fiogf49gjkf0d
الفضل سيد الأخلاق
سها عبد الحميد أحمد
مضى رُبع قرن من حياة الرسول r ومضت معه خديجة الرفيقة ..لقَّب أيامَ لسعةِ الفراق الموجعة عام الحزن لفراق الحبيبة الطاهرة .
أحست به خولة بنت حكيم وعرضت عليه الزواج متلطِّفة مترفقة فأجاب الوفاء في قلبه : ومَنْ بعدُ خديجة يا خولة ؟ فقالت : التي آمنت بك واتبعتك سودة بنت زمعة استغرب أهل مكة : أتخلف سيدة قريش أرملة مسنة ؟
وهمسوا فيما بينهم : أحقاً رضي بها بديلة بنت قيس بن عبد شمس القرشية ؟
سودة التي رافقت زوجها العامري المهاجر ضمن النفر الثمانية .
وها هي حدث مفجع يعلو صدى صوته الموجع في أرض الحبشة .
امرأة يرافق مجيءَ الشيخوخة إليها شخصُ المهاجرة المؤمنة المترملة .
مسنَّةٌ بلا معيل ومغتربة ومترملة تلك هي القضية ..
قامت سودة بواجبها الإيماني أحسن قيام في بيت النبوة خدمت بنات النبي وأدخلت على قلب الأب الموجوع السعادة ومضت الأحداث لتُظهر سر هذا الزواج بما يحمله لنا من وقفات تربوية ووراء كل زيجة من زيجات الرسول تثبيت لقضية إيمانية .
كانت سودة زوجة الرسول r بعد زوجته الفقيه الأول المستنبط خديجة وقبل المؤرخة العبقرية لكل خلجات الخلق في شخص محمد r عائشة وبين المرأة المودعة في دفتر الحضور الأنثوية سودة المسنة والحاضرة بكل حواسها عائشة الفتية .
خاف النبي r أن يجرح حرمة مشاعرها فقد كان أحرص البشر على كرامة المرأة بلغها رغبته بتسريحها بإحسان فلعل الطلاق يكون لها وقاية وشق النبأ صدرها المعطاء كالصاعقة لا .. لا أرجوك يا رسول الله أمسكني . قالتها بضراعة وقدمت الدليل مقسمة : والله ما بي على الأزواج من حرص لكنني أرجو أن أُبعث زوجاً لك يوم القيامة
صدقها مع الله كان له في كل جارحة من جوارحها الصدارة واشترت بحقها الثابت البقاء في بيت النبوة مطمئنة شاكرة ، باعت الأغيار واقتنت الثوابت وقدمت نصيبها من المودَّة والمؤانسة على طبق إنسانيتها الناضجة قدمتها لعائشة الأنثى الفتية بحب وطواعية بليغة .
دعم حدثها العظيم الله الحكيم الخالق بآية نزَّل فيها قرآناً نتعبد به ونتلوه إلى يوم القيامة (1) وكانت هذه المعاني المعتبرة لسورة النساء ثروة مشرفة وعلَّمَت أم المؤمنين سودة النساءَ المؤمنات حلول النشوز في بيت الزوجية فإذا أعطى الزوج زوجته كل حقوقها وامتنع عن المؤانسة والملاطفة الزوجية فلا بد أن يدور الصلح والحل بين الرجل وزوجته فهو لكل منهما المهمة وتدخُّل أي أحد سواهما هو في الحقيقة لبُّ المشكلة وما يعرقل الصلح بين الزوجين أننا نقوم بالشكلية ولا نعالج الأسباب المدفونة في النفس الحقيقية
رسول الله اقترح على سودة التسريح لأن أمر العدل في القلب مكتوم ليحذر من سيأتي بعده ويأخذ حكم الله في التعدد ويغفو عن حكمتة في العدل لأنه r كان يدرك أن العدل القلبي مستحيل والعدل الرباني يقين لأنه من الله الحكيم المقسط الوكيل
وقفت سودة مع نفسها وقفة إنسانية جبارة فطموح العطاء في أنوثتها لم يرض إلا بما و فوق العدل .
وتنازلت عن حقها بالتراضي وهذا هو الفضل وكان حلها موفَّقاً ، بقيت مع خير خلق الله أماً للمؤمنين وعاشت معه قرابة ثلاثة من السنين وتوفيت في عهد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وغدت زوجاً لرسولها في الجنة ومن المقربين
___________________
الهوامش :
(1) { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [سورة النساء : 128] fiogf49gjkf0d |