الإيثار على النفس
هياء المزعل
في القرية الصغيرة الهادئة ذات السماء الصافية
كثفاء قلوب ساكنيها والمحفوفة طرقها بأشجار الجميلة يتوسط منازل القرية منز ل جميل
هادئ يسكن فيه الأخوين أحمد وسعيد ووالديهما.
والدا أحمد وسعيد ربيا ابنيهما على القيم
الجميلة كحب الله ورسوله وحب الوطن والأخرين وكانا حريصين على غرس بذور الخير التي
بنموها ترتقي بنفسيهما إلى الرفعة والسمو بها في كل صباح وقبل التوجه للمدرسة يحرص
والد أحمد وسعيد على إعطائهما مصروفاً يومياً خاصاً بهما..
فكان يعطي كل واحد منهما ريالين ..
وكان ذلك المبلغ فيه كفايتهما خاصة لطفلين
في سنهما..
حيث كان أحمد يدرس في الصف الرابع وسعيد
وهو الأصغر يدرس في الصف الثالث…
كما أنه ليس بمقدور والدهما أكثر ممن ذلك
،وعاشا حامدين لربهما ، شاكرين لفضل والدهما …
أحمد وسعيد كغيرهما من الأطفال كان يراودهما
حلم جميل وهو اقتناء دراجة لكل واحد منهما ولكن ضيق ذات اليد لوالدهما لم يصارحاه بتلك
الرغبة حتى لايحملانه فوق طاقته كما أن هناك مستلزمات على والدهما أولى من اقتناء دراجة
…
ولكن الا يوجد طريقة لتحقيق ذلك الحلم الجميل
؟ ..خطرت ببال أحمد فكرة جميلة
يستطيعان بها تحقيق حلمهم الجميل..
صاح أحمد : وجدتها.
سعيد يقفز فرحاً : حقاً يا أحمد؟ كيف ذلك؟
سعيد: هيا ياأحمد قل بسرعة…
لم يطيل أحمد في تشويق سعيد أكثر من ذلك
فأجابه أحمد : اسمع ياسعيد ، اليس والدنا مشكوراً يعطينا في كل يوم مصروفا يوميا ؟
سعيد: بلى جزاها لله عنا كل خير ولكن إلى
ماذا ترمي يا أحمد؟
أحمد : اسمع ياسعيد نستطيع أن نوفر من مصروفنا
اليومي طوال العام حتى نستطيع جمع قيمة الدراجتين ، وبذلك نحقق حلمنا ولا نثقل على
والدنا الحبيب.
سعيد: يالها من فكرة جميلة ! حسنا ياأخي
الحبيب من الغد سنعمد إلى تنفيذ فكرتك العبقرية ..
وبالفعل بدأ في تنفيذ الفكرة حيث أحضر كل
واحد منهما حصالة خاصة به وجعلا بها فتحة صغيرة تكفي لإدخال النقود بها…كانتا حصالتين
بسيطتين صنعاها مما يتوفر لديهما من الخامات التي تصلح لإعادة الاستعمال
بدأ أحمد وسعيد من الغد في وضع جزء من مصروفهما
كلاً في حصالته وهما فرحين ومع كل ريال يضعانه يزيد المبلغ ويكبر الحلم ويقترب تحقيقه…
هاهما بعد ما ينهيا واجباتهما الدينية ،
والمدرسية ، والأسرية
وعندما يستلقيا على فراشيهما يبدان بتجاذب
أطراف الحديث عن شكل تلك الدراجتين، فأحمد يردها زرقاء ، وسعيد يريدها حمراء…وكن تخيلا
نفسيهما يجوبان بها طرقات القرية ويقضيان عليهما احتياجات والدتهما.
وهكذا حتى يتسلل النوم إلى أعينهم ويستغرقا
في النوم على حلمهما الجميل…..
وهكذا مرت أيام العام ..
ومع اقتراب نهاية العام خطرت ببال أحمد
فكرة
وهي أن يذهب إلى متجر القرية الذي يبيع
الدراجات دون علم أخيه سعيد ليسأل عن قيمة الدراجة ، وعند سؤله للبائعصدح أحمد بقيمتها!
فحزن لذلك حزناً كبيراً لأنهيار ذلك ، الحلم
الذي طالما راوده
أحمد لم يهتم لذلك كثيراً ،ولم يكن الحزن
من أجل نفسه
فقد كان تأثره من أجل أخيه سعيد الذي كان
يرى الفرحة في عينيه كلما قرب الموعد ..
كيف سينكسر قلبه المسكين عندما يتفاجأ بأن
مافي الحصالة لايكفي لسراء الدراجة..
أحمد وبقلبه الطيب الكبير لم يطل التفكير
فقد قرر من فوره أن يتنازل عن حلمه ويهب سعيد مافي حصالته..
لما لا .. أليس هو أخاه الأصغر الذي يحبه
ويعطف عليه ؟
ولكن هناك عقبة أمام أحمد … سعيد لن يرضى
بذلك ..لن يرضى أن يستأثر هو بالدراجة
لم يتعب أحمد في إيجاد الفكرة!!
فقد قرر أن يخرج مافي حصالته ويضعها في
حصالة أخيه سعيد دون أن يعلم بذلك بعد أن يخلد للنوم ،وعندما يحين وقت شراء الدراجة
سيتعلل أحمد بأنه عدل عن فكرة الشراء وسيحتفظ بالمبلغ الذي جمعه..
عاد أحمد إلى المنزل فرحاً أشد الفرح بأنه
سيساهم بإذن الله في أدخال الفرح والسرور على قلب أخيه ويحقق حلمه.
كان هناك مفاجئة أخرى فكما طرأ ببال أحمد
أن يسأل عن قيمة الدراجة كذلك سال سعيد ، وحزن لما علم من ارتفاع سعرها
ولم يكن سعيد بأقل طيبة وإيثاراً على النفس
من أحمد
فأحمد أخيه الأكبر الذي يحترمه ويشعره دوماً
بحنانه وخوفه عليه ..
وبالفعل قرر أن يفرغ مافي حصالته في حصالة
أخيه أحمد عندما يذهب للنوم
وأيضاً سعيد جهز مبرراً لعدم شراء الدراجة…
حرص كلا من أحمد وسعيد على أن يخلدا للنوم
باكراً
وكان كل واحد منهما يعيش فرحة بداخله لما
سيعمل من أجل أخيه
تسلل أحمد أولاً بعد أن شعر أن سعيد قد
استغرق في النوم ونفذ فكرتهووضع المال الي جمعه في حصالة أخيه سعيد ، وعاد مسرعاً إلى
فراشه ونام وهو قرير العين ، بعدها بوقت تسلل سعيد من فراشه وبسرعة أخرج مافي حصالته
ووضعه في حصالة أخيه أحمد ثم عاد مسرعا إلى فراشه وكما نام أحمد قرير العين نام سعيد
كذلك..
أحمد وسعيد لم يعلم كلا منهما بما فعل الأخر
..
لكن هناك من علم بأمرهما .. وتعجب له!!!
إنه والدهما الذي لاحظهما في تلك اللية
في أثنا قيامه لصلاة التهجد وراقب تصرفهما باستغراب !!
انتظر والد أحمد وسعيد إلى الغد وأحضرهما
وسألهما عن سر تصرفهما في تلك الليلة ..
فاعترفا لوالد هما بالحقيقة ..
وأن ذلك حدث دون أن يعلم أحدهما بالآخر
وذلك التصرف كان بدافع محبة كل واحد منهما
لأخيه..
وكيف أن كل واحد منهما آثر أخيه بالسرور
على نفسه
أكبر والدهما في نفس صغيريه ذلك التصرف
الكبير فلم يتمالك نفسه ألا أن يضمهما إلى صدره ويقبلهما ويشكرهما على هذه الروح الجميلة
التي سمت بهما إلى مرحلة الإيثار على النفس،وذكّر
ابنيه بقصة عظيمة في التاريخ الإسلامي عن الإيثار.
وهي ما حدث من إيخاء بين المهاجرين والأنصار
والتي ذكرها الله في كتابه واثنى عليهم بقوله تعالى :
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ
مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ
حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى? أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
? وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر :9) |