fiogf49gjkf0d
كيف نختلف
اسم المؤلف : د. سلمان بن فهد العودة
اسم الكتاب : كيف نختلف
صفحات الكتاب : 224 صفحة
دار النشر : مؤسسة الإسلام اليوم
سنة النشر : 1433 هـ
نوع الكتاب : غلاف
تعريف بالكتاب
محمد وائل
"إن العالم الإسلامي اليوم مأزومٌ بالصراع مع ذاته أكثر مما هو مأزومٌ بالصراع مع الآخرين، وهذا الصراع الذاتي يُضعِف القدرة على العطاء والتفاعل"، بهذه الكلمات استهلّ فضيلة الدكتور سلمان بن فهد العودة كتابه الجديد "كيف نختلف؟" ليضع أمام القارئ ملخص المشكلة المتجذرة في جسد الفكر الإسلامي، خاصة بعد أن شهدت الفترة الأخيرة نموا متصاعداً في أبجديات الخلاف القائم على الإقصاء والتجريح لا على التنوع والإثراء.
لم يكن طرح الدكتور العودة عنوان كتابه الجديد "كيف نختلف" لاستفتاء واسع على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" وغيرهما، يلفت لأهمية الموضوع بقدر ما يهدف لأهمية التفاعل معه بأكبر قدر ممكن، وترك المجال واسعا أمام الشباب للتأمل والاهتمام باعتبار أنّهم أكبر وأهم الفئات المستهدفة من هذه القضية التي انتشرت بمضامين ومفاهيم مختلفة ومتنافرة جعلت الكثيرين منهم في حيرة من أمرهم.
والقضية ليست جديدة على الكاتب فهو أحد أبرز الداعين لفهم معنى الخلاف البناء ونبذ التعصب في الرأي، وقد قدم نموذجا راقيا في الرد على الآراء المخالفة، معتبرا أن الإقرار بضرورة الخلاف لا يساعد على تجاوز الهوة ورأب الصدع بقدر ما يؤدي إلى إثراء الأمة فكريا ومساعدتها على البناء والنهضة.
قدم الدكتور العودة في هذا الكتاب الذي ـ الذي يقع في 224 صفحة ـ عصارة ثلاثة كتب سابقة له هي (فقه الموقف، الأمة الواحدة، ولا يزالون مختلفين)، مشدداً على أهمية التعامل مع الخلاف بشكل إيجابي يبني ولا يهدم، إلى جانب التعريف بالآثار المترتبة على التفرق والتشرذم من إفشال أي مشروع نهضوي.
مفهوم الأمة
ما هو الفرق بين الأمة المحمدية والأمم السابقة؟ وكيف اكتسبت الأمة الإسلامية تميزها وفاعليتها؟ وما هي الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة وحذر القرآن الكريم الأمة الإسلامية من الوقوع فيها؟
هذه الأسئلة يحاول الكتاب الإجابة عليها من خلال تقرير حقيقة مهمة أشارت إليها الآيات القرآنية باعتبارها قاعدة إسلامية عريضة إجماعية، وهي: أن الله سبحانه وتعالى عقد راية الإخاء والولاء والمودة والمحبة بين أهل الإسلام، في قوله تعالى: (إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، معتبراً أنّ الحقيقة الثانية هي الإشارة إلى ما وقعت فيه الأمم السابقة من الخلاف والتناحر والتباغض، واختلاف القلوب.
طرح الكتاب هذه الحقيقة ليبين للقارئ أن الأساس هو الوحدة بمفهومها الديني والأخلاقي والاجتماعي والسياسي، وعلى ذلك فلا مكان لدينا للتناحر والتفرق والبغضاء كحقيقة يجب التسليم بها أولاً، معتبراً أن ماهية الخلاف التي أوردها القرآن بشأن الأمم السابقة هو أن كل فئة أخذت بجزء من الدِّيْن وفرحت به، وغفلت عما سواه مما أخذت به فئة أخرى غيرها.
ومن هنا كان لا بد من التنبيه على ضرورة فهم تميزنا عن هذه الأمم المنحرفة كاليهود والنصارى، ونهينا عن التشبه بهم في أعمال القلوب، فقال سبحانه (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) و لما ذكر اليهود وما جرى لهم قال (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) ، معتبراً أنّ هذا اللون من الخلاف لا يقع إلا ممن ضعف دينهم، أو ممن ضعفت عقولهم.
ضرورة الخلاف
أوضح الكتاب أنه يستحيل أن يجتمع الناس على رأي واحد في كل المسائل الخلافية أو في غالبها، وقال: إن أحد أهل العلم أشار إلى أنه يمكن جمع الأمة على قول واحد حتى في الفروع. ولعله يظن أننا إذا استطعنا أن نصحِّح الأحاديث النبوية وننقِّحها ونختار منها؛ فإننا نستطيع أن نجمع الأمة عليها. وهذه مقولة غريبة، ولكن أن تصدر من عالم له قدره ومكانته، فهذا مما يؤكِّد أن الاختلاف واقع، وأن انتحال القول الغريب قد يحدث من الأكابر، فكيف بمَن دونهم.
وأكد على أن الاختلاف جزءٌ من طبيعة الحياة بل إنّ أعلم الناس، وأفهمهم للكتاب والسنة، وأكثرهم إخلاصًا، وأبعدهم عن الهوى، حصل بينهم اختلاف، كالخلاف الذي كان بين الأنصار، ونزل فيه قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) أو الذي حدث بينهم بعد وفاة النبي حيث اختلفوا في تسمية الخليفة.
غير أنه لفت إلى أن من فقه الصحابة التصرُّف في الأحوال الطارئة والمتغيرة بنوع من الاستحسان، في الانتقال من دلالة نص إلى نص آخر، أو من نص إلى قاعدة أخرى مفهومة من نصوص عديدة، مما لا يجرؤ عليه إلا فقيه جهبذ، عظيم الإدراك، كما جرى لعمر حين أسقط الحد عام الرَّمادة، ومنع إعطاء المؤلَّفة قلوبهم من الزكاة.
كيف نختلف؟
رصد الكتاب مجموعة من الصور السلبية في واقعنا بشأن إدارة الحوار باعتبارها أخطر صور الخلاف السلبي والهدام الذي نعاني منه، بحيث لا يخفى على أحد ما كشفته المنتديات على الإنترنت من خلل كبير في آلية الحوار بين المختلفين.
يضاف إلى ذلك تجاهل الكثيرين لدائرة المتفق عليه بين المسلمين وأهل العلم وأهل الدعوة وأهل السنة، سواءً فيما يتعلَّق بالدين وفهمه، أو فيما يتعلَّق بالمصلحة وإدراكها وتحقيقها، مشيرا إلى أن أهم ما يكتنف هذا المبدأ من سلبيات هو منطق "إن لم تكن معي فأنت ضدِّي".
الأمر الثاني، هو الخلط بين الموضوع والشخص، بحيث يتحوَّل نقاش موضوع أو فكرة إلى هجوم على الأشخاص، وتجريح واتهام، وطعن في النيات. والثالث، تدِني لغة الحوار، إذ يتحول الحوار إلى نوع من السب والشتم. والرابع، هو القعقعة اللفظية، والتي نحقِّق بها أوهام الانتصارات الكاسحة على أعدائنا. أما الخامس، فهو محاولة الإطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معك، إضافة إلى الجدل العقيم، والأُحادية، التي تعني ما حكاه تعالى عن فرعون (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلاسبيل الرشاد).
وهنا يضع الكتاب يد القارئ على الصورة المثالية التي يسعى لتحقيقها، بحيث يدعو إلى ضرورة معرفة أدب الخلاف ، معترفاً في الوقت ذاته، بأن القليل من يستطيعون أن يطبِّقوا هذه النظريات ويحوِّلوها إلى واقع في سلوكهم العملي، أوفي علاقاتهم مع الآخرين، لكن لا مناص من المحاولة بأن ندرّس هذا المفهوم في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا، وأن ندرب الشباب والفتيات على ممارسته عمليًّا؛ ليتحوَّل إلى عادة وعبادة في الوقت ذاته.
الاختلاف المحمود والمذموم
يرى الكتاب أن هناك فرقاً بين التفرُّق والاختلاف فالتفرُّق مذموم بإطلاق، أما الاختلاف فليس كذلك، وقد يأتي في مقام الذم، أو في مقام العذر وعدم المؤاخذة، أو يقع ممدوحًا أحيانًا. وأشار إلى أن الاختلاف إذا كان مبنيًّا على أُسس صحيحة، فهو إما أن يكون محمودًا، أو أن يكون صاحبه معذورًا؛ ولذلك جاء في حديث عَمرو ابن العاص : «إذا حكم الحاكمُ فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».
وأوضح أن من الاختلاف المحمود هو اختلاف التنوع أي كون الأمة أخذت من كل خير بطرف، وفي المجال العلمي الشرعي هناك اختلاف السنن التي وردت بصيغ متعدِّدة، مثل: الصيغ المختلفة لدعاء الاستفتاح، والصيغ المختلفة للتشهد، مشيراً إلى أنَ الأخذ بكل هذه السنن يعد اختلاف تنوع محمود. ومثل ذلك المسائل التي ليس فيها نص ظاهر، واجتهد فيها أهل العلم من السلف والخلف، واختلفت آراؤهم فيها بما لا يمكن الجزم معه بصواب أحد أو خطأ أحد، ومثل هذا حصل حتى مع الصحابة ، ولذلك نصَّ جماعة من أهل العلم على أن اختلاف الصحابة رحمة، كما ذكره ابن قدامة في "اللمعة".
اختلاف التضاد
اختلاف التضاد وهل محمود أو مذموم؟ طرح الكتاب هذا التساؤل، بينما الإجابة قد تشكل مفاجأة لدى الكثيرين فهو يعتبر اختلاف التضاد الذي لا يمكن الجمع فيه بين القولين المختلفين يحرِّك العقول؛ لأن جمع الناس على رأي واحد سبب في خمول ورَتَابة الفكر؛ والرياح لا يلقِّح بعضُها بعضًا، إلا إذا كانت متعارضة، وهكذا الآراء والأقوال والأفكار إذا اختلفت، وإذا كان هذا الاختلاف في الحدود المقبولة فإنه يترتب عليه صقل للآراء، وتنمية للعقول، وتدريب للأمة على التفكير وحسن النظر والاختيار. لكنه أشار إلى أنه إذا كان اختلاف التضاد في مسألة يسوغ فيها الاختلاف، بحيث يكون مبنيًّا على حجة شرعية، ولم يؤدِّ إلى تفرُّق، ولم يخرق إجماعًا قطعيًّا، فهو محمود، أما إن كان مبنيًّا على هوى أو تعسُّف، أو أدَّى إلى تفرُّق واختلاف في القلوب، وتغاير في النفوس، فهو مذموم، وما أدَّى إليه فهو مذموم كذلك.
وحدة الصف لا وحدة الرأي
يرى الكتاب أن الهدف الذي ينبغي السعي لتحقيقه هو وحدة القلوب، لا وِحدة العقول، مشيراً إلى أن وِحدة القلوب تعني سلامة الصدور، وعمق الإخاء، مهما يكن من التفاوت في الرأي، فاختلاف الرأي لا يُفسد للوُدِّ قضية، أما اختلاف العقول، فلا بد منه؛ لأنها لو اتَّفقت لكفانا منها عقل واحد، مشيراً إلى أن كثيراً ممن لديهم غَيرة شديدة على الدين، وحرص عظيم على الوِحدة يفتقدون آلية تطبيق هذه الوِحدة.
عقبات تواجه وِحدة الصف
يطرح الكتاب مجموعة من العقبات التي تواجه وحدة الصف والتي من أهمها: تنزيل النصوص على غير وجهها، واعتبار أن الأحاديث الواردة بلزوم الجماعة تنطبق على جماعة أو تنظيم، أو حزب أو طائفة، أو أن يقوم وجود فرد أو جماعة على أساس تقويض جهود إسلامية أخرى، يختلف معها في مسائل وجزئيات واجتهادات، أو تنزيل بعض النصوص على بعض الأحوال، أو افتراض أن الوِحدة الإسلامية لا تقع إلا حين الاتفاق على كافة التفصيلات والجزئيات، وبهذا تصبح الوِحدة حلما ما طائرًا لا يمتُّ إلى الواقع بصلة.
ورأى أن التأسيس لوِحدة الصف يكمن في ضرورة بناءَ الوِحدة الأخَويَّة الإيمانية على هذه العِصَم الكبار من أصول الشريعة، ومُحْكَمات الدين ضمانٌ لديمومتها، وحماية لها من التصدُّع والانشقاق والانهيار؛ لأنها واضحة لا لَبْس فيها، وهي أصول ثابتة مستقرَّة، وقواعد يُرَدُّ إليها غيرُها، ولا مجال للخلاف أو التردُّد أو الشك أو الطعن فيها، فلا يمكن يومًا أن نعود أدراجنا لنجادل في هذه المُحْكَمات، والقواعد المستقرة؛ بينما الوِحدة المبنية على شروط وفروع واجتهادات ومفردات، هي عُرضة للخلاف كلَّما مر جزء من الوقت، وكلَّما تنوَّعت الاجتهادات، وكلَّما كثر الناس، وكبرت عقولهم، واتسع علمهم، وبحثوا وحقَّقوا.
دعوة مخلصة
واعتبر أن أعظم معوِّقات النهوض ومسبِّبات الفشل والإحباط وذهاب الريح؛ هو الاختلاف العريض، حين يتحوَّل إلى شتات وفُرقة وتناحر، يتداخل فيها الموضوع بالشخص، والأصلي بالفرعي، والديني بالسياسي، ويتحوَّل إلى معركة مفتوحة بين المتخاصمين.
وفي الختام، يعتبر الكاتب أن ما قدمه دعوة مخلصة لضبط الخلاف، والتسامي عن الجدل العقيم، والنظر إلى الأصول الجامعة والمصالح المشتركة، وحفظ الإخاء والأخلاق، وحسن الظن بالآخرين، وضبط اللغة التي نستعملها مع الناس.
لكن يبقى بعد ذلك التأكيد على أن ما جاء بالكتاب ليس مجرد نظرية مجردة يصعب تطبيقها في ظل أوجه الخلاف المحتدمة، وإنما سبقته تجربة عملية ومحاولات على أرض الواقع وضعت الغرس الطيب لرأب الصدع الذي سببته أهواء التعصب أحياناً، أو الجهل والافتقار إلى الوعي في أحيان أخرى، بينما تبقى المسؤولية لاستكمال النجاح على عاتق كل فرد في الأمة بهدف خلق مجتمع إيجابي، يصنع من الخلاف روحا خلاقة تثري فكره وتساهم في بناء نهضته. fiogf49gjkf0d |