تمت الإضافة بتاريخ : 21/12/2016

قصة المجادلة.. قطوف تربوية

حمدي رحيم شعيب

صاحبة القصة نموذج للمرأة المسلمة المعتزة بكرامتها المراقبة لخالقها قصة المجادلة.. قطوف تربوية

عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ: "وَاللَّهِ، فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ. قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي. قَالَتْ فَقُلْتُ: كَلا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ: فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْهُ فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم -  مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -  يَقُولُ: يَا خُوَيْلَةُ، ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -  مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ. فَقَالَ لِي: يَا خُوَيْلَةُ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير (1) (المجادلة 1) إِلَى قَوْلِهِ وللكافرين عذاب أليم (4) (المجادلة)، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ قُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ. قَالَتْ فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ. قَال: قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا. قَالَتْ فَفَعَلْتُ". قَالَ سَعْدٌ: "الْعَرَقُ: الصَّنُّ". (1).

وردت هذه القصة، في مطلع سورة (المجادلة).

وفي هذه السورة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة؛ وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه.

هذه الفترة الفريدة في تاريخ البشرية؛ فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة، فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغير فقيرة مغمورة، لتقرر حكم الله في قضيتها". (2).

وبتدبر آيات القصة يمكننا أن نضع أيدينا على بعض السمات أو الركائز؛ التي تجعل من خولة - رضي الله عنها -، شاهدة صادقة وموثقة على عصرها؛ ولتكون خير دليل، وبرهان عملي على مكانة المرأة في هذا المجتمع الرباني.

السمة الأولى: قدرتها على إدارة الأزمة:

لقد أوضحت خولة بنت ثعلبة - رضي الله عنها -، أن سبب المشكلة، وبداية القضية؛ أنها راجعت زوجها أوس بن الصامت أخا عبادة ابن الصامت - رضي الله عنهما - في شيء مما أثار غضبه، فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي؛ أي محرمة عليّ، وهو من الطلاق في الجاهلية.

ثم بعد ذلك أراد زوجها - رضي الله عنه - أن يباشرها فأبت، وخرجت قاصدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شكواها، ورفع القضية إليه.

وقد ورد أن أوساً كان "امرءاً به لمم فكان إذا أخذه لممه واشتد به يظاهر من امرأته وإذا ذهب لم يقل شيئاً". (3).

وسنرى كيف تصرفت خولة - رضي الله عنها - تصرفاً راقياً حيال هذه المشكلة.

السمة الثانية: فقهها لأدب الاختلاف:

وعندما نورد هذا المثال إنما نورده، لنفتح باباً في التربية، وهو أنه إذا كان هؤلاء بشراً يخطئون، ويتشاحنون، ويختلفون، ولكن كان يظلل هذا الخلاف ضوابط معينة؛ لم تك تغيب عن امرأة من ذلك الجيل القرآني العظيم.

"وليس هذا من باب الطعن بالسلف بحالٍ من الأحوال، ونعلم أن الله - سبحانه - يزن المسلمين بميزان سورة الأحقاف: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون 16. (الأحقاف) "نعم إنه ليس الطعن، ولكنها دعوة إلى الواقعية في فهم تاريخنا". (4).

وندرك أيضاً أن الاختلاف بين البشر سنة ثابتة ومطردة، من سنن الله - عز وجل - الإلهية. ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين 118 إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين 119. (هود)

إذن لا يحق لنا أن نذهل أمام المشكلات والخلافات؛ التي تقع سواء على محيط الأفراد، أو على محيط الأسرة الواحدة، أو على محيط المؤسسات.

ولكن الخطورة هي أن ينقلب هذا الخلاف الظاهري إلى خلاف باطني مذموم، بل ومحرم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(5).

والعجيب أننا لا نعي ولا نستفيد مما وصل إليه الإداريون التربويون، في هذا الجانب؛ لقد وصلوا إلى خلاصة تعتبر قاعدة تربوية دعوية، نحن أحق بأن نعيها، وهو أن الخطأ يعتبر ظاهرة صحية في حق الجماعات، وليس الأفراد فقط؛ لأنه طريق التجربة والرصد والمعرفة ثم النماء إلى ما هو أفضل، "فالقائد يدرك أن للجماعة الحق في أن تُخطئ، وأنها لا تنمو إلا إذا تعلمت كيف تتحمل المسؤولية كاملة لِمَا تُصدره من قرارات وما تحسمه من أمور"(6).

ومن هنا يتبين لنا ألا نذهل، ولا يصيبنا الإحباط إذا رأينا بعض الخلافات الداخلية، وننظر إليها برؤية المنهج، الذي جاء ليرقى بالبشر، من حيث هم، ولم يعاملهم كملائكة مبرؤون من النواقص.

السمة الثالثة: الورع والخوف من الله:

لقد كان موقف خولة - رضي الله عنها - عظيماً وفريداً، عندما حكت عن زوجها عندما خرج وعاد؛ فقالت: "ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي قَالَتْ: فَقُلْتُ كَلا وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ، لا تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ؛ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ. قَالَتْ فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ، فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى بَعْضِ جَارَاتِي فَاسْتَعَرْتُ مِنْهَا ثِيَابَهَا ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ً".

فتدبر أحداث تلك الواقعة، والملابسات التي حدثت بين زوجين داخل بيتهما، وسلوكها الراقي الورع الذي استوعب أخطاء الزوج، من أجل عدم الوقوع فيما يغضب الحق - سبحانه -.

وتذكر كيف فقهت أن طاعة الزوج لها حدود؛ وهي طاعة مبصرة في غير معصية لله - عز وجل -؟.

ثم سرعة تصرفها وحكمتها في وجوب الإسراع في حل تلك المشكلة العائلية، من أجل المحافظة على كيان الأسرة.

وهذا ما يشعرنا بالمستوى الراقي من الأخلاق والورع، الذي ربيت عليه المرأة في هذا المجتمع الرباني الفريد.

السمة الرابعة: فقهها للمرجعية:

لقد حملت خولة - رضي الله عنها - شكواها إلى الحبيب - صلى الله عليه وسلم -.

فلم تذهب لغيره - صلى الله عليه وسلم -، حتى وإن كانت عائشة رضوان الله عليها، وتدبر كيف أن خولة - رضي الله عنها - أتت إلى بيتها وانفردت به ص ولم تشرك أحداً في حل قضيتها.

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَت: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ. لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - تُكَلِّمُهُ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ مَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عز وجل - (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إِلَى آخِرِ الآيَةِ"(7).

وهذا يضع أيدينا على سمة أخرى، نستشعرها من هذا التصرف.

لقد كانت مثل أي فرد داخل هذا المجتمع تقر وتعلم أن لها قيادة ومرجعية تنظيمية يرجع إليها.

ويوضح هذا الملمح أيضاً أهمية وجود روح الانضباط التنظيمي، داخل الأمة، ووجوب تنميتها، خاصة بين أفراد كل جماعة تتبنى المشروع الحضاري الإسلامي، وركن ذلك أن يعي كل فرد أن له قيادة ومرجعية يعود إليها.

السمة الخامسة: شجاعتها الأدبية وقدرتها على الحوار:

لقد ورد عن خولة - رضي الله عنها -، أنها كانت تتمتع بقدرة فائقة، على الحوار؛ حيث عرضت قضيتها بشجاعة وثقة ولباقة.

وتدبر كيف بدأت شكواها، هي تقول:

"يا رسول الله أكل مالي وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي، ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك". (8)

ثم في حوارها وجدالها في رأي الحبيب - صلى الله عليه وسلم -:

"فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقال لها: "حرمتِ عليه" فقالت: والله ما ذكر طلاقاً، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني، فقال: "حرمت عليه"، فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية.

وروى الحسن: أنها قالت: يا رسول الله! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما أوحى إلي في هذا شيء" فقالت: يا رسول الله، أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا؟!. فقال: "هو ما قلت لك" فقالت: إلى الله أشكو لا إلى رسوله. فأنزل الله: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله(المجادلة: 1)(9).

وكذلك في حوارها وجدالها في الحل الرباني الذي جاءت به الآيات:

بل إنها كانت طوال حياتها على هذه السمة المميزة لها.

فقد "مر بها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلاً ووعظته وقالت:

يا عمر قد كنت تدعى عميراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب، وهو واقف يسمع كلامها، فقيل له:

يا أمير المؤمنين، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟

فقال: والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ ". (10).

السمة السادسة: اعتزازها بكرامتها وإنسانيتها:

لقد ورد في أمر خولة - رضي الله عنها - أن أمها معاذة التي أنزل الله فيها: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا(النور: 33) وهي الأمة التي كان عبد الله بن أبي بن سلول يكرهها على البغاء والزنى والفجور، فأبت ذلك ونزلت فيها هذه الآية. (11).

ونستشعر من ذلك؛ ملمحاً تربوياً طيباً؛ وهو أن خولة - رضي الله عنها - قد نشأت متأثرة تأثراً بالغاً بأمها معاذة التي كانت مجرد أمة مملوكة؛ ولكنها لم تك إمعة أو سهلة أمام سيدها الذي أكرهها على الفسق فرفضت وكان لها موقفاً، زكاه الله - عز وجل - من فوق سبع سماوات.

ولو تدبرنا محور الآيات التي نزلت في خولة وأمها - رضوان الله عليهما -؛ نجدها تدور حول قوة الشخصية، والاعتزاز بالرأي طالما كان على الحق.

السمة السابعة: احترام خصوصية الزوج:

وهناك ملمح تربوي عظيم نستشعره من الحديث الشريف الذي ورد عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها -، قَالَت: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها... إلى آخر الآية". (12)

فعائشة - رضي الله عنها - وهي من هي لم تشأ أن يدفعها الفضول لترى أو تتسمع ما يحدث في بيتها بين زوجها - صلى الله عليه وسلم -، وبين أحد الضيوف؛ خاصة عندما يكون امرأة.

وهو الملمح الذي يبين مدى سعة أفق هذا الجيل الرباني، ومدى السمو في العلاقات الزوجية، ومدى الثقة التي كانت بين الزوجين.

وكذلك مدى النضج في تربية المرأة وأخلاقياتها، في احترام خصوصية الزوج، وعدم الفضول في هتك أسراره، والتدخل في علاقاته الخاصة.

السمة الثامنة: الثقة في القيادة الواعية:

عندما حملت خولة - رضي الله عنها - شكواها إلى الحبيب - صلى الله عليه وسلم - أخذ الأمر بجدية وحقق في الأمر.

وتصرفه - صلى الله عليه وسلم - إنما يدل على أمور عظيمة، تضع الضوابط المطلوب توافرها في كل قيادة راشدة.

تلك الصفات هي التي جعلت كل فرد يرجع إليها في كل شيء، حتى ولو كانت مشكلة داخلية عائلية، لا يدري بها أحد.

ومن هذه الصفات:

(أ) الشعور بالمسؤولية: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان على الرغم من مشاغله كحاكم مسؤول عن دولة عظيمة مترامية الأطراف، كان عنده الوقت ليفصل في الأمور الحياتية العادية بين الأفراد.

(ب) التواضع: لأنه - صلى الله عليه وسلم - وهو من هو لم يدّع الدراية بكل شيء، بل قال رأيه، وسمح لخولة - رضي الله عنها - أن تحاوره.

(ج) الحيادية والتروي والعدل: وذلك عندما نرى أنه - صلى الله عليه وسلم - قد قال لخولة - رضي الله عنها - مذكراً إياها بحساسية القضية، فرد غيبة زوجها: "يَا خُوَيْلَةُ، ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَاتَّقِي اللَّهَ فيه".

وكم من أُخذ بجريرة الوشايات، ولم يُستمع إلى رأيه؟!.

(د) الرفق بالرعية: خاصة إذا كان المقصود فرداً غائباً، وتدبر نصيحته - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا".

(ه) الثقة المتبادلة بين الحاكم والمحكوم: وهذا هو حجر الزاوية؛ أو هي القاعدة التي تقوم عليها كل الصفات.

وهو ما يتضح من توجه خولة - رضي الله عنها - بشكواها لثقتها أنه سينصرها ويأتي لها بحقها لأن الكل عنده سواسية.