التربية الإيمانية في العشر من ذي الحجة
إن النفس البشرية المؤمنة تحتاج إلى استثارات إيقاظية قوية كلما لفها الكسل عن الطاعة، وأقعدها الميل إلى المتاع، ففي غمرة الزحام الدنيوي المتكاثر من الملهيات والمكتسبات المادية المحضة تتطلع نفس المؤمن إلى حالة إيمانية ترفعها عن الأرض، وترفرف بها إلى عنان الأفق الرباني الرحب، وتعد هذه العشر من ذي الحجة أنسب ما يكون لتلك الأوبة وخلاص التوبة.
وفى دراسة بعنوان: «التربية الإيمانية في العشر من ذي الحج» من إعداد الباحث السيد طه، يرى أن المنهج الإسلامي التربوي جعل من استغلال تلك الأيام وسيلة ناجعة لتربية إيمانية موجهة، ودفعة قلبية روحانية صالحة، تُغسل فيها القلوب العاصية من درنها، وتؤوب فيها النفوس المقصرة إلى بارئها، وتأوي الروح فيها إلى حياة شفافة نقية لا تلوي على شيء غير الطاعة والإيمان.
مواسم فاضلة
ما أروع أن تحيا النفوس في ظلال هذه العشر المباركات؛ لتعيد تجديد العهد الذي أصابه الوهن بعد رمضان، وتعود لتعمق الصلة بربها بعد أن اعتراها الوهن والحرمان، إنها تشتاق إلى أن تعود كما كانت أوابة قانتة مستغفرة حامدة، لها مع الله شأن، تحلق إلى الملأ الأعلى في نقاء وصفاء، تاركة خلفها سفاسف الأرض، محطِّمة أغلال القعود مكسِّرة كل القيود .
إن هذه المواسم الفاضلة لمن أعظم نعم الله على عباده، حيث تُستحث هممُهم وتُشحذ عزائمُهم للمسارعة إلى الخيرات، ومجاهدة النفس على فعل الطاعات واجتناب المنكرات؛ حتى تزكو نفوسهم، وترق قلوبهم، وتنجلي عنها تلك السحب الكثيفة من الغفلة والقسوة، وحتى تكون هذه الطاعات غذاءً لأرواحهم، وأنسًا لقلوبهم، وسببًا لسعادتهم في دنياهم وآخرتهم.
إن الله شرع في هذه الأيام العشر من الأعمال الجليلة الفاضلة ما لم يشرعه في غيرها من الأيام، وأنها تختص باجتماع أمهات العبادة فيها، من: الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، والتكبير، والذكر، والأضاحي يوم العيد، ولا يتأتى ذلك في غيرها؛ ولهذا فإن إدراك المسلم لهذه العشر المباركة لمن أعظم نعم الله عليه، ومن واجبه استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، بالاجتهاد في الطاعات والمسارعة إلى الخيرات.
وإن أفضلَ ما تقرب به العباد إلى ربهم القيامُ بما افترضه عليهم، وأداؤه على الوجه الذي يحبه ويرضاه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»، لقد جمعت تلك الأيام العشر الخير من أطرافه، فهي خير الأيام وأعلاها مقامًا، أقسم بها الله سبحانه في كتابه بقوله تعالى: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، إذ قال ابن عباس وابن الزبير– رضي الله عنهم– ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف: «هي عشر ذي الحجة».
ورفع النبي ? شأن العمل الصالح فيها أيما رفعة، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ? قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام– يعني أيام العشر– قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء».
مجالات العمل الصالح
العمل الصالح أبوابه متسعة، وليس له حد محدود، وهو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومنها:
أداء الحج والعمرة: وهو أفضل ما يعمل، ويدل على فضله عدة أحاديث، منها قوله ?: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
صيام هذه الأيام: وبالأخص يوم عرفة ولا شك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو مما اصطفاه الله لنفسه، ولقد كان النبي ? يصوم تسع ذي الحجة، فقد أخرج النسائي وأبو داود عن بعض أزواج النبي ? أنها قالت: «كان النبي ? يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر...».
التكبير والذكر في هذه الأيام: لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات}، وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن أحمد وفيه: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد».
التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب: حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ? قال: «إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه» متفق عليه.
تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق: وتلك سنة أبينا إبراهيم- عليه السلام- حين فدى الله ولده بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبّر ووضع رجله على صفاحهما.
أثر العمل الصالح في حياة المسلم
الشعور بسموّ النفس وارتقائها.
إشاعة معاني الإنسانية في المجتمع.
التحفيز على تفعيل نوايا الخير في النفوس.
الارتقاء بالنفس وبناء الشخصية، وتقوية الإرادة.
السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
الحياة الطيبة الكريمة.
الأمن من الحسرة والندم يوم القيامة. |