fiogf49gjkf0d سائق سيارة الأجرة… والسيجارة
مجّ سائق سيارة الأجرة سيجارته بقوة ونفث دخانها باتجاه المرأة الواقفة على ناصية الشارع المقابل ثم هتف بها قائلاً: إلى أين؟
- أجابت المرأة بإستيحاء: شارع حمد لو سمحت؟.
لم يكلّف نفسه عناء الإجابة واكتفى بالإشارة لها بيده بالصعود، لم يحرّك ساكناً من مقعده بينما المرأة تضع أكياس المشتريات الكثيرة في صندوق السيارة، وما إن أصبحت داخلها حتى ابتدرت السائق بتحية ممزوجة بسعال خفيف بينما يدها تحاول إبعاد الدخان المنبعث من السيجارة… نظرات استنكار لم تستطع إخفائها ولكنّ لسانها عجز عن إبداء النصيحة، فاكتفت بأضعف الإيمان: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم… المجاهرة بالمعصية وفي شهر رمضان الكريم!!… استغفر الله العظيم وأتوب إليه.
دقائق قليلة واقتربت السيارة من المكان الذي تقصده المرأة؛ فصاح السائق: ها قد وصلنا.
سألت المرأة السائق بصوت حييّ: هل تستطيع مساعدتي في نقل الأغراض إلى داخل المكان لو تكرّمت؟
لم يجب ولكن علامات الامتعاض كانت بادية بوضوح على وجهه، نزل من السيارة صافقاُ بابها بقوة ثم وضع السيجارة بين شفتيه اللتين سارعتا للقبض عليها بشدّة، وبدأ بنقل الأغراض إلى داخل المكان الذي أشارت إليه… أطلق السائق لبصره العنان سامحاً له باختلاس النظر بحرية… عيناه أخذتا تُلاحقا الفتيات الصغيرات اللاتي يركضن في أرجاء المكان كالفراشات كما طارد سمعه أصوات جمهرة من الأخوات المحجّبات والمنقبات اللاتي يضعن لمساتهن الأخيرة على الزينة وتجهيز طعام الإفطار في المطبخ.
أشكرك جزيل الشكر أخي
التفت إليها وشعور بالخجل يوغزه بعد أن ضبطته يتلصلص.. حشريته دفعته للسؤال: من هؤلاء؟
أجابت المرأة ونشوة من الفرح والاعتزاز تغمرها: هؤلاء مجموعة من الأيتام يكفلهم صندوق التكافل الإسلامي، والأغراض التي ساعدتني في نقلها هي من أجل الإفطار الذي نعدّه لهن.
دهشة خفيفة أطلت من عينيه؛ فاستفسر قائلاً: وهل هنّ صائمات؟
أكّدت المرأة: طبعاً الكثيرات منهن صائمات.
ولكنهن صغيرات السن ومعظمهن لم يصلن بعد إلى سن التكليف؟!
رفعت المرأة حاجبيها استغراباً واكتفت بتكرار المقطع الأخير من كلامه بهدوء: لم يصلن بعد إلى سن التكليف؟!
فهم المغزى من التكرار؛ فهو وصل إلى سن التكليف منذ أمد طويل جداً ومع ذلك لم يصم في حياته إلا أياماً معدودات رغم أنّه ليس من أهل الأعذار.
أفاق من شروده على صوت المرأة وهي تقول له: جزاك الله خيراً أخي
حدّق بالمال الذي تمسكه بيدها لبرهة، ثم قال لها: لا أريد منكِ شيئاً… فقط دعوة صالحة…
قاومت المرأة الأيدي الصغيرة التي أخذت تجرها إلى الداخل وبقيت واقفة ترْقب حركات الرجل وسكناته… شاهدته يرمي السيجارة أرضاً… ثمّ داسها بقوة… بعدها رفع بصره إلى السماء وتمتم بكلمات قليلة لم تصل إلى مسامعها ثم ركب سيارته وانطلق بعيداً…
استسلمت المرأة أخيراً لنداءات الناشئات الصغيرات فدخلت بعد أن أغلقت الباب خلفها ولسانها لا ينفكّ يردد: اللهم ردّه إليك ردّاً جميلاً. fiogf49gjkf0d |