fiogf49gjkf0d مجالس القرآن
الأستاذ محمد فريد الأنصاري -رحمه الله- معروف عنه اشتغاله بقضايا المنهج، وصاحب مشاريع علمية. ويأتي كتابه (مجالس القرآن) ضمن هذه المشاريع التي عمل عليها، وتطبيقاً عمليًّا لقضايا المنهج؛ فقد قصد من تأليفه لهذا الكتاب أن يضع بين المسلم المعاصر منهجاً عمليًّا للتفاعل مع القرآن الكريم، بحيث إذا أخذ المسلم بهذا المنهج على وفق ما هو مرسوم له فإن حياته ستتغير، وبالتالي سيتغير حال الأمة وواقعها. فغاية الكتاب في المحصلة هي بيان منهج الاشتغال بكتاب الله، وكيفية إعادة بناء النفس على وزانه، ووفق مقاييس تصميمه.
(مجالس القرآن) مشروع دعوي
ذكر الشيخ الأنصاري في مقدمة كتابه، أن كتابه هذا عبارة عن مدارسات في القرآن، تعرض مشروع مجالس القرآن بصورة عملية، يرجى لها أن تجعل المؤمن يندمج في فضاء القرآن، ويتلقى آياته كلمة كلمة، تلاوة، وتزكية، وتعلماً.
فالكتاب إذن عبارة عن مشروع دعوي تربوي بسيط، سهل التنفيذ والتطبيق، سلسل الانتشار، غايته تجديد الدين، وإعادة بناء مفاهيمه في النفس والمجتمع، بعيداً عن جدل المتكلمين الجدد، وبعيداً عن تعقيدات التنظيمات والهيئات، وبعيداً عن الانتماءات السياسية الضيقة، والتصنيفات الحزبية المربكة، لكن قريباً من فضاء القرآن الكريم، بل في بحر جماله النوراني العظيم، وتحت شلال روحه الرباني الكريم.
والسؤال المركزي الذي أطَّر المؤلف كتابه على أساسه هو: "أليس القرآن الذي نتلوه اليوم هو عينه القرآن الذي تلاه أولئك من قبل؟ فما الذي حدث لنا نحن أهل هذا الزمان إذن؟"، ذاك هو سؤال المؤلف، وتلك هي قضية الكتاب وفكرته التي يدور حولها.
العنوان الرئيس للكتاب (مجالس القرآن)، وقد ذيل المؤلف هذا العنوان بعنوان هامشي (مدارسات في رسالات الهدي المنهاجي للقرآن من التلقي إلى البلاغ)؛ وذلك لبيان أن (المجالس القرآنية هي القضية المركزية في تجديد الاتصال بالوحي، والتلقي للهدي الرباني، وأنها المسلك الذي عليه الرهان اليوم للخروج بالأمة من النفق المظلم الذي تعيش فيه؛ ومن ثم يعتبر المؤلف أن (مجالس القرآن) هي سفينة النجاة إلى بر الأمان؛ إذ إن الأمة اليوم في حاجة إلى من يحسن التلقي عن الله ورسوله، ويبلغ في ذلك أعلى منازل الاستجابة لنداء الهدى، ألا وهي منزلة التعلم والتعليم؛ فيكون منتفعاً ونافعاً بإذن الله، فإنما غاية هذه الرسالة تخريج الدعاة الهداة، حُمَّال رسالات القرآن وهو المقام الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أقسام الكتاب
قسم المؤلف كتابه إلى قسمين رئيسين؛ الأول: قسم نظري، وهو عبارة عن مدخل إلى مجالس القرآن، القصد منه بيان أهمية هذا المشروع الدعوي، بما هو منهاج قرآني صرف، يتخذ من كتاب الله مورده الرئيس، منه يتلقى نوره وهداه، وعليه يبني قواعده ورؤاه، كما أنه موضوع منهجيًّا لبيان الصورة العملية لإقامة مجالس القرآن بكل تفاصيها الجزئية.
وقد ضمَّن المؤلف هذا القسم ثمانية عناوين فرعية:
العنوان الأول: حاجتنا إلى القرآن العظيم. ومما جاء في هذا الفصل قول المؤلف: "نرجع إلى القرآن نحمل رسالته، نخوض بها تحديات العصر". وقوله: "يحدونا اليقين التام بأن لا إصلاح إلا بالصلاح، وأن لا ربانية إلا بالجمع بينهما، وأن لا إمكان لكل ذلك -صلاحاً وإصلاحاً- وربانية إلا بالقرآن المجيد".
العنوان الثاني: مفهوم القرآن. يثير المؤلف تحت هذا العنوان السؤال التالي: "ما القرآن؟ وما هذا الكتاب الذي هز العالم؟ بل الكون كله؟".
العنوان الثالث: القرآن العظيم وقضية الأمة (كلمات الله في معركة السلام). مما جاء تحت هذا العنوان قول المؤلف: "لا تحرير للأمة اليوم في معركة هذا العصر إلا بالقرآن العظيم؛ لأن طبيعة المعركة الجديدة قائمة على (الكلمة) والقرآن العظيم هو الكلام القاهر فوق كل كلام، ولكن بعد أن نفهم السؤال الإشكالي: ما حقيقة الكلمة؟ وما دورها في معركة العصر الجديدة؟".
العنوان الرابع: مجالس القرآن مفتاح المشروع. جاء تحت هذا العنوان قول المؤلف: "منهج تدارس القرآن بمجالس القرآن كان لذلك الزمان، وهو لهذا الزمان منهج دائم ومتجدد، لا يبلى، ولا يتقادم أبداً؛ لأنه ببساطة هو نفسه منهج القرآن". ويقول أيضاً: "مجالس القرآن مشروع ننطلق فيه من القرآن إلى العمران، ولنا اليقين أنه منهج كاف إن شاء الله، إن أُخذ بشروطه وضوابطه لبناء النفس المؤمنة في هذا العصر الجديد، وإعادة تشكيلها تربية وتزكية، ثم بناء النسيج الاجتماعي الإسلامي حضارة وعمراناً".
العنوان الخامس: جلساء الملائكة. هذا العنوان استوحاه المؤلف من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة) رواه مسلم. وقد صدر المؤلف تحت هذا العنوان القول المأثور والمشهور (وخير جليس في الزمان كتاب).
العنوان السادس: الخطوات المنهجية الثلاث لتدارس القرآن. ذكر المؤلف تحت هذا العنوان أن نهج القرآن في بناء النفس الإنسانية يقوم على خطوات ثلاث، هي: التلاوة بمنهجي التلقي، التعلم والتعليم بمنهج التدارس، التزكية بمنهج التدبر، وقد استوحى المؤلف منهاجه الثلاثي هذا من قوله سبحانه وتعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} (البقرة:129)، فـ (التلاوة) و(التعليم) و(التزكية) هي الأصول الكلية لمهمة الرسالة.
العنوان السابع: في المنهج العملي لإقامة مجالس القرآن. ذكر المؤلف تحت هذا العنوان عشرين ضابطاً لإنجاح مجالس القرآن؟
العنوان الثامن: فاتحة خير. جاء تحت هذا العنوان أن هذا المشروع التربوي يُشترط لنجاحه أمران: إخلاص القصد؛ لقوله عز وجل: {فادعوا الله مخلصين له الدين} (غافر:14). والأخذ بقوة؛ عملاً بقوله تعالى: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} (مريم:12).
القسم الثاني من الكتاب جاء تحت عنوان (المدارسات القرآنية) وهو عبارة عن نموذج تطبيقي لمدارسة القرآن الكريم من خلال أربع سور قرآنية، ومحاولة لتقديم نموذج عملي لكيفية تلقي (الهدي المنهاجي) الذي تتضمنه السور المختارة، من خلال آياتها وكلماتها.
والسور القرآنية الأربعة التي اختارها المؤلف لتكون نموذجاً لتطبيق منهج المدارسة هي: الفاتحة، الفرقان، يس، الحجرات. أما عن سبب اختيار المؤلف لهذه السور الأربع فيقول: "فأما الفاتحة فهي الباب الأول لكتاب الله موقعاً وتدبراً. وأما سورة الفرقان؛ فلأنها السورة المعرِّفة بالقرآن الكريم وبدعوته بامتياز. وأما سورة (يس) فلأنها مدرسة الدعوة والداعية، فمن أوتيها فقد أوتي خيراً عظيماً، وفتحاً مبيناً. وأما سورة الحجرات؛ فلأنها دستور شامل لنظام الأخلاق الاجتماعية".
منهج المؤلف
اعتمد المؤلف في تحرير مادة الكتاب التفسيرية على أمهات كتب التفسير المعتمدة -المتقدمة منها والمتأخرة- وصاغها صياغة عصرية ندية، تتلهفها العقول وتألفها القلوب. وقد ذكر المؤلف أن "منهاج هذه المدارسات راجع إلى تلقي رسالات القرآن وبلاغها. أما طريقة عرض مادة هذه الرسالات، فتقوم على:
- تقديم السورة تقديماً كليًّا، يلخص فكرتها وقضيتها، ويعرِّف بشخصيتها.
- تقسيم السورة إلى مجموعة من المجالس.
- تسمية مجموع الآيات (كلمات الابتلاء).
- خلاصة تفسيرية لما ذكره المفسرون في الآيات موضوع المدارسة، وما منَّ الله إزاءها من معان فتح الله بها على المؤلف.
- الهُدى المنهاجي، والمراد من هذه الخطوة ما تحصل للقلب من الكلمات المتلوة في موضوع المدارسة بعد التدبر من رسالات منهاجية.
- مسلك التخلق، وهو المسلك العملي والتطبيقي.
- خاتمة تتضمن أهم حقائق السورة المدروسة بالتذكير، مع النظر في علاقتها بالنفس تحقيقاً وتقويماً.
أما المجالس القرآنية التي جاءت تحت كل سورة من هذه السور الأربع، فهي على النحو التالي:
سورة (الفاتحة) وفيها خمسة مجالس:
المجلس الأول: في مقام التلقي لرسالة الافتقار.
المجلس الثاني: في مقام التلقي لرسالة الاستئذان.
المجلس الثالث: في مقام التلقي لرسالة الحمد.
المجلس الرابع: في مقام التلقي لرسالة الإخلاص.
المجلس الخامس: في مقام التلقي لرسالة الهدى.
أما سورة (الفرقان) ففيها خمسة عشر مجلساً، عناوينها وفق التالي:
المجلس الأول: في مقام التلقي لرسالة الفرقان.
المجلس الثاني: في مقام التلقي لكنوز الأسرار.
المجلس الثالث: في مقام التلقي لموازين الدعوة والداعية.
المجلس الرابع: في مقام التلقي لأم الحقائق الكونية الكبرى (الساعة أعظم بلاغ قرآني).
المجلس الخامس: في مقام التلقي لميثاق الولاء والبراء.
المجلس السادس: في مقام التلقي لطبيعة الرسالة وطبيعة الابتلاء بهذا الدين.
المجلس السابع: في مقام التلقي لمحاذير الندم الأبدي.
المجلس الثامن: في مقام التلقي لمناهج القرآن وبيان جريمة هجرانه.
المجلس التاسع: في مقام التلقي لمحاذير التتبير.
المجلس العاشر: في مقام التلقي لاستعظام جريمة الهزء بالرسول صلى الله عليه وسلم، والعمى عن حقائق الإيمان والتوحيد.
المجلس الحادي عشر: في مقام التلقي لكونية القرآن، وجهاديته، ولعظمة فرقانيته.
المجلس الثاني عشر: في مقام التلقي لعزائم الترتيل، وأن نجاح الدعوة والداعية لا يكون إلا بالتجرد.
المجلس الثالث عشر: في مقام الانتساب إلى مدرسة عباد الرحمن (في تحقيق الأخوة الملائكية وتعميق المعرفة بالله).
المجلس الرابع عشر: في مقام الانتساب إلى مدرسة عباد الرحمن (في الاقتصاد المادي والمعنوي).
المجلس الخامس عشر: في مقام الانتساب إلى مدرسة عباد الرحمن (في معارج التخرج).
وجاءت سورة (يس) متضمنة تسعة مجالس، جاءت عناوينها وفق التالي:
المجلس الأول: في مقام التلقي لأصول العمل الدعوي (تعريف الداعية بمقامه، وبطبيعة رسالته، وأصناف مخاطبيه).
المجلس الثاني: في مقام التلقي لوظيفة البلاغ المبين.
المجلس الثالث: في مقام التلقي لعزيمة البلاغ المبين شهادة واستشهاداً.
المجلس الرابع: في مقام التلقي لمشاهدات اليقين سياحة في عالم الملك والملكوت.
المجلس الخامس: في مقام التلقي لبيان غلط جحود الكفار وتعنتهم، وما تنطوي عليه نفسياتهم من استعلاء، وبيان سنة الله فيهم.
المجلس السادس: في مقام التلقي لمشهد فريد من مشاهد البعث، وأحوال المؤمنين والكفار.
المجلس السابع: في مقام التلقي لواجب بغض الشيطان، واتخاذه عدواً.
المجلس الثامن: في مقام التلقي لمظاهر حياة القلب وموته.
المجلس التاسع: في مقام التلقي لسر الخالقية، حق الله على عباده، وحجة الرسل والدعاة.
وقد اعتبر المؤلف أن سورة (يس) جديرة بأن تكون سورة مركزية في التداول التربوي العام والخاص، ومُقَرَّراً دراسيًّا بأقسام الدعوة الإسلامية بكل أصنافها ومستوياتها.
وسورة الحجرات وفق رأي المؤلف مدرسة تخريج مسمى (عبد الله) بحق، المؤمن الهين، الطيع اللين، والزاهد الصادق، والعامل الصامت؛ إذ هي سورة جامعة لكل أدب السير إلى الله، وهي سورة اجتماعية بالمقام الأول. وقد ضمنها خمسة مجالس، هي:
المجلس الأول: في مقام التلقي لأدب الطاعة لله ورسوله والتوقير لمقام النبوة.
المجلس الثاني: في مقام التلقي لموازين الأنباء والأخبار.
المجلس الثالث: في مقام التلقي لموازين العدل والإصلاح وحقيقة الأخوة في الله.
المجلس الرابع: في مقام التلقي لحقوق الأخوة في الله، ولجمال التعارف الروحي في ذاته تعالى.
المجلس الخامس: في مقام التلقي لمفهوم الإيمان الحق، وفرق ما بينه وبين الإسلام العام.
هذا، وقد صدرت الطبعة الثانية من الكتاب عن دار السلام في القاهرة سنة (1431ه-2010م)، وجاء الكتاب في ست وأربعمائة صفحة (406). fiogf49gjkf0d |