تمت الإضافة بتاريخ : 01/01/2015
fiogf49gjkf0d

السيرة النبوية لابن هشام

 

خالد خلاوي

 تعد سيرة ابن هشام من أهم المصادر التاريخية، وأكثر كتب سيرة الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  انتشارا بين المسلمين، والمرجع الرئيسي لدارسي السيرة النبوية، وأصل هذا الكتاب ما جمعه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار من المغازي والسير ورواه عنه زياد بن عبدالله البكائي، وجاء ابن هشام فهذب سيرة ابن إسحاق فعرفت به، واشتهرت باسم «سيرة ابن هشام»، ولا تكاد تعرف سيرة ابن إسحاق.

وقد اعتنى علماء الحديث والتاريخ والمحققون بسيرة ابن هشام شرحا وتهذيبا وتخريجا لرواياته وتبيان الضعيف من الصحيح.

 

التعريف بابن هشام

هو أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري، كاتب سير ومؤرخ بصري، كان عالما بالأنساب واللغة وأخبار العرب.

نشأ في البصرة وتلقى العلم فيها، وبرع في الأدب والعربية، حتى وصف بالنحوي، وأخذ عن علماء البصرة وأدبائها، ورحل إلى مصر بعد أن اكتمل علمه في البصرة، واستقر بها، ونشر فيها علمه، والتقى فيها بالإمام الشافعي.

أهم أعماله هو اختصاره وتهذيبه للسيرة النبوية التي كتبها ابن إسحاق المتوفى سنة 151هـ، ومن آثاره أيضا كتاب «التيجان في ملوك حمير».

توفي ابن هشام في مصر عام (833م- 218هـ).

 

منهج سيرة ابن هشام ومباحثها

يقول الأستاذ محمد علي النجار(1) عن منهج ابن هشام في السيرة: روى ابن هشام سيرة ابن إسحاق فأعجبته، ولكنه رأى فيها أشياء أنكرها، فأزمع تهذيبها ونشرها على الناس في صورة جديدة. وقد وضح منهج عمله فيها في قوله: «وأنا- إن

شاء الله- مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم، ومن ولد رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  من ولده، وأولادهم لأصلابهم، الأول فالأول، من إسماعيل إلى رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" ، وما يعرض من حديثهم، وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل، على هذه الجهة، للاختصار إلى حديث سيرة رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" ، وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص- إن شاء الله - ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له والعلم به». ولم يذكر ابن هشام أنه قد يزيد على ما رواه ابن إسحاق ما يراه تكملة له.

وسيرة ابن هشام، سيرة جليلة، فيها طائفة من أخبار العرب قبل الإسلام، وبسط للحالة بعد الإسلام في حياة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، وهي سجل لما جرى في هذا العهد من المعاهدات، ولما جرى في المغازي. فيذكر في الغزوة من شهدها من الجانبين وما حدث لهم، في تفاصيل دقيقة، كأنما كان هناك كتاب حربيون يدونون كل شيء، وفيها ثروة أدبية مما يورد من الأشعار في الغزوات وغيرها.

وكان ابن إسحاق يكثر من رواية الأشعار في كل موطن، حتى أورد فيها كثيرا من الشعر المنحول والمصنوع، وحتى قال فيه ابن سلام في طبقات الشعراء ص9: «وكان ممن أفسد الشعر وهجنه، وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحاق ابن يسار... فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لي بالشعر، وأوتى به فأحمله، ولم يكن ذلك له عذرا»، وقد نبه ابن هشام على ما ينكر من الشعر الوارد في سيرة ابن إسحاق وعلى الخلط فيه.

يبتدئ ابن هشام بذكر شيء من كلام ابن إسحاق، ويصدره بعبارة «قال ابن إسحاق» ويعقب عليه بما يراه من زيادة أو نقد بقوله: «قال ابن هشام» ويسير هكذا في الكتاب، حتى يمكن للباحث أن ينتزع من سيرته سيرة ابن إسحاق لولا ما حذف منها وأسقط.

وقد ابتدأت السيرة بسرد نسب الرسول عليه الصلاة والسلام، واستتبع ذلك ذكر جملة صالحة من أنساب العرب وأخبارهم في الجاهلية، وعاداتهم وأصنامهم، وذكر تجديد حفر زمزم على يد عبدالمطلب، وولادة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، ونشأته ومبعثه، ومن استجاب لدعوته، وما لقيه في سبيلها من عنت وإرهاق، وما لاقى المؤمنون من أذى، وهجرة بعضهم إلى الحبشة فرارا بدينهم، وعرض الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  نفسه على القبائل يدعوهم إلى الإسلام، حتى استجاب له فريق من الأوس والخزرج في يثرب (المدينة) فهاجر إليها  " صلى الله عليه وسلم"  مع المؤمنين من أهل مكة، وصارت المدينة دار عز ومتبوأ قرار للمسلمين، وفي المدينة كانت بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين اليهود الذين كانوا فيها مفاوضات ومقاولات ومعاهدات نقضوها ولم يتموا عليها، فكانت دائرة الغدر عليهم، وانتهى الأمر بإجلائهم عن المدينة، والانتصار عليهم في خبير، وإذلالهم.

وفي المدينة تبتدئ الغزوات والسرايا التي عز بها المسلمون، وذل الشرك بفتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، وبهذا الفتح المبين يدخل العرب في دين الله أفواجا، ويوفدون الوفود إلى المدينة معلنين إسلامهم، وطالبين من يفقههم في دينهم، وذلك في السنة التاسعة، وتسمى لهذا «سنة الوفود»، ويرسل الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  رسله إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام وينتهي الكتاب بذكر أزواجه عليه الصلاة والسلام وتمريضه وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، وذكر ما جرى في

سقيفة بني ساعدة من الخلاف الذي انتهى بخلافة أبي بكر  "رضي الله عنه" .

 

ما كتب عن سيرة بن هشام

وهذا إجمال شديد لما كتب على سيرة ابن هشام واتصل تأليفه بسببها:

فقد شرح السيرة أبوالقاسم عبدالرحمن السهيلي الأندلسي، المتوفى سنة 581هـ ويسمى هذا الشرح الروض الأنف، وقد طبع في مطبعة الجمالية بمصر سنة 1332هـ (1914م) في جزأين.

وشرح غريبها، وتكلم عن بعض المشاكل ومنها أندلسي آخر، هو أبوبكر الخشني مصعب بن محمد وهو من جيان في الأندلس، والخشني نسبه إلى خشين ابن النمر: قبيلة في قضاعة، نص على ذلك في القاموس. وكانت وفاته سنة 604هـ، وطبع هذا الكتاب في مصر في مطبعة هندية سنة 1329هـ.

 

ونظم السيرة- كما في كشف الظنون- أبو نصر الخضراوي المتوفى سنة 663هـ، وكذا عبدالعزيز بن أحمد المعروف بسعد الدين الديريني المتوفى في حدود سنة 697هـ، وأبو إسحاق الأنصاري التلمساني، على قافية اللام، وفتح الدين محمد بن إبراهيم المعروف بابن الشهيد المتوفى سنة 793هـ في بضعة عشر ألف بيت، وسماه «فتح القريب في سيرة الحبيب».

واختصر السيرة البرهان إبراهيم بن محمد بن المرحل، وزاد عليها أمورا، ورتبه على ثمانية عشر مجلسا، وسماه «الذخيرة في مختصر السيرة»، فرغ منه سنة 611هـ.

ذكر هذا كله في كشف الظنون.

 

المصدر:

(1) السيرة النبوية لابن هشام، محمد علي النجار، سلسة تراث الإنسانية ج1 ص 781 وما بعدها، طبعة المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والنشر

fiogf49gjkf0d