تمت الإضافة بتاريخ : 20/05/2021

هيا نستمطر الرحمات

لطيفة علوش

اغتنم موسما من مواسم الخيرات

سبحانك من رب كريم أغدقت علينا من فيض الخيرات فأهديتنا شهرا تتضاعف فيه الحسنات، وتطيب النفس فيه لفعل المكرمات.

انصرم شهر رمضان، لؤلؤة ترصع شهور السنة ونفحة من نفحات الله العظمى وهبة من الرحمان لاغتنام أوقاته. الفريضة فيه بمقدار سبعين فريضة، والنافلة فيه بمقدار فريضة، وليلة فيه تعدل العبادة فيها ثلاثة وثمانين سنة من العبادة.

غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرنا فقال: “اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله عز وجل نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعتكم” [رواه الإمام أبو نعيم رحمه الله في الحلية]. فلنتعرض – أخواتي إخواني – لنفحات ربنا في هذا الشهر العظيم، شهر المنح الربانية والعطايا الإلهية وفي غيره من الشهور، ولنأخذ كتاب الله بقوة عسى الله يفتح مغاليق قلوبنا وعقولنا وينشر علينا رحمته، فنتمكن من حمل كتابه ونفوز بأسمى الدرجات ونعمل بما يعلمنا سبحانه.

منزلة حامل كتاب الله يوم القيامة

عن سيدنا أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه” [رواه الإمام مسلم رحمه الله]، وما أحوج الإنسان إلى الشفاعة يوم العرض الأكبر؛ يوم يفر عن المرء أهله ونفوذه فيجد كتاب الله شفيعا ونصيرا.

كما يرفع القرآن صاحبه إلى أسمى المراتب، عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” [صحيح الجامع ـ الحديث رقم 8122]، يرتقي سلم العز والافتخار حتى يصل إلى رتبة الأحبة الأبرار فيعانق الحبيب المصطفى والأهل الكرام والصحب الأطهار، فيا لسعادته آنذاك، اتخذ القرآن في الدنيا مؤنسا وصاحبا فكان له يوم القيامة سندا قويا وحاميا مخلصا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول يا رب حلّه، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يارب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة” [صحيح الجامع – 8030].

فيتمنى المرء حينها العودة إلى الدنيا بأي ثمن كان ليتمكن من حفظ آية يرفعه الله بها، لكن هيهات هيهات، لقد أعطانا الله عمرا وفرصا عديدة فلا نضيعها فما لا ينفع عند الله. ويجوز هنا الحسد بمعنى الغبطة، فعن الزهري عن سالم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في الحق آناء الليل والنهار” [مسند الإمام أحمد رحمه الله].

وتطول لائحة الأحاديث التي تحث على حفظ كتاب الله. إنما نكتفي بهذه الباقة من الأحاديث، راجين من المولى عز وجل أن يرفع هممنا بذكرها.

احذر الحسرة الكبرى

الوقت نعمة عظمى وثروة كبرى فلنحرص على حسن استثمارها، قال عارف بالله: “من أمضى يوما من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه”، وهذا يعضده الحديث المشهور عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس؛ الصحة والفراغ” [رواه الإمام الترمذي رحمه الله]، فالغبن هنا عاقبته الخذلان والحسرة، يوم يفوز من جنى من وقته الخير الكثير، كمن حمل كتاب الله وارتقى به، أو ذكر الله كثيرا فأكرمه المولى برؤيته في أعلى الجنان…

فلنحذر من الغبن والندم على ضياع العمر وضياع الفرص الثمينة. ولننظر إلى نفحات الله بعين استثمارية، تسعى إلى الربح الأخروي، ولنطلب من المولى عز وجل أن يرفع حجب الغفلة عن أعيننا لنبتعد في هذه الدنيا عما يغرينا ويصرفنا عن تحقيق الأهداف الأساسية التي من أجلها خلقنا، وهي نيل رضا الله والفوز بمحبته، فالدنيا مزرعة الآخرة. ولنتضرع إلى مولانا في شهر الاستجابة، بافتقار وتذلل، راجين منه جلت قدرته أن تشملنا رحمته، إنه سميع مجيب.