تمت الإضافة بتاريخ : 17/11/2016
fiogf49gjkf0d

لينتصر طبعك

ثامر عبدالغني

جلس عجوز حكيم وأمامه عقرب، وقد وقعَت العقرب في الماء، وكانت تتخبط محاولة الخروج، فمدَّ العجوزُ يدَه لإنقاذ العقرب، لكن العقرب لسعَت العجوز، كرَّر العجوزُ وتكرَّر اللسعُ، وفي كل مرة يشعر العجوز بألم شديد، استغرب رجلٌ كان يشاهد هذا المنظر، وصرخ: لماذا تكرر مدَّ يدِك للعقرب وهي تلدغك؟!

 

فقال العجوز: يا بنيَّ، مِن طبع العقرب أن تلسع، ومن طبعي أن أحب وأعطِي؛ فلماذا تريد لطبعها أن يتغلب على طبعي؟!

 

عندما نستعرض شريط ذكرياتنا، نجد الكثير من المواقف التي تعرَّضنا لها، وكانت فيها الإساءة لنا والاعتداء علينا، لكن الداعية وصاحب الرسالة وحامل الفكرة لا بد له من أن يُقابل الإساءة بالإحسان، وأن يصبر على الأذى.

 

وليس لنا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةٌ ودليل، عندما عفا عن رجالات قريش يومَ فتح مكة، وقال لهم: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))، وعلى الرغم من كل ما كالُوه له من أذًى ومضايقة وحصار في شِعب أبي طالب، بل وصل بهم الكيدُ لأن يخطِّطوا لاغتياله، ومع كل ذلك انتصرَ طبعُ رسول الله؛ فكان التسامح أقوى من الانتقام.

 

عندما تحمل رسالة وتعلم - أنتَ على يقين - أنها تحمل الخير والسعادة للبشرية، بل تحمل للعالَم كله الحياةَ، فأنت مستعد لمدِّ يدِك للآخرين؛ لتنتشلَهم من الواقع الصعب الذي يعيشون فيه، وقد يُقابلك البعض بالأذى، لكنك تجد أنك تمدُّ يدك من جديد مكرِّرًا محاولتَك لتقديم الخير لهم.

 

طبعهم الغِيبة والحقد والحسد... لكن طبعك الحبُّ والعطاء والتسامح...

 

طبعهم الكذب والدسُّ والتجريح... لكن طبعك الصدقُ والإصلاح والبناء...

 

طبعهم الاستسلام ومعانقةُ الهزيمة... طبعك الإصرارُ ومعانقة القمم...

 

طبعهم التفاخر والأنانية والتفريق والنفاق... وطبعك التجرُّد والتضحية، والأخوة والإخلاص، فأيُّ الطِّباع تنتصر؟ طِباعك أم طِباعهم؟!

 

فلتنصر طبعك على طباعهم، ولكن ذلك كله لا يعني أن نستعلِيَ على الناس، وأن نبتعد عنهم لأننا أفضلُ أو أنقى أو أتقى؛ فنحن بذلك ننحرف عن منهجنا، ونَتِيه عن طريقنا السليم، يقول الشهيد سيد قطب:

 

"حين نعتزل الناس لأننا نُحس أننا أطهرُ منهم روحًا، أو أطيبُ منهم قلبًا، أو أرحبُ منهم نفسًا، أو أذكى منهم عقلًا، لا نكون قد صنعنا شيئًا كبيرًا... لقد اخترنا لأنفسنا أيسرَ السبل وأقلَّها مؤونة.

 

إن العظمة الحقيقية أن نخالط هؤلاء الناس، مُشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروحِ الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم، ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع.

 

إنه ليس معنى هذا أن نتخلَّى عن آفاقنا العليا ومثلِنا السامية، وأن نتملق هؤلاء الناس ونُثني على رذائلهم، أو أن نُشعرهم أننا أعلى منهم أفقًا... إن التوفيق بين هذه المتناقضات، وسعة الصدر لِمَا يتطلبه هذا التوفيق من جهد: هو العظمة الحقيقية".

 

لِينتصرْ طبعُك؛ لأنك على حق، ولأن طبعَك يستحق أن ينتصر.

fiogf49gjkf0d