تمت الإضافة بتاريخ : 20/05/2014
fiogf49gjkf0d

د. عبدالله الغنيم: مخطوطات أمتنا تقينا متاهات العولمة !

 

شبابنا يفتقدون القدوة.. وعليهم الاطلاع على تراثنا المخطوط ليدركوا قيمة حضارتهم

بعض المكتبات العالمية تضم مخطوطات عربية نادرة فهرست بشكل خاطئ

 

إسلام لطفي

أكد رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية، ورائد علم الدراسات التراثية الجغرافية، ووزير التربية والتعليم العالي الأسبق، الدكتور عبدالله يوسف الغنيم، أن تكريمه خلال شهر أبريل الماضي من معهد المخطوطات العربية كشخصية العام التراثية لعام 2014، وكذا فوزه خلال الفترة ذاتها بجائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية، إنما يعكسان ما وصل إليه أبناء الكويت من جد واجتهاد. وشدد خلال لقائه مع «الوعي الإسلامي» على ضرورة أن تطلع الأجيال الشابة على تراث أمتها الذي حملته إلينا المخطوطات، التي أكد أيضا أنها التي تمنح الأمة العربية الإسلامية الحصانة ضد طوفان العولمة.. وإلى التفاصيل.

جائزة وتكريم للدكتور عبدالله الغنيم في وقت واحد.. ما الذي يعنيه ذلك؟

- يعني أن على المرء أن يواصل السعي دائما في مسيرة العلم من دون توقف، ويعني أيضا أن أبناء وطننا الغالي الكويت قطعوا شوطا طيبا نحو الجد والاجتهاد، وأن يأتي تكريمي كشخصية العام التراثية في احتفالية «يوم المخطوط العربي» التي شهدتها القاهرة مطلع أبريل الماضي، وحصولي في التوقيت نفسه على جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية، فإن هذا يعكس تقديرا للإسهام الفكري والأدبي الذي تكللت به مسيرتي العلمية.

دعنا نبق مع المخطوطات التي تحتل مكانة متقدمة ضمن اهتماماتك العلمية.. ما الأهمية التي يكتسبها المخطوط في وقتنا الحالي؟

- المخطوطات تعني الأصالة، والعودة إلى الهوية العربية، فنحن في أشد الحاجة إليها في وقتنا الحالي لتقينا من شرور العولمة بما نمتلكه من تراث علمي وديني لا نظير له. لذا، لابد من العودة إلى تراثنا المخطوط، والعمل على دراسته وتحليله، وأن ندرب أبناءنا أيضا للتعرف على هذا التراث العظيم الذي حفظه لنا الآباء والأجداد.

وهذا الأمر بطبيعة الحال يحتاج إلى مثابرة وجهود كبيرة من المؤسسات الثقافية العربية، وجهود مكثفة من الجامعات، وحتى على مستوى التعليم العام، للتعريف بالمخطوطات، ففي تعليمنا القديم كان هناك كثير من النصوص التي نقرأها في كتب المطالعة والمحادثة، ومن المؤسف أن هذه الكتب تكاد تندثر عما كانت عليه بالسابق. وبالتالي، فإن إحياء تراثنا القديم إنما هو إحياء له ولنا، وعلينا أن نعمل بجد ونشاط.

والأمر الآخر، أن نتعرف على تراثنا المخطوط المنتشر في معظم مكتبات العالم. صحيح أن هناك جهودا بذلت في ذلك الأمر، إلا أنه ما زال هناك الكثير من المخطوطات العربية والإسلامية مجهولة، لم نستطع أن نتعرف عليها حتى في الجامعات العريقة التي عرفها كثير من المحققين، سواء من المستشرقين أو من العرب، فمثلا هناك مكتبات توجد بها مخطوطات كثيرة لم تدون في الفهارس، وهناك مخطوطات دونت بياناتها بشكل خاطئ.

وكيف ترى تخصيص يوم للاحتفال بالمخطوطات؟

- هذا أمر جيد، ولابد من تشجيع ذلك، لأن الإعلام مقصر وبعيد عن المخطوطات، فمن خلال هذه الاحتفالية المنتشرة في عدة أماكن، تعطي إعلاما جيدا وتوجيها للناس.

 

وما العلاقة بين المخطوطات واللغة العربية؟

- العلاقة وثيقة، فلا يمكن التعرف على المخطوطات من دون وجود ثقافة لغوية واسعة وكافية، فلابد منها، واحتياجنا ليس فقط إلى اللغة العربية، لكن لابد من وجود توسع في الثقافة، وأن يكون التراث في حد ذاته موسوعيا، فكوني جغرافيا أستفيد من كتب أخرى في المادة الجغرافية قد تفوق كتب الجغرافيا العربية القديمة، فالذي يبحث لابد أن يكون ذا ثقافة عامة في مختلف المجالات.

 

وما مدى أهمية المخطوطات بالنسبة إلى الشباب؟

- لابد أن تكون المخطوطات والتراث العربي بشكل عام، معبرة عن الهوية وتكوين الثقافة للشباب، فلا ينبغي أن ينجرفوا، كما هو قائم في الوقت الحالي، نحو ثقافات العولمة التي تضيع فيها هوية العرب وشخصيتهم، فهذا التراث هو الذي يحفظ شخصيتنا أمام الأمم الأخرى، فبينما هناك كثير من الأمم تتفاخر بتراثها كبريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول، نجد أننا نتهاون مع تراثنا وشبابنا، فنجد الألفاظ والكلمات الأجنبية شاعت في حياتنا وعلى ألسنتنا، بينما هناك كثير من الألفاظ يمكن الاستفادة منها من خلال التراث العربي.

كوزير سابق للتربية والتعليم العالي.. ماذا يفتقد الشباب في وقتنا هذا؟

- الشباب يفتقدون القدوة، فمن الضروري أن يرتبطوا بشخصية ثقافية بعينها ويحاولوا أن يأخذوا عنها، ففي السابق كان هناك الكثير من العلماء في مختلف الدول العربية يعتبرون مركز إشعاع، غير الجامعات، فلابد أن يتجمع الشباب حول العلماء ويأخذوا عنهم ليبنوا ثقافة جيل جديد. فمثلا ندوة العقاد -رحمه الله- كانت تجمع الكثير من الشباب وأنجبت الكثير من الباحثين المتميزين.

 

وماذا عن دراستك للتراث؟

- اعتنيت بالمخطوط الجغرافي العربي، فهرسة وتحقيقا ودرسا، وانشغلت بالمصطلحات الجغرافية، وتحديدا مصطلحات أشكال سطح الأرض، كما كانت لي رحلات ميدانية، عاينت فيها مناطق عديدة في شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى التعامل مع التربة والصخور، وتتبعت خطوط الرحلات التاريخية، كما كانت لي دراسة حول الزلازل في المصادر العربية والخرائط الجغرافية العربية، وعلوم البحر العربية، فالتراث العربي يعبر عن هوية أمتنا العربية، وعنوان أصالتها، إضافة إلى أن الركن الجغرافي يمثل ركنا مهما من التراث العربي، فكانت لي دراسة في الستينيات، خصوصا مع وضع العرب أسسا ومناهج جديدة للدراسات الإقليمية، فضلا عن النظريات، مثل فكرة تبادل اليابس والماء، وتوازن الأرض، وغيرهما من الإضافات المهمة التي أسهمت في صياغة النظريات الجديدة الآن.

 

ماذا عن المخطوطات في دولة الكويت؟

- المخطوطات في الكويت قليلة مقارنة بما هو موجود في كثير من البلدان العربية، فأقدم مخطوطة كتبت في الكويت هي مخطوطة كتاب الموطأ للإمام مالك، حيث نسخت في جزيرة فيلكا الكويتية في عام 1682، وهي نسخة بخط جميل وبتجليد متقن له دلالة على وجود ثقافي وحضاري في هذه المنطقة، كما أن تلك المخطوطة تدل على أن التاريخ الحديث يمتد إلى أبعد من التاريخ الذي حددته المصادر الحديثة، وهو بداية القرن الثامن عشر، فالمخطوطة في الفقه المالكي، وهو المذهب الذي كانت تأخذ به القبائل والأسر التي نزلت الكويت وأسستها في بداية القرن السابع عشر، وعلى وجه التحديد في عام 1613.

 

كيف يتحدد الوضع العام للتراث الجغرافي العربي؟

- الوضع العام للتراث الجغرافي العربي يتحدد في أمور ثلاثة، فهناك كتب حققت قديما وفي حاجة إلى إعادة النشر؛ لندرتها ولتوافر مخطوطات جديدة يمكن أن تثري نصوصها وتصلح ما أشكل منها.

وهناك كتب أخرى حققت حديثا ولم يتم الاهتمام بتصحيح أسماء المواضع وبيان أماكنها، ولم تستقص المخطوطات الخاصة بالكتاب محل التحقيق، فجاءت أعمالا لا فائدة ترجى من ورائها، علاوة على وجود كتب ورسائل جغرافية لم يتم تحقيقها, وتحفل مكتبات الشرق والغرب بمثل هذه الكتب التي نأمل أن ترى طريقها للنشر. وهنا لابد من الإشارة إلى أن كثيرا من المكتبات الأوروبية العريقة التي يظن أنه قد تم التعرف على جميع ما تحتويه من مخطوطات من خلال الفهارس التي وضعت لتلك المكتبات، فإن الفحص الدقيق لموجودات تلك المكتبات سوف يكشف لنا عن كثير من الكتب التي كان يعتقد أنها مفقودة أو أنها فريدة نادرة النسخ، وهذا ما تحققت منه في دراستي للمخطوطات الجغرافية العربية المحفوظة في مكتبة البودليان بجامعة أكسفورد، حيث وجدت أن هناك بعض المخطوطات المهمة التي لم تفهرس فهرسة صحيحة، فأضيفت إلى كتب أخرى بعناوين مختلفة.

د. عبدالله الغنيم في سطور

جغرافي كويتي بارز، ووزير التربية والتعليم العالي في الكويت سابقا. سبق أن شغل منصب عميد كلية الآداب في جامعة الكويت، وكان محاضرا وأستاذا مساعدا، وأستاذا بقسم الجغرافيا بجامعة الكويت، وقام بالتدريس في مجال الفكر الجغرافي العربي وجيمورفولوجية شبه الجزيرة العربية منذ عام 1976 ميلادية إلى الوقت الحاضر، كما ترأس تحرير مجلة دراسات الجزيرة العربية والخليج منذ 1980-1985، والتي تصدرها جامعة الكويت، وترأس أيضا مركز البحوث والدراسات الكويتية منذ عام 1992 حتى وقتنا الحالي، إضافة إلى عضويته في العديد من الهيئات، مثل المجمع العلمي المصري، والمجلس الأكاديمي الدولي لمركز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، ومجلس إدارة متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.

fiogf49gjkf0d