فضل عشر ذي الحجة
أفضل أيام عند الله سبحانه وتعالى: نشكر الله سبحانه وتعالى على أن جعل لنا مواسم الطاعات، لنغتنمها بالعبادات والأعمال الصالحات، تقرباً إليه جلّ وعلا، فمن أدركها واغتنمها فهو ذو حظ عظيم، ومن تلك المواسم عشر ذي الحجة، فضّلها النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقوله:
"ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة" (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3/562)
وحض على الحسنات فيها، بل أقسم بها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وقال:
"وَلَيَالٍ عَشْرٍ" المراد بها عشر ذي الحجة (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس 1/510)
وهو قول ابن عباس، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي ومقاتل رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا دليل على عظمتها وفضيلتها على سائر أيام السنة، لأن العظيم لا يليق به أن يقسم إلا بالعظيم، فعلينا أن نجتهد في العبادات في هذه الأيام العظيمة، ونستكثر فيها من الحسنات، ونترك الذنوب والمعاصي، ونستقبلها بأحسن استقبال وأعمال الحسنة لأن الأعمال الحسنة في هذه الأيام أحب العبادات عند الله سبحانه وتعالى لما روي عن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" (سنن الدارمي 1/357)
اللهم بلغنا عشر ذي الحجة وأعنا على الأعمال الصالحة فيها واغتنامها على الوجه الذي يرضيك عنا.
عشر ذي الحجة:
إعلم يا أخي! أن عشر الأخير من رمضان المبارك هو أفضل أيام السنة لأن فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وأما عشر ذي الحجة فهو أفضل الأيام أيضاً لأن فيه يوم النحر (أي اليوم العاشر من ذي الحجة الحرام) وهو أفضل أيام الدنيا كما ورد في الحديث البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ما العمل في أيام أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء" (صحيح البخاري 2/20)
وفيه إجتماع معظم العبادات مثل الطواف والسعي ورمي الجمرات وحلق الرأس أو القصر وذبح الهدي وصلاة العيد واجتماع المسلمين فيه لصلاة العيد وتهنئة بعضهم بعضاً كما قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري:
"أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان إجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره" (فتح الباري 2/460)
وقد بيّن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فضل هذه العشر بقوله:
"صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة بقيام ليلة القدر" (شعب الإيمان 5/311)
وفيه يوم عرفة اليوم الذي أكمل الله سبحانه وتعالى فيه ديننا، وأتم نعمته علينا، فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلا من اليهود قال له:
يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لأتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال:
" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " (المائدة 3)
قال عمر رضي الله تعالى عنه: "قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة" (صحيح البخاري 1/18)
أحب العمل الصالح :
العمل الصالح في عشر ذي الحجة الحرام أحب العمل الصالح عند الله سبحانه وتعالى بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا: يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء" (سنن أبي داود 1/741)
وقال الحبيب المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ولا أعظمُ أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى" (سنن الدارمي 1/357)
وخص النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بأنه كفارة للسنتين حيث قال:
"صيام عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" (سنن أبي داود 1/737)
تعالوا ننوي أن نستقبل عشر ذي الحجة بالأعمال الصالحة:
ينبغي لكل واحد من المسلين أن ينوي الأعمال الحسنة في هذه الأيام قبل دخوله فيها، سواء كانت ذلك الأعمال عبادة قولية أو فعلية ومن نوى وعزم على حسنة أعانه الله عليها وهيأ له الأسباب التي تعينه على تكميل تلك الحسنة لقوله سبحانه وتعالى:
" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " (العنكبوت 69)
الإجتناب عن المعاصي:
يا أخي الحبيب! ترك المعاصي أفضل من إتيان الحسنات، فعلينا أن نترك الذنوب والمعاصي كلها كالكذب والنميمة والبهتان وسماع الأغاني ومشاهدة الأفلام والمسلسلات وخاصة في أفضل أيام السنة، حيث روي عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
كان فلان رديف رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يوم عرفة، قال: فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، قال: وجعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مرارا، قال: وجعل الفتى يلاحظ إليهن، قال: فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له" (رواه أحمد1/329)
فكما أن الحسنات أسباب القرب إلى الله سبحانه وتعالى كذلك السيئات أسباب البعد عن الله تعالى ورحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنوب يرتكبها فإن كنتم تريدون مغفرة الذنوب والعتق من النار، فاحذروا من ارتكاب المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها.
التوبة والإستغفار:
يا أخي الحبيب! يجب علينا أن نتوب قبل الشروع في العبادة، واعلم أن للتوبة شروط أربعة:
ترك الذنب لقبحه،
والندم على ما فرط منه،
والعزيمة على ترك المعاودة،
وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة،
لأن الله سبحانه وتعالى قد جعل الاستغفار فرجاً من كل هم ومخرجا من كل ضيق لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب" (مسند أحمد 4/104)
وقد قال الله تعالى بأنه لم يعذب لمن يستغفر ويتوب:
" وَمَا كَانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال 33)
التكبير والتهليل والتحميد:
ومن أفضل أعمال الحسنة في العشر الأول من ذي الحجة الحرام التكبير والتهليل والتحميد، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
"ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (مسند أحمد 10/296)
الجهر بالتكبير:
والأفضل في التكبير هو الجهر في تلك الأيام بدليل عمل الصحابة رضي الله عنهم حيث روى الإمام البخاري في صحيحه:
"كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" وكان عمر رضي الله عنه: "يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا" وكان ابن عمر رضي الله عنه: "يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا" (صحيح البخاري 2/20)
الصدقة:
علينا أن نستكثر من الصدقة في عشر ذي الحجة، لأن الصدقة في هذه الأيام العظيمة، وفي مواسم مضاعفة الأجور أفضل من غيرها لأن الناس يحتاجون فيه إلى النفقة وإستعداد الحج والعيد وشراء الهدي وغيرها.
فوائد الصدقة:
الصدقة له فوائد كثيرة منها: ينال المرء البر ويضاعف له أجره ويظله الله سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويفتح له أبواب الخير ويغلق عليه أبواب الشر، ويفتح له باب من أبواب الجنة، يحبه الله ويحبه الخلق، ويكون المرء بها رحيماً رفيقاً، ويزكي ماله ونفسه، ويغفر ذنوبه، ويتحرر من عبـودية الـدرهم والديـنار، ويحفـظه الله في نـفسـه ومـاله وولده ودنياه وآخرته.
أعمال أخرى:
وهناك أعمال أخرى يستحب الإكثار منها في هذه الأيام المباركة، بالإضافة إلى ما ذكر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي: تلاوة القرآن، ذكر الله سبحانه وتعالى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الأعمال الثلاثة أحبها عند الله، غض البصر عن المحارم، حفظ الأعضاء كاللسان واليد والقدم وغير ذلك عن الأعمال المحرمة، بر الوالدين، العفو عن الناس، صلة الأرحام والأقارب، إطعام الطعام، الإصلاح بين الناس، إفشاء السلام، الإنفاق في سبيل الله، إماطة الأذى عن الطريق، كفالة الأيتام، عيادة المريض، اتباع الجنائز، أداء الديون، قضاء حوائج الناس، الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، المحافظة على صلاة الجماعة، الحرص على صلاة العيد في المصلى، وغيرها من الأعمال الصالحة.
وفقنا الله وإياكم لإغتنام هذه الأوقات بالأعمال الصالحات وحمانا وإياكم طريق الشر والشبهات والمهلكات. اللهم اهدنا صراطك المستقيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين |