر إلى الاستخارة وكأنها بوصلة في الطريق توجهنا نحو هدف مرجو صحيح |