تمت الإضافة بتاريخ : 17/08/2016
fiogf49gjkf0d

كنت الراسب الوحيد في الصف الثاني المتوسط

نبيل المعجل  

يقول ونستون تشرشل إن النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن نفقد الأمل.

لم أصل إلى النجاح ولم أفقد الأمل، وإن كان كلامي غير مفهوم فهذا فشل آخر يسجل في حساب فشلي ذي الرصيد العالي. موقع ويكبيديا في الجانب الآخر يعرّف الفشل على أنه حالة عدم الوصول إلى الهدف المرجو والمخطط له، وهو ما ستقرؤه هنا.

هناك حلاّن في حالة الفشل، إما أن تقف بشجاعة وتعترف بفشلك وتعمل على تجاوزه، وإما أن تدمر كل أدلة الفشل، الحل الثاني أسهل على المدى القصير ولكنه مدمر على المدى البعيد خاصة من النواحي النفسية، وأعرف ذلك بعد تجربة واحدة مريرة .. وربما اثنتين.

لن أدخل في فلسفة الفشل المعروفة في أنها مفتاح النجاح، وأن من لا يفشل لا ينجح، وأن أعظم العظماء نجحوا بعد تجارب مريرة من الفشل، ولو كان الأمر بيدي لفضلت النجاح دون المرور بتجربة فشل واحدة.

أولى تجاربي الفاشلة كانت عاطفية، ولم أكن تجاوزت العاشرة من العمر، كانت فتاة أحلامي، لا أراها إلا عند زيارة والدتها إلينا، كنت أقف خلف الباب الخارجي منتظرًا بلا صبر دخولهما، وكنت أيضًا أنتظر سن البلوغ لمفاتحة والدتي رحمها الله في الزواج منها.

غني عن الذكر أنه كان حبًا من طرف واحد، وهذا من نعم الله علي لأنها بعد عقد من الزمان تزوجت من رجل أصبح بعد الزواج وبسبب قوة شخصيتها «ابن حلال»، ويسميه الجيل الحالي بالخروف!

في فترة لاحقة فشلت في بناء علاقة احترام وود مع بعض مدرسي المرحلة المتوسطة لأسباب لا يلام عليها أغلبهم، فكل تعبهم وشقائهم يذهب سدى مع نوعية خاصة من الطلبة كاتب هذه السطور على رأسهم، كنت فاشلاً في الصم والحفظ اللذين كانا أسلوبين متبعين في المواد الدينية والاجتماعية، تفوقت كثيرًا في المواد العلمية خاصة الرياضيات والفيزياء، ولم يغطّيا لي فشلي الكبير في بقية المواد، وندمت لاحقًا على عدم اهتمامي بأساسيات اللغة العربية ذلك الوقت، وإن عوضته بعد ممارسة القراءة المكثفة.

لا زلت أدور في فلك المرحلة المتوسطة عندما فشلت في النجاح إلى الصف الثاني، وكان أكثر ما آلمني هو أنني كنت الراسب الوحيد في الفصل، وجميع زملائي (السابقين) اصطفوا في الجهة المقابلة في الطابور الصباحي مع بداية العام الجديد وتحديدًا مع فصول الصف الثاني، بقيت وحيدًا وسط طلبة جدد قصيري القامة قادمين من المرحلة الابتدائية، وما زادني غضبًا -إضافة للفشل- هو قيام بعض زملائي السابقين بالإشارة إليّ وهم يضحكون، انتقمت من أحدهم شر انتقام في اليوم التالي أثناء مروره أمام بيتنا، كان انتقامًا خاصًا لا يزال المسكين يتذكره.

فشلت في المرحلة الثانوية في تكوين علاقات وصداقات بسبب طبعي الحاد والمتسرع آنذاك، ولا أظن أن أحدًا فاته الكثير.

لم تستمر هذه التجارب الدراسية الفاشلة، فمع ذهابي لأميركا لتكملة دراستي الجامعية انقلب الحال ولله الحمد 180 درجة، وحصلت على شهادة جامعية في الحاسب الآلي من جامعة حسنة السمعة.

فشلت في الجمع بين عملي الوظيفي والتجارة، سرقت مني هذه التجربة القصيرة الوقت القليل المتبقي بعد دوام مضن، وانطبق علي المثل صاحب صنعتين كذاب، كان فشلاً مطلوبًا وربما إيجابيًا لأعيد تركيزي في ما كنت أبدع فيه في وظيفتي، وهذا درس للمقبلين على تجربة مماثلة.

أنشأت موقعًا خاصًا بي، وبالرغم من النجاح الكبير في الترويج والتعريف بإنتاجي الأدبي، إلا أنني فشلت في نقل صور إيجابية عن السعودية والخليج لكثير من إخوتنا من عرب الشمال، والسبب مشترك، فلا نحن كشعوب سعودية وخليجية نعمل بقدر كافٍ لتقديم أنفسنا بالشكل الأمثل، ولا عرب الشمال مع كامل التقدير يريدون التخلص مع عقدة التفوق متناسين أن التلميذ يسبق أستاذه في كثير من الأحيان.

 كما أنني فشلت في خلق واحة للتعايش بين المذاهب الإسلامية خاصة بين السنة والشيعة، فشلت وللأسف في التوفيق ما بين التيارات المتصارعة دينيًا وثقافيًا واجتماعيًا حتى رياضيًا. حاولت أن أمسك العصا من المنتصف، ولكن كانت هناك ولا تزال قوى أخرى تجرهم يميناً يسارًا صوب الطرفين المتطرفيْن.

 أكثر الأمور فشلاً في حياتي العملية كان قرارًا أهوج اتخذته بحق موظف غلبان، كاد هذا القرار الغبي أن يحيله على التقاعد الإجباري المبكر ويحرمه من الاستمرار في وظيفته، كان الطلب من الإدارة العليا عن قائمة الموظفين قليلي الإنتاجية، لم أدرس الطلب جيدًا بسبب المهلة القصيرة المتاحة، ولم أسأل بالتفصيل عن سبب الطلب، درست القرار فقط من جانبه الاقتصادي والعملي متناسيًا، ويا للعار، جوانبه الإنسانية والأخلاقية.

أخذ مني إلغاء القرار جهدًا عظيمًا بمساعدة زميلي عمل لن أنسى لهما جميل ما صنعا لهذا الموظف المسكين وعرفت لاحقًا صدور قرار جديد من قبل الإدارة العليا بإلغاء قرار التقاعد الإجباري.

المهم في الأمر أنني تجنبت مواجهة هذا الزميل لمدة تجاوزت 10 سنوات. بعد عودتي من انتداب خارجي، كان أول شيء فعلته هو الذهاب لمكتبه وتقبيل رأسه، رد بهدوء مثل عادته «أغضبني القرار ولم أغضب منك لأنني أعرف أنك لم تقصد بي شرًا، فربما اتخذته بسبب ضغوط العمل»، ومنذ اتخاذي لذاك القرار النكبة وأنا أراجع كل طلب يصلني يخص أي موظف وأرفض توقيعه إن كان له تأثير سلبي في ما عدا  حالات تستوجب ذلك من النواحي القانونية والأمنية!

فشلت قبل ربع قرن وأثناء عملي بأميركا في الحصول على رخصة القيادة من الاختبار الأول على الرغم من حصولي عليها من ولاية أخرى قبل هذا الاختبار السخيف بعقد من الزمان. الذي زاد من حالة الإحباط والفشل أن زوجتي نجحت من الاختبار الأول وهي التي بدأت بتعلم القيادة قبل الاختبار بشهرين فقط، وحتى اللحظة تعايرني عندما أحاول توجيهها وهي تقود.

تسببت في علاقة زواج متعبة عندما سألني أقارب فتاة عن أحد زملائي تقدم لخطبتها، قلت لهم كل ما أعرف عنه باستثناء بعض التفاصيل التي لم أعرها اهتمامًا، وكانت هذه التفاصيل محور كل مشاكلهما بعد الزواج وربما حتى اللحظة، وهذا فشل في إيصال المعلومة المناسبة في الوقت المناسب، قررت بعدها ألا أتدخل برأي عن أحد.

فشلت في الحفاظ على دراجتي الهوائية التي اشتريتها بعد 3 أشهر من توفير ربع المكافأة الشهرية التي تمنحها الملحقية السعودية. كنت أستخدم الدراجة للذهاب من وإلى الجامعة في أميركا، وفي إحدى المرات عدت لموقف الدراجات ووجدت العجلة الأمامية فقط، وهذا يبدو فشلاً لا يستحق الذكر، ولكنه فشل رمزي في التهاون في المحافظة على ممتلكاتنا الخاصة والتي لا نعير لها حرصًا واهتمامًا كافيين.

فشلت ولله الحمد فشلاً كبيرًا في العمل بالأسهم السعودية أيام الطفرة الكبيرة عام 2006. وهذا فشل إيجابي وسريع عرفت بعدها بشهر من دخول هذا المجال أنني خاسر سيئ، وهذا تعريف لمن لا يحتمل الخسارة. خرجت من هذا السوق معجبًا أشد الإعجاب بهذا النوع من الفشل وأنصح به.

أفشل أحيانًا في إرضاء الناس المقربين، وربما يعود السبب في أنهم ينتظرون أفضل مما أقدم، خلصت لنتيجة أن لإرضاء الناس علاقة طردية مع الفشل فكلما زادت رغبتك في إرضائهم زادت نسبة الفشل.

كثير من الناس أقعدتهم التجارب الفاشلة، نالوا حظهم من الإخفاق فأغلقوا باب التجربة والعمل، أما أنا فعزيمتي من حديد، وأنتظر بفارغ الصبر تجربة جديدة وربما فشلاً جديدًا!

fiogf49gjkf0d