fiogf49gjkf0d
ملخص بحث القيم المثلى، والمسؤولية الكبرى
فهذا ملخص بحثي والذي يتمثل في "التحلي بالقيم الإسلامية واستشعار روح المسؤولية"، وقد ضمنته بابين كبيرين، بدأتهما بباب القيم والمبادئ الإسلامية، ثم ثنيت بباب استشعار روح المسؤولية؛ لكون القيم أعم، وأما المسؤولية، فهي أخص؛ لأنها جزء من منظومة القيم في الشريعة الإسلامية.
فأما الباب الأول، فقد قسمته إلى خمسة فصول، تطرَّقت في الأول منها إلى تعريف كلٍّ من القيم والأخلاق، والمسؤولية، والفطرة، حيث دللنا هنالك على أن الأخلاق منها ما هو جِبلي منةً من الله تعالى، ومنها ما هو كسبي عملي يحتاج منا إلى جِدٍّ واجتهاد وتزكية وصبر ومصابرة، ثم بينت طريقة اكتساب القيم والتحلي بها، وأن الجميع - الجِبلي والكسبي - لا يخرج عن مشيئة الله تعالى ولا عن فطرته التي فطر الناس عليها، من غرْزٍ لمعرفة الرب والغاية من خلقه، وأصل الخير وصالح القيم في أنفس البشرية جمعاء.
ثم انتقلت في الفصل الثالث إلى تبيين أنواع القيم وبيان أهميتها وآثارها، ومدى تأثيرها على استشعار روح المسؤولية، حيث تنقسم القيم إلى عدة أنواع مترابطة ومتكاملة، بعضها يؤدي إلى بعض ويُتمِّمه، فابتدأت بأُولى المقاصد والقيم وأرفعها، ألا وهي القيم الإيمانية والتعبدية، التي تعتبر رأس القيم وأعلاها، والباعثة عليها وعلى استشعار روح المسؤولية، ثم انتقلت إلى تبيين القيم الفردية المتعلِّقة بنفسية الفرد، بما فيها محافظةٍ على مقصد النفس، مع تزكيتها بالأخلاق الزكية والقيم الجمالية، وهذه القيم تقودنا إلى تكوين القيم الأسرية والعائلية، باعتبارهما النواة الرئيسية في تكوين الأفراد والمجتمعات، ثم انتقلت إلى تبيين القيم الاجتماعية التي تُعد بمثابة العلاقات الوطيدة بين المرء وبين مجتمعه، بل والعالم جميعًا، سواء أكانت هذه القيمُ داخليةً مختصة بالمسلمين، أو قيمًا مشتركة بينهم وبين أهل الذمة المشركين، أو كانت قيمًا خارجيّة مشتركة بين الداخل والخارج؛ ولذلك تعتبر سائر القيم المتبقية مندرجةً تحت القيم الاجتماعية، والله أعلم.
فمن ذلك القيم الثقافية والعلمية؛ حيث ذكرت فيها بعض الأسس التي تُبنى عليها هذه القيم؛ من تنبيه على الغزو الأجنبي وبيان أنواعه ومخاطره، وكيفية التخلص من مساوئه، ثم بينَّا دور استعمال العقل وإعماله لأجل التمييز به بين الوافد المُفيد والقادم الرديء.
وحتى لا يُطلق العِنان لهذا العقل البشري؛ فصّلت القولَ في مجالات إعمال العقل ومجالات إلغائه وتقييد فِكره، ثم ختمتُ القيم الثقافية بتبيين بعض آداب وقيم طلب العلم، ثم التفصيل في القيم المرورية، وما يتعلق بها من آداب تتعلق بالسائقين والراجلين والمراكب والطرقات.
ثم انتقلت إلى قسم القيم الاقتصادية، وبينت فيها الدلائل على وسطية النظام الإسلامي وفضله على غيره؛ لما احتواه من اعتدال وتوازن بين الأعمال الدنيوية والأخروية، ومن اعتدال في الإنفاق والمأكل والمشرب وأخذ الزينة والملبس، مع الاعتدال في السياسات الاقتصادية الرشيدة، ثم بيَّنت حضَّ الإسلامِ على التكافل والتحلي بالقيم الاقتصادية، وتحذيره من القيم السيئة والسلبية في هذا المجال.
كما ذكرت فيه عامة القيم المتعلقة بالعمال والمستعملين وبيان ما لكل فريق وما عليه من حقوق وواجبات وقيم وآداب.
ثم انتقلت إلى قسم القيم السياسية وبيان ما يتعلق بها من حقوق وواجبات وآداب بين الراعي والرعية.
ثم تلا ذلك قسمُ القيم العالمية، وما فيها من شموليةٍ للإسلام وعموم رسالته، وإلزامية نشرها بين الناس جميعًا، إضافة إلى ما في الإسلام من قيم وآداب متعلقة بالكون والأرض التي يعيش فيها، وما فيها من حيوان ومخلوقات لله تعالى.
أختم هذه الأقسام بالقيم الإعلامية وبيان دور الإعلاميين في نشر الدعوة والقيم الفاضلة بين الناس أجمعين، وما يتعلق بذلك من آداب وحقوق وحريات متعلقة بذلك.
وأما الفصل الرابع، فقد تكلَّمت فيه عن أهمية القيم وآثارها، وعن علاقتها بالإيمان والتشريع والتطور، وآثارها إجمالاً وتفصيلاً على مختلف المستويات الدينية والفردية والأسرية والاجتماعية وغيرها.
وفي الفصل الخامس والأخير: فصّلت القول في خصائص القيم الإسلامية؛ من ربانية، وموافقة للمنقول والفطرة والمعقول، وذاتية وثبات، ووسطية وتوازن، وعالمية وشمول، وواقعية، وأخيرًا خاصية اليسر ورفع الحرج.
وأما الباب الثاني، وهو باب المسؤولية، فقد ابتدأته بتعريف المسؤولية والشعور بها لغة واصطلاحًا، وعند المعاصرين والفقهاء والأصوليين، كما بيّنت شروط المسؤولية وموانعها، ثم أركانها وعناصرها المتكونة منها، وهي:
الركن الأول، وهو السائل، وهو الله رب العالمين، ثم نبيه الكريم، ثم سائر المجتمع من المسلمين، وتكلَّمت عن عرض الأعمال عليهم في الدنيا وفي البرزخ والأخرى، وما ورد من محاسبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمَّاله وأمرِه بذلك، مع بيان فوائد هذه المحاسبة ومعرفة الحِكَم منها.
ثم انتقلت إلى الركن الثاني، وهو الشخص المسؤول، حيث عرّفته وذكرت شروطه وأصنافه، لأنتقل بذلك إلى الركن الثالث، وهو الشيء أو العمل المسؤول عنه، حيث بيّنت هنالك أن المرء إما أن يُسأل عن تحقيق المقاصد الشرعية: الضرورية والحاجية والتحسينية، وإما أن يُسأل عن مدى تأديته للحقوق الثلاثة، وهي: حق الرب، ثم حق النفس، فحق الغير.
وفي الفصل الثالث، فصَّلتُ القولَ في أقسام المسؤولية وبيان اهتمام الإسلام بها، مع تعاريف ذلك على نحو ما ذكرتُ في أقسام القيم سواء، مبينًا من الذي يتحمَّل مسؤولية كل قسم.
وفي غضون ذلك تكلَّمت عن كثير من الأمور المهمة، مثل طريقة تربية الأبناء على التحلي بالقيم واستشعار المسؤولية، وكيفيّة غرسهما في المجتمع، وعن الدور الكبير الذي تؤديه الأسرة والمسجد والمدرسة وسائر الهيئات والمؤسسات العمومية والخاصة، بما فيها من محتسبين وأمراء، أولياء وعلماء، ومعلمين وخطباء، وإعلاميين وبلغاء.
ثمّ تكلّمتُ في آخر فصلٍ عن بيان دعوة الإسلام إلى تحمُّل المسؤولية، وتبيين خطر التدخل في مسؤوليات الغير وترك عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتفصيل في حدود المسؤولية وأسباب إهمالها وعلاج ذلك الإهمال، مع تبيين علاقة المسؤولية بالقيم والتطور، مشيرًا إلى أهم الأساليب والقواعد الشرعية في كيفيَّة غرس القيم الإسلامية والشعور بالمسؤولية في الأنفس البشرية، خاتمًا بحثي هذا بذكر بعض النماذج من تحمل السلف للمسؤولية؛ عسى أن نشحذ الهمم للاقتداء بها، سائلاً المولى - عز وجل - أن يعفو عن خطئي، وأن يُلهمني التوفيق والسداد، والهدى مع الرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2- تلخيص أهم نتائج البحث:
من أبرز هذه النتائج التي توصَّلت إليها في هذا البحث ما يلي:
• بيان شمولية الإسلام وعموم رسالته؛ لاحتوائه على جميع أنواع القيم والمسؤوليات، بل إن الإسلام نفسه هو دين القيم والأخلاق والشيم.
• أن كلاًّ من الأخلاق واستشعار رُوح المسؤولية يعتبر جزءًا من منظومة القيم في التشريع الإسلامي.
• أن أساس تنمية القيم عامة، واستشعار روح المسؤولية خاصة، هو إبراز مكانتهما وتثبيت جذورهما بين جميع أفراد المجتمع.
• أن القيم عمومًا بما فيها من أخلاق ومبادئ، وإحساس بالمسؤولية وعِظم الأمانة المنوطة بنا - لها دور بارز، وأثر بالغٌ، ومكانة كبيرة في حياة الأفراد والأمم والمجتمعات؛ لما تؤدي إليه من نماء وترسيخِ أسسٍ، وإتقانِ أعمالٍ، وتحقيقٍ للتطور والاستقرار المنشود.
بل إن تأثير القيمِ عميمٌ على جميع نواحي الحياة الدينية والدنيوية: الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية وغيرها كما مر بنا.
فهي التي تُرسخ مبادئ المواطَنة الصَّالحة، والمتمثِّلة في المشاركة الفعالة والإيجابيَّة في تنمية الوطن والمجتمع، والمحافظة على تماسكهما واستقرارهما، ومساعدتهما على مواجهة الغزو الثقافي والتخلص من الهجمات الشرسة التي تستهدف منظومة الأخلاق والقيم الإسلامية.
كما أن القيم تساعدنا على التفاعل الجيد مع سائر التغيرات الطارئة، وتقي مجتمعاتنا من الانحرافات الاجتماعية، والنزعات العرقيَّة، والفوضى الأخلاقية، وبالتالي تُطوِّره وتحميه من الهلاك الدنيوي والأخروي.
ولذلك، فإنَّ مستقبل المجتمعات وتطورها واستقرارها يعتمد على مدى دعم ونشر منظومة القِيَم والمبادئ والأخلاق التي تختارُها الأمم لنفسها، وهذا ما يجعلنا نتنبأ بمآل المجتمعات ومصيرها، بقياس ذلك على مدى التزامها بالقيم وتحلِّيها بالمسؤولية، فكلما زادت القيم ترابطًا ازداد المجتمع تماسكًا، وكلما قلَّتْ قلَّ تماسكُه، وإذا ما انهارت أو بدأت في الانهيار علِمنا ببداية انهيار المجتمع.
كما تعلمنا من خلال هذا البحث كيفية غرس القيم الإسلامية وروح المسؤولية في أنفس الأفراد والمواطنين على اختلاف مستوياتهم التأهيلية والعلمية والعملية وغيرها.
كما تعرّفنا على كيفية تعزيز دور المربين والمؤسسات التربوية على هذا الأمر، بدءًا من الأفراد والآباء، إلى المعلمين والخطباء، والمربين والفصحاء، والإعلاميين والأولياء، وانتهاء بأهل الحِسبة والعلماء، وكلّ المؤسسات والهيئات التربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المساعدة على ذلك.
وأهم نتيجة في هذا كلِّه هي التدليل - مع التبيين بالأدلة والبراهين - على شموليَّة هذا الدين الإسلامي القويم، ووجوب تحكيمه بين الخلق أجمعين، وصلاحيته أن يكون دستورًا عظيمًا ومنهجًا قويمًا يسير عليه المسلمون، بل والخلق أجمعون؛ لما تقدم بالأدلة والتمثيل على وسطية الإسلام واحتوائه، مع اهتمامه بكل جوانب الحياة الأخروية والدنيوية، وفي شتى مجالات الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، فما من باب من أبواب الحياتين إلا وتطرق له الإسلام الحنيف إجمالاً فيما أجمل، وتفصيلاً فيما فصل، فهل بقي بعد هذا عذر للعلمانيين أو غيرهم من المارقين، أن يحصروا هذا الدين في أحكام الطهارة والمسجد فقط؟! والله المستعان، وعليه التكلان.
التوصيات المقترحة:
ومن هذا المنطلق، فإني أوصي نفسي وإخواني بالتحلي بالقيم الإسلامية واستشعار روح المسؤولية في الدنيا والآخرة، ودراسة كيفية تحقيق ذلك؛ لأننا حقًّا أمام أمانة عظيمة ومسؤولية جسيمة تجاه أنفسنا وأهلينا ومجتمعاتنا وأمّتنا، وقبل ذلك كله أمام ربنا الذي كلَّفنا بتحمل هذا الحمل الثقيل الذي ألقاه علينا، وأمَرنا بتبليغه إلى غيرنا.
وأتوجه بالنداء إلى الساسة وأهل الشورى والأولياء أن يقتَبِسوا دستورهم من المصدر الذي يُرضي ربَّهم، ويُرضي عنهم شعبهم، ألا وهو القرآن والسنة على منهج سلف الأمة.
وأرجو من الله تعالى أن يكون هذا البحث المتواضع، وهو وإن كان طويلاً نوعًا ما، فإنه قصير في وسط هذا المجال الكبير، ومع ذلك فإنني أرجو من الله أن يكون مفتاحًا ودليلاً لذلك؛ لما دللتُ وذكرتُ على صلاحية الإسلام ووجوب تحكيمه في كل زمان ومكان، من خلال عرْض بعض النماذج العَمَلية والأمثلة التطبيقية الإسلامية في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والقضائية والاقتصادية والإعلامية والثقافية وغيرها.
كما أوصي كل الهيئات والمؤسسات الرسمية والتربوية والوزارات المعنية والمؤسسات التعليمية والمساجد ونحو ذلك: بإقامة دورات توعويّة، وندوات علمية، ودروس خاصة لأجل دعم منظومة القيم الإسلامية والتحلي بروح المسؤولية، ونشرهما بين المسلمين؛ لأجل مرضاة رب العالمين، وتحقيق النماء والتطور المنشودين.
وهكذا أيضًا أنصح نفسي وجميع إخواني من المعلمين والآباء، والمربين والخطباء والمحتسبين والأولياء، وغيرهم أن يضعوا نصب أعينهم هذا الأمر العظيم، وأن يجعلوه من أولويات دعوتهم ونشاطاتهم، سائلاً المولى - عز وجل - أن يوفقنا لكل ما فيه صلاح البلاد والعباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه: ? إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ? [هود: 88].
fiogf49gjkf0d |