تمت الإضافة بتاريخ : 06/09/2021

مكانة المسجد وآثره فى المجتمع

د / حامد السيد

دعوة النبي ? إلى بناء المساجد :حث عليه الصلاة والسلام على بناء المساجد وإقامة الصلاة فيها ، وفي الحديث :

( من بني مسجداً يبتغي به وجه الله له مثله في الجنة ) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4 / 211 ، وورد عنه ? أنه قال : ( أحب البلاد إلى الله تعالى المساجد ، وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها ) صحيح مسلم ، ورغب القرآن في عمارتها وتعميرها : ? إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ? ورغبت السنة في حديث : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ) وعدّ منهم ( ورجل قلبه معلق بالمساجد ) رواه مسلم .

مكانة المسجد في المجتمع المسلم :

إن مكانة المسجد في المجتمع المسلم تجعله مصدر التوجيه الروحي والمادي ، فهو ساحة للعبادة ، ومدرسة للعلم ، وندوة للأدب ، وقد ارتبطت بفريضة الصلاة وصفوفها أخلاق وتقاليد هي لباب الإسلام .

والمسجد الذي وجه الرسول ? همته إلى بنائه قبل أي عمل آخر بالمدينة ، ليس أرضاً تحتكر العبادة فوقها ، فالأرض كلها مسجد والمسلم لا يتقيد في عبادته بمكان ، إنما هو رمز لما يكترث له أعظم اكتراث ، ويتشبث به أشد تشبث وهو وصل العباد بربهم وصلاً يتجدد مع الزمن ويتكرر مع آناء الليل والنهار .

أ ) المسجد مكان لأداء الصلوات الخمس والجمع :

فلا قيمة للمسلم إذا لم يكن دائم الاتصال بالله ، يتذكر دائماً لقاءه ، ويتمسك بالمعروف ويبغض المنكر ، فلا قيمة لإنسان يخلط المعروف بالمنكر ، فالصلاة في المسجد يتجدد معها الاتصال بالله تعالى ، ويقوى الانتماء لدين الله .

ب ) المسجد مدرسة للتعليم والتثقيف :

لم يكن المسجد موضعاً لأداء الصلوات فحسب ، بل كان جامعة يتلقى فيها المسلمون تعاليم الإسلام وتوجيهاته ، ومنتدى تلتقي وتتآلف فيه العناصر المختلفة ، فالقرآن يتلى ، وتخرج منه كبار الصحابة وأئمة الهدى وكان للرسول – ? – حلقة في المسجد يتنافس عليها المسلمون ، فيقبل على مجلسه الرجال والنساء حتى شكت النساء من مزاحمة الرجال فطلبن منه? أن يجعل لهن يوما غير يوم الرجال ،فأجابهن إلى طلبهن .

وعن أبى سعيد الخدرى رضىالله عنه ( أن امرأة جاءت رسول الله ? فقالت : ( يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً فنأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فوعدهن يوماً فاجتمعن فأتاهن رسول الله ? ) صحيح البخاري باب : تعليم النبي أمته من الرجال والنساء .

وقداختار الرسول المسجد ليكون مركزاً للثقافة الدينية والتعاليم القرآنية ، ومدرسة للأحاديث النبوية والتفقه في الدين بتبليغ الوحي وتوضيحه في خطب الجمعة ومجالس العلم ، فكان المسجد بمثابة دار تعليم لذكر الله وتذكير الناس به ، والدعوة لاتباع دينه وشريعته ، ومن الجدير بالذكر أن الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – ظلوا بعد وفاة النبي – ? – يتدارسون القرآن والسنة في المسجد ، وما قول أبي هريرة ? رضي الله عنه ? ببعيد حينما قال لأهل السوق : ( أنتم هنا وميراث رسول الله – ? – يقسم في المسجد )

جـ ) المسجد دار لإيواء الفقراء :

قال تعالى : ? للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا .. ? البقرة

د) المسجد برلمان لعقد المجالس الاستشارية والتنفيذية :

لقد جعل النبي محمد ? المسجد داراً للشورى فينادى ( الصلاة جامعة ) فيجتمع المسلمون في المسجد ويتشاورن في أمورهم مثل إعداد العدة للدفاع عن المدينة ، أو مبايعة الخليفة البيعة العامة ، ثم يقوم الخليفة فيصعد المنبر فيخطب خطبة يشرح فيها المنهج الذي يسير عليه مدة خلافته على المسلمين وعلى سبيل المثال لا الحصر كما فعل أبو بكر – رضي الله عنه – .

أهمية المسجد في حياة الأمة :

1 – إنه يعطي المجتمع صفة الرسوخ والتماسك بالتزام نظام الإسلام وعقيدته وآدابه ، وإنما ينبع ذلك كله من روح المسجد ووحيه ? والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ? الأعراف 170

2 – إن من نظام الإسلام وآدابه شيوع آصرة الأخوة والمحبة بين المسلمين ، ولكن شيوع هذه الآصرة لا يتم إلا في المسجد ، فمن مظاهر ذلك أن يتلاقى المسلمون يومياً ، على مرات متعددة في بيت من بيوت الله – تعالى – وقد تساقطت بينهم الفوارق .

3 – إن من نظام الإسلام وآدابه أن تشيع روح المساواة والعدل فيما بين المسلمين ، ولكن شيوع هذه الروح لا يمكن أن يتم ما لم يتلاق المسلمون كل يوم صفاً واحداً بين يدي ربهم ، وقد تعلقت قلوبهم به ، فالمسجد باجتماع المسلمين فيه يقضي على مرض التعالي والأثرة والأنانية .

4 – إن من منهج الإسلام أن يجعل الأمة على اختلاف ألوانها ولهجاتها أمة واحدة ولا يتم هذا إلا إذا كانت هناك مساجد يجتمع فيها المسلمون على تعلم حكم الله وشريعته ليمسكوا بها عن معرفة وعلم يدفع عنهم شتات الأهواء وفرقة المصالح ? واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ? ? إنما المؤمنون أخوة ? ، ومن أجل ذلك ومن أجل تحقيق هذه المعاني في المجتمع المسلم ودولته أسرع رسول الله – ? – قبل كل شيء فبادر إلى بناء المسجد .

ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في عصرنا الحاضر تجاه المسجد :

المسجد مؤسسة إسلامية لعبت دوراً بارزاً عبر التاريخ لدرجة أصبح المسجد معها يعد النبع لكل روافد الحياة التي تجري في شرايين المجتمع الإسلامي .

ولعلنا نتساءل عن سر نجاح المسجد في أداء رسالته ومهمته في الصدر الأول . نجد أن سر نجاحه يرجع أساساً إلى فهم المسلمين المستقيم لحقيقة وطبيعة الحياة الدنيا ولرسالة الإنسان فيها . فلم يحدث انفصام في شخصية المؤمن بين الدين والدنيا أو بين الروح والجسد أو بين المسجد والمجتمع .

بل لقد عاش المسلمون الأول في سياج الإسلام بالمعنى الشامل فَعَلَت بهم راية الإيمان ورفعوا منارة التوحيد ونشروا لواء العدل وجعلوا كلمة الله هي العليا ، ومن أجل ذلك شرع الأذان ( الله أكبر الله أكبر ) النغمة العلوية التي تدوي في الآفاق كل يوم خمس مرات والتي ترتج لها أنحاء الوجود .