تمت الإضافة بتاريخ : 26/01/2015
fiogf49gjkf0d

الخطاط مصطفى عُمَري: التكنولوجيا وإهمال اللغة أثرا سلبًا على فن الخط

 

إسلام أحمد

"عليكم بحسن الخط فإنه من مفاتيح الرزق"، هكذا قال الإمام علي كرم الله وجهه عن الخط، بينما وصفه أبو العباس أحمد بن رجب صاحب كتاب "زاد المسافر" بأنه "لليد لسان، وللخَلَد ترجمان".. وهو فن جميل ساعدت لغة الضاد بما تتمتع به من مرونة وطواعية وقابلية للمد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب، على ارتقائه وحفظه من الاندثار، وهذا ما يؤكد عليه الخطاط والفنان، مصطفى عُمَري، خلال هذا الحوار ، مشيرًا إلى أن صمود فن الخط مرتبط بصمود اللغة العربية؛ وإلى نص الحوار..

*يتخوف كثيرون من تأثير التقنية الحديثة وضعف الاهتمام باللغة العربية على مستقبل فن الخط الذي ظل معطاءً لقرون عديدة.. فكيف ترى الأمر برأيك؟

- أراه مبشرًا بالخير في أمور، وغير جيد في أمور أخرى، فهو رائع فيما يخص الإبداع، فبرغم وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة، ظهر خطاطون على مستوى العالم لم يكن متوقع ظهورهم، حتى من بلاد أجنبية، سواء كان من شرق آسيا أو أوروبا أو أمريكا، فظهرت صحوة كبيرة في مجال الخط العربي، وتدعمها مسابقات دولية تقام في العديد من الدول مثل تركيا والكويت.. لكن في المقابل أخشى على فن الخط من ضعف الاهتمام باللغة العربية وظهور التكنولوجيا الحديثة التي جعلت الناس لا يكتبون بأيديهم، فلم يعد أحد لديه صبر أو قوة تحمل للتعلم عن طريق المعلم بما تسمى بالمشافهة، ففن وعلم الخط العربي مثل القرآن الكريم، لا يصلح تعلمه بدون معلم مباشر، وفي مصر تراجع الاهتمام بالخط العربي مع تراجع مكانة الكتاتيب وإغلاق مدراس الخط العربي تحت ذريعة التوفير، وبالتالي أصبح الخط العربي شيئًا روتينيًا لا يسلط عليه الضوء خاصة من جانب وزارات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة، وكنت أتوقع أن يدافع الأزهر الشريف والكليات التي تعلم اللغة العربية عن الخط وتجعل له حيزًا كبيرًا، لكن غاب الاهتمام بقضية الخط العربي رغم أن اللغة والخط توأمان ومتماسكان ببعضهما البعض، فلا تصلح اللغة بدون خط أو الخط بدون اللغة.

* وكيف ترى العلاقة بين الخط واللغة العربيين؟

- علاقة ترابط لا انفصام أو انفصال فيها، فاللغة العربية عامل أصيل في الخط العربي، فلولاها ما كان هناك خط، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، فلكل حرف أسراره وقدسيته في اللغة العربية، ولولا هذه القدسية ما وجدنا للخط العربي أي إبداع، بدليل أنه في ديانات أخرى لا نجد هذا الإبداع إلا المرتبط منها باللغة العربية، فالخط العربي يسمى بالخط الإسلامي في بعض الدول، والبعض الآخر يسمونه الخط العثماني، ومشهور بأنه مرتبط باللغة والقرآن.

*وبالتالي أي تراجع في مستوى اللغة العربية يؤثر سلبًا على الخط العربي؟

- بالتأكيد، فمن أهم عوامل ضعف الخط ضعف اللغة نفسها، لأن الخطاط الذي لا يعلم ماذا يكتب ولا يستطيع التفريق بين الحروف والهمزات وغيرها، لا يكون خطاطًا، فيجب أن يكون متمكنًا في أصول العربية، لأنه إن لم يكن متمكنًا سيأتي بأشياء غريبة وخاطئة، فعبدالله بن المبارك يقول: "من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب".

وعندما كتبت المصحف كان لابد لي أن التحق بمعهد إعداد الدعاة، وعندما شعرت أن اللغة غير جيدة عندي تعلمت في كلية دار العلوم، لجعل الخط أكثر قوة ومتانة، لأن الخط بدون اللغة لا يساوي شيئًا، فالخط هو الذي يظهر اللغة، واللغة هي بنية الخط، فهناك في الخط العربي ما يُسمَّى بالاختزال، وهو استخدام الحرف أكثر من مرة في لوحة واحدة.

*تؤكد أن الخط كائن حي.. لماذا؟

- لأنه يُعبِّر عن شخصية الخطاط، فإذا أردت أن تعرف شخصية الكاتب لابد أن ترى من خطه وهو يكتب طريقته في الكتابة، لأن كل شخص مختلف عن الآخر في طريقة التناول، وكل "إناء ينضح بما فيه" فالخطاط وهو يكتب يظهر شخصيته حتى من خلال العبارات نستطيع الحكم على سمات الخطاط سواء كان يكتب عبارات إسلامية أو غيرها ومن خلال كتاباته تعرف إن كان حزينًا أم فرحًا، بخيلًا أم كريمًا، فالمخطوطة الحقيقية هي التي نرى فيها الحبر أمام أعيننا ونشعر بإحساس الخطاط.

وإذا دخلت المخطوطة الأصلية إلى الحاسوب، خرجت من كونها "كائن حي" إلى كائن مرتبط بأنظمة غير حيّة، يدخل فيها أشياء لا تعبر عن صاحبها لأن الكمبيوتر لا ينفذ إلا الأوامر، وهناك تفسير لأحد المشايخ للآية القرآنية: "يزيد في الخلق ما يشاء"، أن حروف الخط العربي خلق من الله، وعند الكتابة فكأن هذا الحرف كان في عالم الغيب وأصبح في عالم الشهادة، والقرآن يوضح هذا في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ? إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، وسمي المداد بذلك الاسم لأنه يمد القلم، وعندما يُقال القلم يقصد به الخط العربي، وما سمي القلم قلمًا إلا من تقليمه وليس القلم الجاهز، فالخط العربي ذكر في القرآن الكريم، وهذا لعظمته ومكانته.

*وما مدى تأثير الحاسوب على الخط العربي؟

- تأثيره سلبي مع الخطاط غير الماهر، لأن الماهر يعتبر الحاسوب عامل مساعد، لكن الخطاط الضعيف هو الذي يجعل من الحاسوب كل شيء، فهو يكتب ثم يستخدم الحاسوب ليجعل من الخط تحفة ليس فيها تدخل يدوي، فلابد أن يكون للخطاط شخصية مستقلة تعبر عنه، وهذا ليس إنكار أن الحاسوب وفر على الخطاطين وكل من يعمل في الفن التشكيلي جهدًا كبيرًا لكن أثر على الأشياء الروحانية الأصلية.

*وكيف ترى حالة تطور الخط العربي للوصول إلى الحاسوب؟

- حالة التطور تخدم جوانب اللغة فيما يتعلق بالمعاجم والقواميس ولكن لا تخدم بنية الخط العربي رغم أنه ظهر في الحاسوب برامج تستخدم الخط العربي، لكن هناك فرق بين خطوط الحاسوب والخط اليدوي، فهي تقوم بمقام قريب منه لكن لا غنى عن الخط اليدوي، لكنه جهد مشكور ممن يحاولون إيجاد حلول وبدائل لإثراء اللغة وليس لإثراء الخط، لأنه معتمد في الأساس على الأشياء الأصلية، وكل من يدخل مجال الخط العربي دون ممارسة هذا الفن بيده ليس بخطاط أو فنان.

*فيما يختلف الخط مع الفنون الأخرى؟

- فن الخط يعتمد على الروحانيات أولًا، والخط العربي له قواعد وأصول، لارتباطه بالقرآن الكريم، لأنه جعل للخط مكانة سامية عالية حتى أن هناك آيات تبين عجز اللغة أمام القرآن، عندما نقرأ قوله تعالى: "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، فنقرأ "كُلٌّ فِي فَلَكٍ" من اليمين إلى اليسار أو العكس، والفنون الأخرى ليست لها روحانيات، علاوة على ذلك نجد أن الفن التشكيلي مفتوح.

*ماذا عن أهم المعارض التي شاركت فيها؟ وما أبرز ملامح مسيرتك الفنية؟

- أشهرها كان في المدينة المنورة، خلال ملتقى مجمع الملك فهد لخطاطي القرآن الكريم في العالم عام 2011م، حيث ضم خطاطين من 30 دولة، اجتمعوا على معرض للخط العربي وتكريم الذين كتبوا القرآن، وكان هناك معارض أخرى، منها لوزارة الثقافة في مصر.

وبدأت من كلية الفنون الجميلة عام 1982م، فكان الخط العربي ملازمًا لي حتى التخرج، وعملت بعدها بالتدريس في أثناء صغر سني في دار المعلمين في الدقي، ثم بعد ذلك سافرت إلى السعودية كمعلم للخط العربي والتربية الفنية وتعليم القرآن الكريم، ومنذ ذلك الحين شاركت في معارض كثيرة، ولي بصمات بأغلفة الكتب في العالم العربي كافة وليست مصر فقط، كما كتبت المصحف أربع مرات، آخرها طبع بقراءة ورش عن نافع، ولي جولات كثيرة حول العالم لتعليم الخط في مصر، فرنسا، جنوب إفريقيا وغيرها من الدول.

وحصلت على جائزة التميز في مسابقة خاصة بالخطاطين، وأيضًا تم تكريمي في ملتقى مجمع الملك فهد، وآخر شيء تكريمي في كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، خلال ورشة للخط العربي، ومن وزارة الشباب والرياضة مع مؤسسة "ألوان" لتعليم الخط العربي، وفي فرنسا من خلال ورشة عام 2001.

*ما أكثر اللوحات التي تسترعي انتباهك؟

- اللوحات التي تتميز بالجانب التشكيلي، ولها فكرة وفيها كلاسيك أكاديمي وبصمة تشكيلية، خاصة عندما تكون حروفيات متداخلة، ولا يجب أن تكون لوحة لها نص مقروء لكن بها حروفيات متداخلة تعطي شكلًا جميلًا، فالحروفيات تعطي متسع من الثراء والتعددية من الإنتاج الفني غير اللوحة المقروءة، فذلك يدل على أن الخطاط يفهم في العلاقات والمساحات والمنظور والأبعاد والألوان وتحويل اللوحة الخطية إلى لوحة إبداعية يدخل فيها جانب التصميم والتنوع، وهذا لا يكون عند الخطاط الكلاسيك.

وأنعم الله عليَّ بدراسة الفن الكلاسيكي والتشكيلي؛ حاولت أجمع بينهما في إطار متساو، وقلما نجد أن خطاط يدرس الكلاسيك بأصوله مع الفن التشكيلي.

*وما أهمية تنظيم معارض للخط العربي؟

- تشجع على الإبداع بالنسبة للخطاطين في مرحلة التعلم، وتحافظ على فن الخط العربي وتوفر التواصل المباشر بين الخطاطين.. وهناك محاولات من البعض ليكون لهم بصمة خاصة في الخط العربي لكن دون جدوى لأن الخط وصل لمرحلة تشبع بشكل معين لا يستطيع الإضافة فيه لكن التطوير يكون في التناول وليس ابتكار خط جديد، ويسمى باسم صاحبه، فهذا مستحيل، لكن الإضافة الممكنة هي الابتكار في حدود ما وصل إليه فنانو الخط العربي، وكانت في نهاية الدولة العثمانية، فالعثمانيين هم الذين أرسوا للخط العربي قواعد وجعلوا منه شكلًا مبهرًا لا يستطيع أحد أن يغير فيه، فكانت العثمانية آخر العهود الإسلامية التي اهتمت بالخط العربي بشكل خاص بدليل أنه حتى الآن تسمى اسطنبول قبلة الخطاطين في العالم أجمع، ومن يريد الوصول إلى أعلى مستوى يذهب إلى تركيا لأنها الوحيدة التي حافظت على هذا الفن.

*وما أكثر الدول التي اهتمت بالخط العربي على مر العصور؟

- هناك الدولة الأموية والعباسية والفاطمية، وأكثر الدول التي اهتمت بالخط العربي هي العراق ويكفيها فخرًا أن الخطاط ابن مقلة العراقي الأصل هو أول من وضع للخط العربي ميزان وقواعد، ووضع له شكلًا ومقياسًا تميز الحروف عن بعضها، وهناك الأندلس وفي الوقت الحالي تركيا، وهي ثلاثة محطات للفن الإسلامي.

لكن هناك فن آخر لا ننساه هو الفارسي، المرتبط بالمقامات في إيران، ويعتبر مستقل بذاته لأن له أدبيات مختلفة عن الفنون الأخرى.

*ما هي أنواع الخطوط العربية؟

- هي ستة أنواع مشهورة تتمثل في: الرقعة، النسخ، الفارسي، الديواني، الثلث والكوفي، علاوة على وجود أنواع غير مشهورة، لكن يكتب بها، مثل الإيجازة، المحقق، قلم التوقيع والكوفي، هناك أكثر من سبعين نوع والخط العربي إما أن ينسب للبلد التي نشأ فيها، مثل الفارسي نسبة لفارس، وإما للشخص مثل الخط الديواني الغزلاني نسبة إلى غزلان، أو نسبة إلى مناسبة مثل خط التاج كان في الفترة الملكية أيام الملك فؤاد.

*وما الاختلاف بين الخطوط؟

- الاختلاف في التوظيف والشكل، لكن يسقى بماء واحد فمثلًا خط الرقعة لا نستطيع تشكيل منه لوحات إبداعية، لأن ليس فيه فنيات عالية، لكن خط الثلث به فنيات كبيرة يمكن أن نبدع به، الخط الكوفي لا يكتب إلا على المساجد، والخط الديواني مرتبط بالدواوين الحكومية، ونجده يستخدم في رسالات الماجستير والدكتوراه.

*ما شعورك في أثناء كتابتك للقرآن الكريم؟

- أشعر حين أكتب القرآن بأنني منفصل عن العالم كله، وأشعر بمتعة كبيرة وحينما أترك الكتابة أشعر بضيق، لأنها متنفس روحاني للخطاط، هو شعور لا أستطيع وصفه لأنه مرتبط بمدد روحاني وقت الكتابة نفسها، وعندما بدأت الكتابة كنت أشعر برعشة في يدي، لأنه كلام الله وله رهبة كبيرة، وتعلمت أنني عندما أخطئ لا أقف عنده بل أصححه، واستشعر معنى الآية وهذا ما دعاني للالتحاق بمعهد إعداد الدعاة، لأتعلم معنى الآية ووضع الحروف وإعراب القرآن الكريم، فكتابة القرآن غير أي شيء آخر.

وعلى الرغم من أن هناك كثيرون أجمل خطًا مني، إلا أن كتابة القرآن اصطفاء من الله، كما أنها أمنية لأي خطاط في العالم أجمع.

fiogf49gjkf0d