تمت الإضافة بتاريخ : 02/12/2015
fiogf49gjkf0d

قصة قصيرة : الله أكبر

 

إبراهيم عبد العزيز المغربي

الله أكبر كانت رؤية العاصمة حلماً ذهبياً بالنسبة له .

لم يخرج من القرية إلا مرات معدودة ؛ كانت لأقرب مدينة ، والتي لا تبعد سوى القليل من الكيلوات ، ولم يكن يحلم بذلك اليوم الذي يُخـبر فيه أنه قد رشح للكلية بالقاهرة .

الأيام الأولى وقبل بدأ الدراسة ، خرج من سكنه مع صديقه إبراهيم والذي يعرف القاهرة جيدا من كثرة تردده عليها فخاله يسكن حيا من أحياء جنوبها .

أخذهم التجوال بأحياء القاهرة القديمة .

إلى أن وصلا حي البساتين بمبانيه القديمة .

كان شعوره يفيض مهابة ، ورجلاه تخطوان الخطوات الأولى حين اقترابهما من مبني (جامع الإمام الشافعي ) العريق في جذور تاريخ القاهرة .

تناولت يده اليسرى طرف ثيابه حتى لا تتعثر أقدامه بعتبة الجامع العالية ، تأبط نعليه ، ولم يستطع نظره أن يحيط بما حوله من مشاهد أبهرته عند تأملها .

المباني ـ مع قدمها ـ شاهقة .

الجدار برسومه وخطوطه الدقيقة ، العريقة .

التي لم يشاهد مثلها في سالف أيامه .

كانت نظراته يملؤها العجب مما يرى ، وكأنه في حلم .

ظل يقلب نظره في زوايا الجامع ، نسي أن صديقه إبراهيم يرافقه .

كان يستمتع بغرز أصابع قدميه بالسجاد الذي يفرش أرض الجامع ، وطبقاته الناعمة , وشُغل عقله ثواني : كم يساوي هذا السجاد الفاخر ؟ ومن دفع ثمنه كله !! يااااه ! . . .

استدار استدارة كاملة ولم يشعر بصديقه لأنه ظهر وكأنه يعد أعمدة المسجد الكبيرة ، الكثيرة ، الضخمة .

تعثرت قدماه في حمالة المصاحف الخشبية ، أيقظه ذلك ، لينتقل بذاكرته للزاوية الصغيرة بقريته ، والتي كان يصلي فيها مع شباب القرية وشيوخها الكبار ، والتي تطل على الترعة الصغيرة .

تذكر يوم أن تهدم بيت الشيخ صالح فتبرع ببعض الأحجار ليتم بها ترميم ( السلالم ) التي تربط الزاوية بالترعة و يصلون بها إلى حافة الترعة للوضوء ، وتذكر يوم اشتد المطر واضطرهم إلى تبرع كل بيت من القرية بما يستطيع لشراء أخشاب وبعض الجريد لتكون سقفاً يحميهم عند الصلاة من بلل المطر في الشتاء ، والمروحة الجميلة التي أحضرها الأستاذ سيد للزاوية عند ما رجع من الإعارة .

تذكر اجتماع رجال القرية وهم يفرشون الزاوية بالحصير الجديد قبل سفره بعشرة أيام ؛ حيث يجتمعون لتجديده كل ثلاثة أو أربعة أعوام .

وتذكر فرحتهم يوم رجوع ,, أبو أنس ,, من السعودية وقد أحضر للزاوية سجادة متوسطة الحجم .

وكم كانت فرحتهم برسومات الكعبة ، والمسجد النبوي عليها .

وظل الجميع يهنئون بعضهم بها حتى أخروا وقت الصلاة قليلاً إلى انتهاء الحديث عنها، و كم كانت فرحة الحاج صالح كثيراً بها ، فهو إمام الزاوية .

وقد ظل يحكي عنها وعن مصليات الحجاز وروعتها .

ياااااااه .

ذكريات لم يخرج منها إلا عندما شده صديقه إبراهيم ، وناداه بصوت عال : إيه .

إيــه .

أين أنت الآن ؟ كم مرة أناديك ، ولا تجيب .

لم يرد عليه حيث لم يستجمع يقظته بكاملها إلى الآن .

مشى إبراهيم شمال المسجد , ومشى هو خلفه وكأنه ذاهل مما يراه .

تتابعت خطواتهما .

اقتربا من غرفة واسعة ، يطل بابها على داخل المسجد وقريب من بابها لمح قبة كبيرة .

وقبل أن يسأل صديقه إبراهيم عن القبة لمح عليها قماشاً أخضر .

وقبل تحرك لسانه بالحديث سمع صوتاً عالـيًا ؛ صراخا ، اقترب بنظره بسرعة .

لكن ارتفاع الصوت شده للخلف ، هيبة المسجد ، ارتفاع الصوت ، امرأة ؟ بشعرها ا لمكشوف المتدلي على أكتافها بطوله الملحوظ ، يرتفع صوتها بالبكاء .

لماذا ؟ أين ؟ ماذا تمسك بيدها ؟ إنها ,, طرحتها ,, التي كانت تغطي بها شعرها .

إنها تكنس بها الأرض .

masged-shafaeey1.gifلم يستطع أن يفهم ما يراه ، التمتمة مع ارتفاع حدة البكاء : انطـــق ، عرفــني وكأنه حلم مزعج وقف لسانه مشدوهـاً لم يتحرك إلا بصعوبة كصعوبة فهمه لما يدور حوله .

وما استطاع النطق إلا بكلمات فهمها صديقه بعد فترة .

ما هذا ؟؟ رد صديقه إبراهيم وقد وعى سبب ما يدور بخاطره .

وأراد أن يزيل حيرته قائلاً: إنها تشكو لصاحب الضريح سرقة شقتها ، وهي غاضبة لتكرر شكواها ، ولم يجبها ، ولم تعرف السارق .

سحبه إبراهيم من يده حتى وصلا إلى ,, حنفيات ,, الماء .

فتح الحنفية بشدة تنبئ عن عصبية ، نزل الماء يتدفق .

تلقاه براحتيه ، ملأهما .

غمر به وجهه عدة مرات .

لم يشعر أنه أفاق رغم أنه كرر عدة مرات .

وضع رأسه تحت الماء طويلاً .

لم يفق إلا على صوت المؤذن : الله أكبر ، الله أكبر .

fiogf49gjkf0d