تمت الإضافة بتاريخ : 08/04/2014
fiogf49gjkf0d

فاضل سليمان : عودة الحضارة الإسلامية مرهونة بأن نكون مسلمين حقيقيين

 

حوار ـ حسن يسري :

قال مدير مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام د. فاضل سليمان، إن الحضارة الإسلامية ستعود مرة أخرى قوية كما كانت، شريطة أن نصبح مسلمين حقيقيين، وليس مسلمين اسما ورسما، أو مسلمين على سجادة الصلاة، وداخل المساجد فقط.

وطالب سليمان الدعاة بضرورة التيقن من أن العداء الذي يكنه خصوم المسلمين إليهم ليس شخصيا، بل هو موجه إلى الإسلام وروحه، وهذا العداء، إعلاميا، عمره أكثر من 1400 سنة.

وأكد سليمان أن الجسور بين المسلمين وغيرهم ليست مقطوعة، لكنها تحتاج إلى أن نمدها أكثر من ذلك ونفعلها، وإذا كانت هناك جسور مقطوعة في بعض الأماكن، فإن المتسبب في ذلك هم أصحاب الفكر المتطرف، سواء بالتمييع، أو بالتشدد.

وأعلن عن إنتاج سلسلة أفلام عن الإسلام والتعريف به تسمى «الضباب ينقشع»، أحدها مترجم لأكثر من ثلاثين لغة عالمية، منها اللغة العبرية. وإليكم نص الحوار:

*  من خلال إدارتك لمؤسسة جسور، نريد نبذة عن المؤسسة وأهدافها وآلياتها ؟.

- مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام وتدريب الدعاة، هي مؤسسة عالمية للتعريف بالإسلام، وهي تعمل في ثلاثة خطوط متوازية: الخط الأول مع المسلمين أنفسهم، والخط الثاني مع غير المسلمين، والخط الثالث مع من كانوا مسلمين سابقا، أي الذين ارتدوا عن الإسلام. نحن نعمل مع كل هؤلاء، ونقدم خدماتنا الدعوية لهم. فمع غير المسلمين نقدم لهم محاضرات عن التعريف بالإسلام، كما ننتج أفلاما تسجيلية عن الإسلام، وقد أنتجنا بالفعل سلسلة أفلام تسمى «الضباب ينقشع» عن الإسلام والتعريف به، وأحد هذه الأفلام مترجم لأكثر من ثلاثين لغة عالمية، منها اللغة العبرية.

وبالنسبة إلى المسلمين فنعمل معهم من خلال دورتين: الأولى عن كيفية التعريف بالإسلام، والثانية عن كيفية الرد على الشبهات التي تساق من أعداء الإسلام.

وقد قمنا -بفضل الله- بتدريب ما يزيد على 17 ألف مسلم ومسلمة في 22 دولة حتى الآن.

والخط الثالث الذي تعمل فيه المؤسسة، هو التواصل مع المرتدين عن الإسلام، وذلك عن الطريق النصح والإرشاد. وفي هذا الصدد أشير إلى إنتاج المؤسسة لفيلمين، هما: «خدعة التبشير» و«الخطيئة الأصلية». واستطاع هذان الفيلمان أن يرجعا كثيرا من المرتدين عن الإسلام إليه. وحاليا نعمل في مجابهة الإلحاد والتشييع.

*  هل ترى أن الجسور مقطوعة بيننا وبين غير المسلمين؟ ومن المتسبب في ذلك؟

- لا أرى أن الجسور مقطوعة بيننا وبين غير المسلمين، لكنها تحتاج فقط إلى أن نمدها ونفعلها أكثر من ذلك. وإذا كانت هناك جسور مقطوعة في بعض الأماكن، فأنا أرى أن المتسبب في ذلك هم أصحاب الفكر المتطرف، سواء بالتمييع، أو بالتشدد. فالأفكار المتطرفة تخرج عن نطاق الشريعة ودين الإسلام الوسطي.

ومن يرى أنه ليس بيننا وبين غير المسلمين إلا السيف، هو صاحب فكر متطرف ومتشدد، لم يأمر به الإسلام. كما أن من يرى أن لا فرق بيننا وبين غير المسلمين، وأن الحق موجود لدينا جميعا، فهذا أيضا متطرف. ونحن نرى الوسطية، لكن الوسطية تحتاج إلى وسطيين يقدمونها، وهذا ما نقوم به في المؤسسة، وهو تدريب المسلمين على التعريف بالإسلام بوسطية.

فنحن نتكلم عن الاختلافات التي بيننا وبين غير المسلمين، بعد أن نقيم الجسور من خلال الكلام عن المشتركات التي تجمع بيننا. لكن أن يذهب أي إنسان ليتكلم عن الإسلام داخل الكنيسة، ولا يتكلم إلا عن المشتركات التي بيننا وبينهم فقط، وكأنه لا توجد اختلافات بين الإسلام والنصرانية أو البوذية أو أي ديانة أخرى، فهو بالقطع مخطئ.

وفي الوقت نفسه، فإن من يتكلم في الاختلافات من دون أن يمد الجسور بالمشتركات فهو أيضا مخطئ، فالله عز وجل يقول {ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم وقولوا امنا بالذي انزل الينا وانزل اليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت:46). أي نمد جسور المشتركات بيننا وبينهم، ثم نتكلم في الاختلافات، لأن الكلام عن الاختلافات من دون أن يُسبق بالكلام عن المشتركات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.. فهناك من الناس من يتقاتلون بسبب هذه الاختلافات، فإهمال الكلام عن المشتركات خطأ، وإهمال الكلام عن الاختلافات أيضا خطأ.

* كيف يصل الداعية المسلم إلى قلب الآخر وعقله في ظل الحرب الإعلامية الغربية على الإسلام؟

- يجب أن يعلم الداعية المسلم أن العداء الذي بين الإسلام وخصومه ليس عداء شخصيا، بل هو عداء موجه إلى الإسلام. وهذا العداء الإعلامي عمره أكثر من 1400 سنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كان أهل مكة يلقبونه بالصادق الأمين، أصبحوا بعد دعوته إلى الإسلام يلقبونه بالكاذب والساحر وغيرهما من أوصاف، التي ما قيلت إلا لأنها حرب على الإسلام، وقد أخبره الله سبحانه وتعالى بذلك {.. فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بايات الله يجحدون} (الأنعام:33). وستبقى هذه الحرب، إعلامية وغير إعلامية، ما دامت هذه الرسالة موجودة.

وقد واجه القرآن الكريم هذه الآلة الإعلامية بسورة كاملة تسمى «الشعراء»، فالشعراء في ذاك الوقت، هم إعلاميو هذا العصر. والنبي صلى الله عليه وسلم واجه إعلاميي ذاك الزمان بتكليف إعلاميين مسلمين على قدر عال من الاحتراف بالتصدي لهم، مثل سيدنا عبدالله بن رواحة وسيدنا حسان بن ثابت وسيدنا كعب بن مالك، رضي الله عنهم، ولم يكلف إعلاميين ذوي مستوى عادي.

لذلك، تجب مواجهة هذا الإعلام الصهيوني المجرم، في الداخل والخارج، بإيجاد إعلام إسلامي قوي، لأنه يوجد بيننا إعلاميون، من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، ويسمون بأسمائنا، يخدمون أهداف الصهيونية العالمية، ويحاربون الإسلام.

والإعلام الإسلامي الموجود الآن خطابه ضعيف جدا. لذلك، يجب أن نسعى إلى إيجاد إعلام إسلامي محترف ومؤثر.

* برأيك.. كيف تستعيد الحضارة الإسلامية عافيتها في ظل الضغوط القوية من أعداء الإسلام؟

- أرى أن الحضارة الإسلامية ستعود مرة أخرى قوية كما كانت، شريطة أن نصبح مسلمين حقيقيين، وليس مسلمين اسما ورسما، أو مسلمين على سجادة الصلاة وداخل المساجد فقط.

فعندما نعود إلى الإسلام، شكلا ومضمونا، ونعود إلى كتاب الله، فهما وتدبرا وعملا، فمن السهل واليسير أن نستعيد حضارتنا مرة أخرى. فبعض المسلمين حتى الآن لا يعرفون كيف يتعاملون مع القرآن الكريم، بل إن معظمنا يقرأونه من دون فهم وتدبر، على الرغم من أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يسأل قارئيه: هل يقرأونه بفهم وتدبر؟

فكيف نعيد حضارتنا مرة أخرى ونحن لا نفهم مصدر هذه الحضارة؟! ثم كيف سنقابل الله عز وجل يوم القيامة ونحن لا نفهم كلامه {وما قدروا الله حق قدره..} (الأنعام:91). فمن سوء الأدب مع الله عز وجل أن نقرأ كتابه بغير فهم ولا تدبر. ومن عدم الاحترام أن يحدثني إنسان ولا أعير كلامه اهتماما، فنحن يجب أن نعطي فرصة للقرآن حتى يغيرنا.

والخطير أننا ورثّنا أبناءنا هذا الأمر، عن طريق الاهتمام بحفظ القرآن أكثر من فهمه، وعن طريق بعض الممارسات الخاطئة في التعامل مع القرآن الكريم، مثل التغافل عن القرآن والانشغال عنه بأي شيء عندما يتلى في الفضائيات أو في الإذاعة، فيتربى الطفل على أن القرآن ليس مهما، وأنه كتاب للحفظ فقط، وليس للتدبر والفهم والتطبيق.

لذلك، يجب أن نواجه أنفسنا بهذه الأمور الخطيرة، وأن نتداركها حتى نعود كما كنا من قبل: حضارة إسلامية عظيمة لا تغيب عنها الشمس.

* نتعامل مع المنهج القرآني بحيث يعود قوة مؤثرة تقيل عثرة الأمة؟

- للأسف الشديد إن بعض الدعاة لا يتعاملون أصلا مع القرآن إلا في رمضان، فقد أجرينا دورة في مؤسسة جسور للدعاة عن «التربية الإيمانية والوسائل الإيمانية المعينة للداعي»، وقد كان من ضمن الواجبات العملية للدعاة الحضور، أن يكون لهم ورد يومي من القرآن، يتدبرون آياته، وقد كانت المفاجأة أن بعضهم هاجر للقرآن تلاوة، ناهيك عن فهمه وتدبره والعمل به.

فبعض الدعاة هاجرون للقرآن، وذلك بسبب التنشئة الخاطئة، التي ترى أن حفظه هدف وغاية، وليس وسيلة معينة للفهم والتطبيق! والله عز وجل وضح لنا كيفية التعامل مع القرآن {كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته.. } (ص:29). فالهدف هو التدبر، وليس الحفظ. والله عز وجل تعهد بحفظه {انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون} (الحجر:9).

فالقرآن الكريم كتاب هداية يوضح لنا ويشرح كيفية السير في الطريق المستقيم. ومن غير المعقول أن نمضي في طريق لا نفهم كيفية السير فيه، لأننا نحفظ ولا نفهم ولا نتدبر.

كما أن الصحابة، رضوان الله عليهم، كانوا لا ينتقلون من آية إلى أخرى إلا بعد فهمها، وتطبيقها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه : «كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نتعلم ما فيها من الأحكام ونعمل بها، فتعلمنا العلم والعمل معا». وقد حفظ سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، سورة البقرة في ثماني سنوات، مع أن حفظها لا يستغرق شهرا ونصف الشهر، كما نحفظ نحن الآن.

كما أننا لا نربي أولادنا على التعامل بطريقة صحيحة مع القرآن، فالله عز وجل يخبرنا بأن القرآن كتاب عربي { إنا أنزلناه قرانًا عربيًا لعلكم تعقلون} (يوسف:2). ونحن نصر أن نتعامل معه كأنه كتاب لغة إنجليزية يُفتح من اليسار، لأننا نبدأ في تعليم أولادنا القرآن من الجزء الثلاثين، وهو الجزء الذي لا توجد فيه قصص، سوى قصة أصحاب الأخدود، التي حُرق فيها المؤمنون، ولم يصب الملك الكافر بأي أذى، مع أن الأجزاء الأولى فيها قصص شيقة ومؤثرة تجعل الطفل يحب القرآن ويعشقه، كسحرة فرعون، وقصة سيدنا إبراهيم، وقصة البقرة، وقصص كثيرة جدا، تشعر الطفل كأنه يشاهد رسوما متحركة، فيرتبط بالقرآن بطريقة أكثر تأثيرا من طريقة الكتاتيب، التي يُجبر فيها الطفل على الحفظ، وليس على حب القرآن.

ولا بد من الرجوع والعودة إلى المتخصصين في التربية، كأمثال الدكتور مجدي الهلالي، حتى نعلم كيف نستفيد من القرآن تربويا.

فالقرآن الكريم هو المصدر الوحيد القادر على تغيير النفس، وتهذيبها وتربيتها، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه  الذي كان من أعدى أعداء الإسلام، والذي كان صاحب فكرة أن كل عائلة تُعذِّب من أسلم منها، حتى لا يتقاتل القرشيون، غيّرته خمس آيات من سورة طه، وحوّلته من إنسان لا يعرف الرحمة إلى الفاروق عمر، وليس من المعقول أن يتغير إنسان مثل عمر بحفظ خمس آيات من سورة، لكنه فهم الآيات وتدبرها.

فنحن نحتاج إلى ثورة داخلية للتخلص من تلك العادات البالية من موروثات خاطئة في التعامل مع القرآن الكريم.

* من خلال خبرتك الدعوية في العالم الغربي، ما أهم الشبهات التي تم رصدها، وكيف يرد الدعاة عليها بطريقة علمية وموضوعية؟

- هناك شبهات كثيرة، لكن هناك أربعة أبواب رئيسية للشبهات حول الإسلام، منها شبهة النساء، ووضع المرأة في الإسلام، وهناك شبهة الجهاد والإرهاب والعنف، وهناك باب الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما يمسه كنبي وقائد ومشرع ومصلح، وما يمس حياته الشخصية صلى الله عليه وسلم. وهناك شبهات متفرقة أخرى.

ويجب أن يتعلم الدعاة الرد على هذه الشبهات، فالعاطفة والانفعالات وحدها لا تكفي للرد عليها، ولكن العلم والفهم الصحيح هما سبيلا الرد عليها.

* كيف نمد جسور المحبة والتعاون بين مكونات الوطن الواحد، مسلمين وغير مسلمين؟

- هذا الأمر لن نصل إليه إلا بالتكامل، وأن يضع كل واحد منا نفسه مكان الآخر. ويجب أن يعلم الجميع أن ما بيننا وبين النصارى ليس علاقة مواطنة فقط، بل علاقة إخوة، سواء في الوطن، أو في الإنسانية، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول «كلكم لآدم وآدم من تراب».

كما أن القرآن الكريم فيه أكثر من 20 آية تؤكد على معنى الإخوة بين الأنبياء وأصحاب الديانات الأخرى من قومهم، قال تعالى: {واذكر اخا عاد..} (الأحقاف:21). {والى عاد اخاهم هودا..} (هود:50). {والى ثمود اخاهم صالحا..} (هود:61). فالإسلام أطلق على العلاقة بيننا وبين الآخر من أصحاب الديانات الأخرى علاقة الإخوة، حتى أن شذوذ قوم سيدنا لوط، جنسيا، وكفرهم، عقائديا، لم ينفيا عنهم صفة الإخوة له {إذ قال لهم اخوهم لوط..} (الشعراء:161).

 والإخوة علاقة بين طرفين، أخ أكبر وأخ أصغر، فالأخ الأكبر يجب عليه ألا يقسو على الأخ الأصغر، كما أن الأخ الأصغر يجب أن يحترم الأخ الأكبر.

كما أنه يجب أن تكون هناك شفافية ومكاشفة بين الطرفين. لذلك، أدعو إلى أن تكون هناك إحصائية صحيحة للطرفين وأن تعرض على الرأي العام، حتى ولو بلغت نسبة المسيحيين في بلد عربي مسلم 50 في المئة، حتى يُعرف الحجم الطبيعي لكل طرف، ويأخذ كلٌ حقه الطبيعي في بعض الوظائف، كنسبة طبيعية بناء على حجمه في المجتمع، حتى لا يبقى في صدر أحد شيء، بناء على نسب مضللة، لا يُعرف لها أصل، سوى أنها تؤجج النار في الصدور. فالموضوع ليس شعارات ترفع كـ «يحيا الهلال مع الصليب»، ونحن كمسلمين لسنا مؤمنين بالصليب في الأصل، لكن الموضوع هو تكامل بيننا، وأن ننضج أكثر من ذلك، وأن نعلم أننا مختلفون، وأن الله سوف يفصل بيننا يوم القيامة، وندرك أن هناك أمورا مشتركة بيننا كأبناء وطن واحد، كمشكلة الخبز والكهرباء والتعليم، فهذه مشكلات لا تفرق بين المسلم والمسيحي، ويجب أن نواجهها معا.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن حلف الفضول، وهو حلف كافرين، لكنه كان لنصرة المظلومين، إنه لو دعي إليه في الإسلام لأجاب، ومعنى ذلك أنه يمكن لمسلم أن يدخل مع غير المسلم في أي عمل نافع منظم ومفيد للمجتمع.

ومن المسائل المهمة جدا مناداة غير المسلمين، فالقرآن الكريم لم يناد على غير المسلم إلا بأحب الأسماء إليه: {.. يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم..} (الصف:6). {يا ابت لا تعبد الشيطان..} (مريم:44). {يا قوم اني لكم نذير مبين} (نوح:2)؛ لأنني أدعوهم إلى الإسلام.

ولم يناد على غير المسلم بالكافر إلا في موضع واحد {..  يا ايها الكافرون} (الكافرون:1)، وذلك في حالة محاولة إخراج المسلم من دينه.

 

fiogf49gjkf0d