"أي بني".. 111 وصية من دُرر الويشي إلى أجيال الحاضر والمستقبل
محمد عبدالعزيز يونس
بكلمات موجزة، وأسلوب ماتع بليغ، يجمع الكاتب د.عطية الويشي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية القانون الكويتية العالمية، وعضو العديد من الهيئات والمؤسسات العالمية من بينها اتحاد المؤرخين العرب، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، خلاصة تجاربه الحياتية في 111 وصية أودعها كتابه الجديد "أي بني.. سطور في أدب الوصايا"، مجسدًا من خلالها عمق مشاعره الأبوية والإنسانية، متجاوزًا حدود الموصَى إليه إلى فضاء مفتوح.. بأسلوب نثري يحمل جماليات الفصحى موجزًا ثمرة تجربته العلمية والفكرية والإنسانية.
ويقول الدكتور الويشي ـ الذي صدر له من قبل عديد من المؤلفات من بينها "حوار الحضارات، أحكام الوقف، الخوف من الإسلام، الصراع في الفكر الغربي" ـ في مقدمة كتابه الصادر طبعته الأولى عن دار "اقرأ للنشر والتوزيع" 2017م في 118 صفحة من القطع المتوسط: "كثيرٌ منا لا ينظرون إلى العالم من حولهم إلا في أضواء أهوائهم، فلا يرون إلا ما يريدون رؤيته، ولا تقع أعينهم إلا على ما يرضي أهواءهم، ويوافق أمزجتهم؛ رغبة في رضى عابر وراحة موقوتة، ويمضون إلى حياتهم وهم على ذلك دون نظر في عواقب أمورهم، فيما تبقى حاجتنا ماسة إلى التناصح بالخير، والتواصي بالحق، ذلك الدواء الذي نوقن بصلاحيته الأبدية في شفاء صدورنا، وسعادة قلوبنا، وسكينة نفوسنا، وراحة ضمائرنا، ورغد معيشتنا".
راجع نفسك
ويستطرد قائلا: "لكننا في أحايين كثيرة لا نستسيغ ذلك الدواء، ونعرضُ عن تعاطيه؛ جَزَعَا من مرارته، وتخففًا من ثقله على النفس، فإذا التفتَ إلينا ناصحٌ أمينٌ بنصيحةٍ ودودةٍ، أو توجيهٍ رشيدٍ؛ تصعَّرت الخدود تأففًا وامتعاضًا! وصارت الرؤوس مطايا للنفوس المعاندة! الأمر الذي يفرض علينا مراجعة أنفسنا ومواقفنا، وسائر مجالات تعاملاتنا في هذه الحياة؛ فماذا علينا لو استجمعنا بقايا فطرتنا، وشحذنا مروءتنا ونخوتنا وشجاعتنا الأدبية، فننصت إلى صوت العبرة، ونرخي جناح تواضعنا لتجارب من سبقونا بالخبرة على امتداد مسيرة هذه الحياة".
ويضرب الدكتور الويشي على موطن الداء قائلا: "وإنه غير خافٍ على كل متحسِّس لأحوال أمتنا الحرجة، ومستشعر لآلامها ومرارة واقعها؛ أننا في ظروف لا نحسد عليها؛ أفرادًا وجماعات وشعوبًا، ومن الأمانة مصارحة أنفسنا بالعيوب، والمكاشفة بما قد يقع من نقائص وذنوب في حق بعضنا البعض.. وقد آن لنا تجديد مواقفنا الإيمانية، وتغيير نظرتنا إلى المجتمع من حولنا، والاعتراف بأخطائنا تجاه شركاء حياتنا الذين قسونا عليهم، وأسأنا الظن بهم، وانتقصناهم حقوقهم، أو ظلمناهم، أو أهملناهم، ولم يعد سوى المبادرة برد الاعتبار إليهم، وتقديرهم حق قدرهم، بل آن لنا أن نتلو بإخلاص صادق وترديد وقور: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي? إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي? إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (يوسف 53).
ويضيف الكاتب: "جرى في خاطري بتلك الوصايا على فترات متقطعة من العمر، وهي تعكس جانبًا من خلاصة تجاربي في الحياة، وقد نبهي أحد الإخوة إلى ضرورة جمعها وترتيبها في كتاب منشور، أملا في استدامة نفعها، ورجاءً لمثوبتها.. وها أنا ذا أضعها بين يدي قرائي الكرام من الرجال والنساء، والشباب والشابات، أجيال الحاضر والمستقبل".
قطوف من بساتين الكتاب
أي بُنَيَّ..
تحتاج الحياة إلى أن تكون خطواتك في مستوى طموحك.. فاخطُ باسم الله.. وستجد عند مهبط خطوك حنان التلقي، ومسالك التيسير إلى الفلاح.. دمتَ بني موفقًا لكل خير.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
الإخلاص والإتقان: هوية الإنسان الإيمانية وبصمته الحضارية.. فإذا أخلصتَ لله وأتقنتَ عملك كنت محسنًا.. يحبك أهل الأرض وأهل السماء.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
نُغالب الآلام بالآمال.. ونستدفع قدرًا بقدرٍ.. آخذين بالأسباب نُتبعها بأحسنها سببًا. مسكونين بثقة مطلقة في معية الله التي لا تُغادر وحشة على امتداد طريقنا إليه سبحانه وتعالى.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
لا تتعجل تحقيق ما تتمناه.. فتندم على فوات ما لا يتحقق تمامًا إلا بالتأني.. ولا تتأجل فتهرم بطول الأمل والتسويف دون أن تظفر بما تريد.. وكن فيما بين ذلك قوامًا.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
حين يحب البعض لضميره أن يخدعه.. فيكذّب عينيه.. ويتبرأ من إنسانيته. ويرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.. يفعل ذلك بينما يُقبِلُ على قدره إقبال الفراشة على النار! فلا تكن بُنَيَّ من هؤلاء!
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
من يُسْلِم عقله لغيره، فقد فرَّط في الأمانة التي ائتمنه الله عليها.. ومن ثمّ، فلا يلومنَّ إلا نفسه إذا صار مسخًا وألعوبة ومرتعًا لفعل الأفاعيل.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
احذر اعتلال اليقين وضعف الثقة بالله!.. فإنهما يورثان الهوان، ويذهبان بإنسانية الإنسان.. فيجعلانه أهون على غيره من الحيوان!.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
إن كثيرًا من حفظة القرآن يشوشون على الناس فهمه ببشاعة خصالهم، ويلهونهم عن تدبر آياته بشناعة مسالكهم!.. فلا تجعل من بعض تصرفاتك المُلغِزةَ حائلا دون فهم مخالطيك للقرآن بشكل جيد!.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
المصلح طبيب لا يُعَنِّف مرضاه.. وإلا غادروه رغم حاجتهم إليه.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
لا تكن من الذين لا يحلو لهم البناء إلا على أنقاض غيرهم.. أرض الله واسعة.. فتحرَّ مكانًا خاليًا فابنه خيرًا، واعمره معروفًا وإحسانًا.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
إياك ومتابعة هواك فيما تحب أو تكره، فما رأيتُ إلهًا أكثر عبادة في عالمنا من الهوى، وليكن ميزانك في الحياة عقلك المتسامي بشرع الله.. وفطرتك المسنودة بضمير حي لا يموت.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
من كان سببًا في حياتك.. فلا تكن سببًا في موته.. ومن حاول إسعادك فأخفق، ليس كمن حاول إتعاسك فأخفق.. ومن أكرمك فلا تهنه يومًا ولا تكن معه لئيمًا.. واحذر أن تترفع مع من تواضع لك وتذلل!.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
الاحترام: أن تفترض للناس حرمةً تحفظ دماءهم وأموالهم وأعراضهم وديارهم من شر عينيك أو لسانك أو يدك.. وأن تجعل لهم حرمًا آمنًا من كل مكروه يمكن أن يلحقهم بسببك.. وهكذا عندي فقه الاحترام، وهو غير التوقير.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
إذا تثاقل مسعاك إلى الخير.. وإذا لم يطاوعك لسانك في معروف.. وإذا أبطأ بك قلبك عن الرغبة في بِرِّ.. فطهِّر صدرك ببرد الاحتساب والاستغفار.. واعف واصفح وسامح.. وأحسن لمن أساء إليك!.
والدك المُحِبُّ
أي بُنَيَّ..
إذا رأيتني أثقلت عليك بنصحي وتذكيري.. فلا تثريب عليك أن تقول: حسبك.. فما أريد أن أشق عليك.. إن الدواء مهما كان مفيدًا، فلا يُعطى إلا برضى، ولا يُؤخذ إلا بحساب!.
والدك المُحِبُّ |