الصلاة: أهميتها وفضلها… حوار مع الدكتور بلقاسم الزقاقي
حوارا مع الدكتور بلقاسم الزقاقي الباحث في الفكر الإسلامي والعلوم الشرعية، في موضوع الصلاة، أهميتها وفضلها وأثرها في حياة المؤمن، نورد في ما يلي نصه الكامل.
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: “وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين”… ومن هذا الباب نحتاج إلى تذكيرنا بما هو فضل الصلاة، من خلال ما ورد في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فرض الله تعالى الصلاة على عباده وجعلها ثاني أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومعلما بارزا لإسلام العبد يتميز به عن الكفر والشرك، وعلى صلاحها وإتقانها يتوقف نجاح المومن في غيرها من الأعمال والقربات، وقد رتب الله على أدائها فضائل عظيمة ومنن عديدة ورد ذكرها في آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن هذه النصوص:
من القرآن الكريم. قول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) (البقرة).
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) (البقرة).
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) (الأنعام).
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) (طه).
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) (العنكبوت).
من الأحاديث النبوية:
عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة”. رواه مسلم.
وعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها”. رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة”. رواه ان ماجه.
وعن علي عليه السلام قال: “كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم”. رواه أبو داود.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا”. رواه البخاري.
يقال إن الصلاة معراج المومن، فما هي أهمية الصلاة في سلوك العبد المومن إلى الله تعالى، وما هو أثرها في تنوير روحه وتقريبه من مولاه؟
الصلاة هي العبادة التي يتصل فيها العبد بربه مباشرة فيقف بين يديه معلنا: “الله أكبر” من كل مخلوق، وغير الله صغير وحقير أمام عظمته سبحانه، فيعظم في نفسه ارتباطه بربه عندما يتلو كتاب ربه ويسبحه في ركوعه وسجوده ويجدد إسلامه كلما ردد الشهادتين في حالة التشهد، فيولد ذلك الشعور لديه بأن الله حاضر في نفسه وفي مناجاته لأنه يحدثه ويخاطبه ويسبحه ويدعوه ويحمده، فتقوى في نفسه علاقته بربه، لأن روحه تعرج إلى ربها في مواقع القرب منه سبحانه لتكون صلاته بهذه المعاني معراجا روحيا إلى ربه، وإلى الملإ الأعلى، يودع الدنيا ويستقبل الآخرة، يوجه قلبه وروح وسره إلى خالقه، فيعقل معنى ما يقرأ فتراه خاشعا متصدعا من خشية الله.
يتحقق هذا المعراج حينما يتخلص المؤمن من ركام طينيته، ويسمو إلى آفاق روحانيته، فيسعد بالوقوف بين يدي ربه، يناجيه بكلامه، ويتزلف إليه بقرآنه، ويتحبب إليه بالثناء عليه، والإنابة إليه، والتضرع بين يديه. وبثبات المومن على هذا السلوك مستعينا بالله ومستعيذا به من غواية الشيطان يكرمه الله تعالى بمحبته وحبه ويختم له بخاتمة قد أفلح المومنون الذين هم في صلاتهم خاشعون (المؤمنون 1-2).
يقول تعالى: “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”، فكيف يبلغ العبد المومن درجة تصبح فيها الصلاة ناهية له عن المعاصي؟
الصلاة إذا أقامها العباد بشروطها وآدابها وخشوعها تبعث في النفس رادعا قويا للتخلص من كل ما هو قبيح وسيء، وتحصيل كل ما هو صالح وطيب، لذا قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنكبوت: 45) وغيرها من الآيات التي تعرضت لبيان الحكمة من العبادة، فالقصد منها أن الإنسان لو عبد اللّه حقاً وأقام الصلاة صدقا تنقدح في قلبه لذة المناجاة فلا يلتفت إلى ما قد تزينه الشياطين من لذات الشهوات والغفلات فيتمشى على دين اللّه، وينتهج صراطه المستقيم، منتهيا عن المنكر والفحش، عاملا للخير والمعروف.
وثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللّه إِلا بعدا”. فالصلاة وسيلة ناجعة لتزكية النفوس وتطهيرها من رفث الكفر والفسوق والعصيان، وهي المقياس لصحة الإيمان ومدى انتهاء المومن عن كل أشكال الفحشاء والمنكر، فكلما صدق العبد في صلاته وأداها بحب، عصمته من الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، وكلما حافظ على الصلاة وخاصة جماعة في المسجد زاده ذلك إيمانا وتعلقا بالدار الآخرة. قال الله تعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.
تتنوع الصلوات بين فريضة ونافلة. وتتنوع النافلة بين القبلية والبعدية وصلاة الليل وصلاة الضحى وصلاة التسابيح والحاجة والاستخارة… ما الحكمة في هذا التنوع؟
اقتضت حكمة الله أن يكتب على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة وأن يعطيهم عليها أجر خمسين صلاة رحمة بهم وتحفيزا لهم على أدائها والقيام بحقها، كما عدد أنواعها، فهناك صلاة الفرض وصلاة النافلة،وصلاة نهارية وأخرى ليلية، وصلاة مقيدة بمناسباته كالخسوف والكسوف والاستسقاء والخوف رحمة بهم وإكراما وتسهيلا للطاعة، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل)، ما يفيد أن من الحكمة في الأمر بالصلاة وقتا بعد وقت تذكير العبد بربه حتى لا يطول عليه الأمد فينسى فقال: ثم لما كان العبد خارج الصلاة مهملا جوارحه قد أسامها في مراتع الشهوات والحظوظ أمر بالعبودية والإقبال بجميع جوارحه وحواسه وقواه لربه واقفا بين يديه مقبلا بكله عليه، معرضا عمن متنصلا من إعراضه عنه وجنايته على حقه، ولما كان هذا طبعه ودأبه أمر أن يجدد هذا الركوع إليه والإقبال عليه وقتا بعد وقت لئلا يطول عليه الأمد فينسى ربه وينقطع عنه بالكلية، وكانت الصلاة من أعظم نعم الله عليه وأفضل هداياه التي ساقها إليه). وفي الحكم العطائية: علم وجود الضعف منك فقلل أعدادها، وعلم احتياجك إلى فضله فكثر إمدادها)، أي الجزاء الذي رتب عليها. (والله ذو الفضل العظيم).
الصلاة شعيرة من أهم شعائر الدين، فهل من أمثلة لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء الربانيين لهذه الشعيرة؟
قدوة المصلين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقارئ لسيرته العطرة سيقف على تعظيم رسول الله لهذه الشعيرة العظيمة، فكان يتقن وضوءها ويؤديها في وقتها بآدابها وشروطها وخشوعها، ويدعو الصحابة الكرام إلى التأسي به في كيفية صلاته ويقول لهم: “صلوا كما رأيتموني أصلي”، وإذا فرغ من صلاة بقي قلبه معلقا بالتي تليها، فإذا حان أوانها نادى أن أرحنا بها يا بلال. لقد جعل الله قرة عينه في الصلاة.
وكذلك كان دأب الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فقد شغفت قلوبهم حب الصلاة، وجعلوها محور أعمالهم وقرباتهم، ويتناصحون للحفاظ عليها ومراعاة أحكامها ولا أدل على ذلك من جعلهم المسجد صلة وصل حقيقية بين المومنين، يجتمعون على الصلاة والقرآن. كما وقد عرف عن الخلفاء الرشدين رضي الله عنهم حرصهم على إقامة الصلاة ويوصون بها ولو في جبهات القتال، فهذا سيدنا عمر الفاروق يذكر الجند بأن أهم أمرهم عنده الصلاة لأنها ذخيرة النصر والتمكين. وعلى ذات الهدي سار العلماء العاملون يعظمون عبادة الصلاة يعلمون الناس أحكامها ويدلونهم على فضلها وحسن ثوابها وسبل إقامتها وتوقيرها ومحذرين من عاقبة إضاعتها أو التخلي عنها.
ما أحوج الأمة اليوم إلى تجديد علاقتها بالصلاة لأنها من يوم أن تهاونت فيها وهي في تراجع وتصدع، ضعف إيمانها وتربص بها أعداؤها واستبدت بها شهوات الهوى فهوت في مهاوي الظلال والغي كما قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسيلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا. فاللهم اهدنا إلى الصلاة وإلى إقامة الصلاة والى الحفاظ على الصلاة والدوام عليها يا رب العالمين. |