تمت الإضافة بتاريخ : 26/03/2017

نوعان من العمى

جلال الدين الرومي

كان أعمى قد دأب على أن يقول: "أمانًا؛ فإني أقاسي لونين من العمى، يا أهل الزمان! فانتبهوا، واشفقوا علي اشفاقًا مضاعفًا، ما دام لي نوعان من العمى، أنا واقع بينهما".

فقال أحدهم له: "إنا نرى لك عمى واحدًا. فما هو العمى الآخر؟ أظهره لنا!".

فقال: "إنني قبيح الصوت خشن الدعاء! وقد اقترن قبح الصوت عندي بالعمى! فصوتي القبيح صار مصدرًا للغم. ومن وقع صوتي ينكمش عطف الخلق. وأن صوتي القبيح لينطلق إلى كل مكان، فيغدو مصدرًا للسخط والغمّ والبغضاء. فضاعفوا رحمتكم لهذا العمى المضاعف! وأفسحوا مجالاً لهذا الذي لا مجال له".

ولقد تناقص –بهذا الشكوى- قبح صوته، وصار الناس –في العطف عليه- قلبًا واحدًا!

فلطف صوت قلبه –حين أعلن السرّ- قد جعل صوته لطيفًا. وأما من كان صوت قلبه قبيحًا، فإن عماه المثلث يبعده بعدًا سرمديًا.

لكن الوهابين (من أصل الكمال) يمنحنون بدون ما سبب، فلعلهم يضعون يدًا فوق رأسه القبيح.

فحين غدا صوت ذلك السائل حلوًا مثيرًا للسفقة، كانت تلين له كالشمع قلوب من تحجرت قلوبهم.

أما ضراعة الكافر فهي إذا كانت قبيحة كالنهيق، فإنها –من جراء ذلك- لم تقترن بالاجابة.

إن قوله تعالى: ?اخْسَئُوا?((المؤمنون:108)، قد انطبق على قبيح الصوت، الذي هو كالكلب، ثمل بدم الخلق.

ولما كانت ضراعة الدب قد اجتذبت الرحمة، وضراعتك لم تكن كذلك، بل كانت قبيحة، فاعلم أنك سلكت ازاء يوسف مسلك الذئاب، أو أنك شربت من دم برئ! فقدم التوبة ثم استفرغ ما شربت. وإن كان جرحك قديمًا، فاذهب وداوه بالاكتواء.

______________

المصدر: كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي ص:204