كيف توصل فكرتك إلى الآخرين؟
خالد بن محمد الصادقي
التواصل والاتصال بالآخرين ضرورة ملحة في حياتنا، وهو أمر لا مناص منه، فهذا الأب بين أبنائه، والمدير مع موظفيه، والمرأة مع زوجها، والبائع مع المشتري وهكذا..
والقضية ليست في الاتصال بحد ذاته، بل القضية في نتائج الاتصال، هل هو إيجابي أم سلبي؟ هل حقق رغبة الطرفين أم أحدهما أم لم يحقق لأي أحد شيئاً؟.
الناظر في معاملات الناس يرى النزاع والشجار والفهم السيئ للمراد، وهكذا تنشأ المشاكل بسبب ذلك، لذا كان لزاماً على المسلم أن يحرص كل الحرص على معرفة الطريقة الأمثل لإيصال الفكرة الصحيحة حتى تولد ناتجاً سليماً صحيحاً.
وقد ذكر أهل الاختصاص أن من أهم العوامل التي تعين على إيصال المعلومة ومن ثم الاقتناع بها إتباع الخطوات الآتية:
1- الاقتناع الذاتي بالفكرة من حيث هي، والمقصود أن تكون مستوعباً للفكرة والقضية التي تريد طرحها أو ترغب من الناس أن يقتنعوا بها، فإذا كنت غير فاهم لها أو لست راغباً فيها أصلاً فمن الصعوبة إيصالها إلى الغير، ولا سيما إن كانت القضية متعلقة بعقيدة أو منهج ونحو ذلك، وربما يحصل هذا في مسألة الحزبيات والتجمعات والجماعات المعاصرة، أو في الأفكار المستوردة من الغرب، ولذلك لا نستغرب من الكثير الذين دخلوا غمار المسائل السابقة وهم غير مقتنعين بها.. حسبهم منها المصلحة الذاتية والمادية فقط..
2- الإلمام بالشبهات التي تحيط بالفكرة، ولا تخلو أي قضية من مداخل يستطيع غيرك أن يدخل من خلالها فيجد له طريقاً للعبث بالفكرة، وهذا ما نجده واضحاً عند علماء أصول الفقه حيث أنهم يذكرون ما يمكن أن يقوله الخصم أو المخالف تجاه المسألة، وربما المخالف لم يقل ذلك ولكنهم يتوقعون ومن ثم يضعون الجواب المناسب له، ومن ثم جاءت فكرة بعض المعاصرين بذكر ما قاله وما يمكن أن يقوله أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم على الإسلام فألف كتاب (شبهات حول الإسلام)، وما ألف ذلك الكتاب إلا دفاعاً عن الإسلام وحمايته له من الشبهات - فجزاه الله خيراً - على حسن نيته، وإن كان المؤلف أو غيره يرى أن في أصل تأليف الكتاب نظر.
3- القدرة اللغوية التي تؤهلك لإيصال ما تريد إلى الآخرين، فالفصاحة والبلاغة والقدرة على تنويع الأسلوب وتغييره على حسب الزمان والمكان والشخص يعتبر من أعظم العوامل للنجاح، ولذلك نجد موسى - عليه السلام - يرى لهذا الأمر خطورة، ويخشى أن يقصر في التبليغ لِعِلّةٍ كانت في لسانه ربما تمنعه من تبليغ الدعوة قال تعالى: (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري...) الآيات، وقال أيضاً في موضع آخر (وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً..) الآيات، والقارئ الكريم يسمع ويشاهد الدعايات والإعلانات التي تجعل من الرديء جيداً، ومن القديم جديداً، ومن غير المرغوب فيه إلى أن يكون مرغوباً فيه ومحبوباً للناس، والسباق في هذه الميدان مفتوح للجميع.
4- الاعتدال في الطرح بعيداً علن الانفعالات غير المبررة، وبعيداً عن الغلو، وهذا مما يجعل الجميع يُقْبِل عليك، ويتقبل فكرتك ويقتنع بها، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) وفي الحديث (وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).
5- معرفة الناس ونفسياتهم: فطبائع الناس مختلفة، وهي متقلبة، وما كان يطرح قبل خمسين سنة لا يمكن أن يطرح الآن، وما كان يطرح قبل عشر سنوات قد تغير، وربما لا يقتنع الشخص بفكرة معينة ولكنه بعد سنوات سيقتنع بها ولاسيما في هذا الزمن حيث الثقافات المتنوعة، والسيل الجارف من المعلومات التي تصب صباً في الناس بكافة الوسائل المتاحة، وبتقنيات متطورة، وأصحاب التجارات الدنيوية يعرفون هذا جيداً فهم من أخبر الناس بما يريد الناس، وهم يدرسونه دراسة مستفيضة، والإدارة الحديثة تقول: الإدارة الناجحة هي التي تتأقلم مباشرة مع المتغيرات الطارئة، وهي الإدارة التي يمكن أن تقاوم وتستمر.
6- تقدير الآخرين واحترامهم والمعاملة معهم بالحُسنى، فكم رأينا من أناس غير مقتنعين بفكرة فلان أو علان ولكنه اقتنع بذلك الشخص وأحبه، فالقضية أصبحت متعلقة بمحبة ذلك الشخص فقط، وذلك نتيجة لحسن معاملته مع الآخرين، والإنسان مجبول على محبة من يقدره ويسبل عليه معروفه، وورد في الأثر: (الدين المعاملة)، وقد حث الشرع المطهر على حسن الخلق، وأن صاحبه يصل درجة الصائم الذي لا يفطر، والقائم الذي لا يفتر، وأصحاب المبادئ السامية هم أحق بهذا الأمر، وأولى به، فالبدار البدار.
هذا ما سنح به الفكر، ولا شك أن الموضوع يحتاج إلى المزيد، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. |