fiogf49gjkf0d كيف نستفيد من سفرنا تربويا؟!
د. جاسم المطوع
في جلسة حوارية دار الحديث عن كيف نستغل وقت الإجازة الصيفية والسفر للخارج في تربية الأبناء، فاعترض رجل قائلا: أنا لا أرى السفر إلى بلاد الكفر سياحة لأن فيها الفساد والرذيلة والملاهي وصالات القمار وحانات الخمر، قلت: ولكن في بعض البلاد العربية فيها ما ذكرت فهل ينطبق عليها نفس الحكم كذلك؟! فسكت، ثم بادرته قائلا: ولكنك بهذا المنطق ضيقت واسعا، وإنما الموضوع يعتمد على حسب تخطيطك لرحلة السياحة والسفر، ففي كثير من البرامج التربوية والتعليمية يمكنك الاستفادة منها في تلك البلاد من غير الوصول إلى المحرمات التي ذكرتها.
قال: ولكني لا أرى أن تهرب من حر الصيف إلى لهيب جهنم، قلت له: ولماذا تفرض أن كل عائلة تسافر هروبا من حر الصيف إلى بلاد غير إسلامية فمعنى هذا أنها ستدخل جهنم، فهذا منطق غريب!! فإنما الأعمال بالنيات، ويعتمد على حسب عملك الذي تقوم به، فربما يكون الإنسان في أقدس بقعة على وجه الأرض ومدمنا على المواقع الإباحية من خلال النت ويتعاطى المحرمات فيغضب الله عليه، وربما يكون الإنسان في أكثر بلاد العالم فسادا ولكنه يسعى لتحقيق السياحة الإيمانية ويحرص على نشر الخير والإسلام، قال: ولكن منع الناس من السفر لبلاد الكفر أكثر أمانا وضمانا، قلت: ولكنك بهذه الحالة عطلت كثيرا من الآيات القرآنية التي تدعو للسفر والسياحة للتعلم والتعليم والاستفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم والاطلاع على مصير الأمم والشعوب للعبرة والعظة.
قال: وماذا تقصد بالآيات؟ قلت: سأذكر لك آيتين تدعوانك للسفر والتفكر، الأولى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير)، والثانية (قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)، فالهدف الرئيسي للسياحة في القرآن أمران: الأول أن تقوي ايمانك والثاني لأخذ العبرة، فإذا تحقق ذلك فلا يهم أي بلد تسافر له، لأن المهم تحقيق المقاصد من السياحة الإيمانية، قال: ولكن كلامك هذا غريب، قلت: أبدا ليس غريبا، فإني أعرف أبا ذهب لتايلند فعمل برنامجا سياحيا لأبنائه بزيارة المتاحف لتكون فرصة تربوية ليتعرفوا على العقائد المختلفة عن الإسلام، وأعرف شخصا آخر ذكر كل قصص الفتوحات الإسلامية لأبنائه عندما زار أوروبا، وذكر لهم قصة اهداء الخليفة هارون الرشيد ساعة مميزة للإمبراطور شارلمان في المانيا، وغيرها من القصص التي يمكن نستثمرها تربويا، بل حتى التفوق التكنولوجي الذي نراه في بلاد كثيرة عند سفرنا فإن وراءه العالم الخوارزمي مكتشف الصفر وهو أساس اكتشاف الحاسوب. قال: طريقتك في التفكير غريبة فأكثر الناس يسافرون للتسوق والذهاب للمطاعم والترفيه، قلت له: إن أصابع يدك ليست واحدة، ومع هذا لا مانع من التسوق والذهاب للمطاعم فالأكل كذلك ثقافة يعرفك بتاريخ الشعوب وطريقتها في الحياة، فإذا ما أضفت عليها الزيارات العلمية فإن سفرك سيزيدك علما وعملا وثقافة وخبرة، كما أن في السفر فرصة تربوية تربي أولادك على كيفية التخطيط للبرامج وكيفية إدارة ميزانية الرحلة والتعامل مع ثقافات وجنسيات مختلفة، وفرصة كذلك بأن تعرفهم بالتاريخ فلو ذهبت للأردن فتحكي لهم قصة لوط عليه السلام عند البحر الميت، ولو ذهبت لمصر تتحدث عن قصة فرعون وموسى عليه السلام عند الإهرامات، ولو ذهبت للسعودية تتحدث عن السيرة النبوية، فكل بلاد العالم وحتى الصين والهند فيها آثار وتاريخ اسلامي.
قال: ولكني ما زلت متحفظا على زيارة بلاد الكفر، قلت له: هذا رأيك وأنا أحترمه ولكني أدعوك لأن تجرب ما ذكرته لك فربما تنقصك التجربة والخبرة وبعدها فكر بقرارك مرة أخرى، وكان في الجلسة رجل ذو عقلية تجارية فقال: وأنا أتمنى أن أستطيع عمل شركة سياحية تطبق هذه الأفكار وتساعد العائلات على السياحة التربوية الإيمانية، فابتسمت وانتهى اللقاء. fiogf49gjkf0d |