ملامح سور القرآن: سورة الصافات
محمد خليل الزروق
سورة الصافات سورة الاصطفاء، ويشرح معناها ما جاء في سورة الحج: (الله يصطفي من الملائكة رسلًا ومن الناس)، فهذا هو الجامع بين ما في أولها وآخرها من ذكر الملائكة، وما في وسطها من ذكر الرسل، والثناء عليهم، وذكر منة الله عليهم.
ولذلك يشيع في السورة وصف: (المخلصين) على صيغة اسم الفاعل أو اسم المفعول، فهم أخلصوا دينهم لله، والله أخلصهم، أي اصطفاهم لكرامته في الدنيا والآخرة. ومن اصطفائهم نصرهم في الدنيا كما جاء في آخر السورة.
وهي بعدُ في التشنيع على الذين يقتحمون عالم الغيب بظنونهم فيقولون على الله ما لا يعلمون، ويعتقدون في شأن الألوهية والملائكة والجن ما ليس لهم به علم، ولا عندهم فيه من الله برهان. فالغيب مقصور علمه على ما جاء به الوحي.
وليس شأن الغيب بمنفصل عن شأن الشهادة، فإن الإيمان الصحيح بالغيب على ما أخبر الله في وحيه هو الذي يوجه عمل الإنسان في المشهود من الحياة. وأيضًا من أهم قضايا الغيب قضية الآخرة، والإيمان بالبعث والحساب، وهي فرع عن الإيمان بالله وقيوميته وعدله.
وهكذا تتضح لك معالم السورة. ففي مطلعها قَسَم بالملائكة: (والصافات صفًّا. فالزاجرات زجرًا. فالتاليات ذكرًا)، وصفُّها علامة انتظامها وتهيئها للأتمار بأمر الله. وزجرها نوع من عملها، وهو تسخيرها المخلوقات التي أمرها الله بتسخيرها، كالرياح والسحاب. ثم تلاوتها تسبيحها، أو تلاوتها وحي الله. فهي منتظمة متهيئة عاملة ذاكرة.
والمقسم عليه: (إن إلهكم لواحد)، فهو إله الناس والخلق والملائكة والجن، وكل ما سواه مخلوق مربوب. فالملائكة مسخرة، ومردة الشياطين لا يسمعون ما لم يأذن الله لهم بسماعه، ويُقذفون بالشهب إن تسمَّعوا.
فهذه السموات والأرض وما بينهما وما فيهما من خلق الله، ما قياس خلق الإنسان الطيني الليِّن الضعيف إليها؟ وهو يرجم الغيب بظنونه، وينكر المعاد، ويفسد في الأرض.
وفي السورة مشاهد للقيامة، فمشهد لاستسلام الظالمين وتساؤلهم وتلاومهم، وهم مع ذلك مشتركون في العذاب. ومشهد ما يُنَعَّم به المؤمنون، ثم مؤمن في الجنة يذكر قرينًا له في الدنيا كان يدعوه إلى إنكار المعاد والحساب، وكاد يتبعه لولا نعمة الله عليه.
وهذا أول نموذج نجده للاصطفاء، بعد الإلماح إلى اصطفاء الملائكة، فهذان قرينان يتحاوران في الدنيا، ولكل منهما اعتقاده، ثم يصير أحدهما إلى غاية النعيم والكرامة، ويصير الآخر إلى غاية العذاب والمهانة. وذلك في مقابل الكفار المشتركين في العذاب لم ينج أحد منهم، مع أن فريقًا منهم كان عالـمًا بأن الفريق الآخر يصدهم عن الخير، وهؤلاء كانوا عالمين بأن أولئك ليسوا مؤمنين.
ثم يأتي ذكر اصطفاء الرسل، نوح وإبراهيم وذريته وموسى وهارون وإلياس ولوط ويونس، مع شيء من التفصيل في قصة إبراهيم لبيان طريق الاصطفاء، وهو الامتحان، وهو امتحان شديد في حالة إبراهيم، وبه استحق الإمامة. وبهذا الاصطفاء استحق الأنبياء جزاء المحسنين، والذكر الحسن بالثناء في وحي الله يتلى إلى يوم الدين. |