عاشوراء يوم الأمل
محمد فرحات معوض
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: (ما هذا). قالوا هذا يوم صالح, هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: (فأنا أحق بموسى منكم). فصامه وأمر بصيامه.
هذه لمحة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وهي ترسيخ الأمل في القلوب، بأن العاقبة للمتقين، مهما بدا الظلم كبيرًا، ومهما انتشر الفساد، وعلا الظلم، وبغى الظالمون والفاسدون.
كانت لفتة من النبي صلى الله عليه وسلم أولاً لأصحابه المطاردين المهاجرين الذين تركوا الديار والأهل والأوطان وكل شيء في سيبل الدين؛ لفتة بأن الباطل لن يدوم وأن الظلم إلى زوال وكان يوم عاشوراء هو الأمل فلم يمر على المسلمين عام حتى كانت الانتصارات والفتوحات تترى عليهم حتى توِّج هذا الأمل بالفتح العظيم بعد ثمان سنوات فقط من الهجرة.
أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرس في المسلمين الأمل عن طريق صيام يوم عاشوراء، فعندما سأل اليهود عن سبب صيامهم لهذا اليوم وجد أنهم يصومونه شكرًا لله لنجاة سيدنا موسى وهلاك الظالم المتكبر فرعون.
لقد توغَّل الإحباط إلى نفوس كثير من الناس عند النظر في الواقع اليوم، ويجزم الناس بأنه لا أمل هناك في الإصلاح أو التغيير، وأن الظلم باق ومستمر وهذا الشعور للأسف يدفع الإنسان لقتل كل ذرة أمل لا أقول عنده هو بل عند مَن يريد التغيير والإصلاح وينادي بذلك.
ونقول للمحبطين واليائسين أي العصرين أشد ظلماً؛ نعم نحن نعيش في ظلم كبير وتزوير لإرادة الأمة، وإهدار أموالها وكرامتها؛ بل وإهدار للإنسان نفسه؛ لكن عند النظر إلى فرعون – الذي أهلكه الله يوم عاشوراء – نجد أنه أقبح وأظلم فهو الذي ذبح الذكور، واستعبد الناس، وهو الذي وقف لدعوة الله وحاربها بكل الوسائل والطرق، ووقف في طريق نشر الخير والهدى للناس، بل فعل أكبر من ذلك عندما خاطب قومه واصفًا نفسه بأنه الإله بل والإله الأكبر فقال (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) أيهما أظلم إذاً؟
ما كان أحد يظن من بني إسرائيل النجاة حتى وهم يسيرون مع سيدنا موسى عليه السلام قالوا إنا لمدركون، كان الناس يظنون أنه لا أمل في هلاك فرعون، ومع ذلك أهلكه الله عز وجل فكان يوم هلاكه يوم الأمل للبائسين والمحبطين بل وعندما ننظر إلى مشركي مكة بكل جبروتهم وإيذائهم للمسلمين ومحاربتهم للدين ونيلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يظن أحد أنه سيأتي يوم على مكة وتدخل فيه في دين الله أفواجاً؛ لكنه الأمل.
الأمل الذي غرسه النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى وهم يُعذَّبون ففي البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال (قد كان مَن قبلكم يُؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه واللهِ ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
فأيهما أشد ظلماً وقبحاً ما نعانيه الآن أم ما كان يعانيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أيدي المشركين المجرمين.
أيهما أشد ما عاناه المسلمون في خلافة سيدنا أبي بكر الصديق يوم ارتد الناس وأصاب الصحابة اليأس والإحباط حتى أنهم قالوا لسيدنا أبي بكر: (أغلق عليك بابك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) لكن كان عنده أمل في إرجاعهم إلى حظيرة الدين.
أيهما أشد ما لقيه المسلمون على أيد التتار تلك القوة الغاشمة الظالمة التي فتكتت بالمسلمين وقتلوا في بغداد وحده مليون مسلم؛ لكن كان هناك أمل وانتصر المسلمون في عين جالوت.
مازال هناك أمل إخواني فعندما يأتي يوم عاشوراء ونتذكر هلاك فرعون ونجاة سيدنا موسى وقومه نقول هناك أمل فعاشوراء يوم الأمل.
لكن حتى يتحقق الأمل لابد من العمل:سيدنا موسى استفرغ وسعه وجهده فنجَّاه الله.
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بذلوا ما عندهم من جهد فكان النصر والفتح المبين.
كل مَن غيَّروا كان عندهم أمل إلا أنهم توجوه بالعمل.
فهيا إخواني نعمل بأمل وسيكون التغيير والإصلاح والمجد لا محالة. |