تمت الإضافة بتاريخ : 22/03/2014
fiogf49gjkf0d

«أنت لها» أقصر طريق لمبادرة ذاتية فاعلة

 

مصطفى عياط

 

المؤلفد. محمد فتحي

الناشرأجيال للنشر والتوزيع/ القاهرة

كيف تكون شخصًا متميزًا ومختلفًا عن الآخرين في أسلوب تفكيرك وعملك؟ وكيف تجعل من حياتك منظومة للإبداع والمثابرة؟ وبأي طريقة يمكنك صنع بصمة خاصة لدى المحيطين؟ وما هي الوسائل التي تجعلك تحقق السبق وتضعك في أوائل الصفوف... هذه الأسئلة وغيرها دائمًا ما تشغل تفكيرنا وتجعلنا نعيش في حيرة؛ فالبعض- وبعدما تتسرب سنوات العمر من بين يديه- يكتشف أنه كان شخصًا عاديًا، ولم يفعل في حياته ما يجعل الآخرين يتذكرونه بعد مماته.

هذه التساؤلات والهواجس هي ما يحاول الدكتور محمد فتحي وضع برنامج عملي للإجابة عنها في كتابه «أنت لها» ، والصادر عن دار «أجيال» للنشر والتوزيع بالقاهرة، حيث يسعى الكتاب لرسم "خريطة طريق" لبناء شخصية فاعلة، تؤمن بالمُبادَرة والسبق كطريق للنجاح وتحقيق الذات، مستعينًا في ذلك بأسس ومبادئ نفسية واجتماعية، ويضع المؤلف كل ذلك في قالب إسلامي محبَّب من خلال الاستعانة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصص من السيرة والتاريخ الإسلامي.

وفي بداية الكتاب يقدم المؤلف تعريفًا مختصرًا لـ"المبادرة الذاتية"، باعتبارها: اندفاع الفرد نحو نمط من الأعمال يحقق فيه إما نموًا لذاته فيرتفع إلى المناصب والأعمال، أو تقرُّبًا إلى الله، أو يدرأ عن نفسه شرًّا هو منه في عناء، كل ذلك بدون تكليف أو متابعة من أحد إلا ابتغاء وجه الله، فهو الرقيب عليه. وعقب هذا التعريف يطرح المؤلف سؤالاً مباشرًا عن الدافع الذي يجعل الفرد مُبادِرًا وفعالاً مع أن الركون والثبات هو الأقرب للسلامة، ثم يقدم إجابة لتساؤله قائمة على مرتكزات دينية، فطالما أن مناط التكليف فردي فعليك نفسك ولا تنتظر الآخرين، كما أن الحساب يوم القيامة سيكون فرديًّا، فضلاً عن أن المبادرة الذاتية تعدُّ من أولى الواجبات، والتقاعس عن أدائها تفريط في الأمانة.

مبادر أم عادي

وإذا كان الشخص العادي هو النقيض للإنسان المُبادِر، فكيف تعرف إذا ما كنت شخصًّا عاديًّا أم إنسانًا مُبادِرًا ؟ وللتفريق ما بين هذين النمطين يقدم المؤلف وصفًا تفصيلاً لصفات كل نمط؛ فالإنسان العادي يتخذ قرارات عادية أو متردد في اتخاذ القرار وعاجز عن اتخاذ القرار الصائب، كما أنه يتقاعس عن أداء أعمال جديدة تخرج عن إطار الروتينية المعهودة لديه، وبالتالي فهو شخصية اتكالية ولا يعتمد على نفسه، وإن كبر في السِّن؛ حيث يحتاج إلى من يدعم رأيه، وهو أيضًا لا يستطيع تكوين علاقات ثابتة وهادفة مع الآخرين، وهو ما يجعل عواطفه متقلبة وغير مستقرة، كما يتملكه الضعف والوهن وقلة الحيلة وعدم اغتنام الفرص؛ حيث يلجأ على الدوام ويتعقب الهفوات، فضلاً عن كونه مجبولاً على حب الدنيا وكراهية الموت، وعدم الاستعداد للتضحية والعطاء.

وبعد هذا التشخيص لأعراض وصفات الشخص العادي، يحاول المؤلف تلَمُّسّ الأسباب التي تقف وراء ذلك، طارحًا مجموعة من الأسباب والمؤثرات التي قد يكون إحداها أو جميعها هي السبب في ذلك، ومن هذه الأسباب: التربية على حب الذات وقلة الاهتمام بالغير، والتعود على الاتكالية وعدم تحمل المسئولية، والترف غير المبرَّر وعدم التخشُّن في الحياة، والخوف غير المبرَّر، إضافة إلى نظم التعليم الداعية إلى السكون والراحة، والركون للأمجاد البالية والتغني بها، والرضا عن النفس ومقارنتها بالأقل، والتقليل من القدرات الذاتية، وضعف التشجيع، والتقوقع داخل الذات، فضلاً عن أمراض القلوب مثل: النفاق والجبن والظن والحسد والحقد.

وصف الدواء

وعقب هذا الاستعراض لصفات الشخصية العادية وأسباب ذلك، ينتقل الدكتور محمد فتحي لمرحلة وصف الدواء، معتبرًا "مجاهدة النفس" أول خطوات العلاج، يليها اكتشاف الموهبة والقدرات، وتنمية الجانب الإنساني في الشخصية قدر المستطاع، وهو ما يتطلب غرس الفكرة داخل القلوب، والأخذ بالأسباب، فالأمور كلها لن تتم "وأنت جالس في ركن بيتك"، هذا بالإضافة إلى إجبار النفس على الاحتكاك ومجالسة الناس، والقناعة بأن المبادرة من صفات العظماء.

ويمضى المؤلف في تدوين "وصفة علاج" للشخصية العادية كي تصبح فعالة ومبادرة، ويشدد على ضرورة اتخاذ "قدوة حسنة" قوية وواقعية، بما يساهم في بناء الشخصية المبادرة وكسر قيود السلبية، فالقدوة الحسنة ترسخ داخل النفس احترام النجاح والناجحين، كما أن الإنسان يتأثر بالأفعال والسلوك أكثر من الكلام. وإضافة إلى القدوة الحسنة، فالشخص العادي يحتاج كذلك إلى "الإخلاص في القول والعمل"، فإخلاص النية لله عز وجل يعد شرط ضروري لبناء الإنسان المبادر؛ فالإخلاص جذر الإيمان وساقه العلم وثمرته العمل، وأصل الشجرة هو النية المخلصة.

وفي الجزء الثاني من الكتاب ينتقل المؤلف إلى تقديم مجموعة من النصائح والقيم التي يجب أن يكتسبها ويتمسك بها من يمتلكون روح المبادرة الذاتية، حيث يقدم تعريفًا للإنسان الناجح بأنه هو الذي يصنع الأحداث ويأخذ بزمام الأحداث دور اندفاع أو عدوانية، ولكي يتمكن الإنسان من الأخذ بزمام الأمور فإنه بحاجة إلى القيام بأشياء تتعدى دائمًا ما هو مطلوب منه، وهو ما يتطلب قدرًا من المخاطرة المحسوبة غير العشوائية والإقدام على مساعدة الآخرين.

نظرة متكاملة

وبالإضافة إلى ما سبق، فالإنسان المبادر يحتاج إلى امتلاك "نظرة متكاملة" مما يمكنه من تحديد اتجاهه في الحياة، فكل شخص يؤدي عدة وظائف في الحياة، فهو مثلاً: مسلم، ومهني، وزوج، وكي لا تتعارض هذه الوظائف والأدوار يجب أن يتملك الإنسان رؤية متكاملة لدوره في الحياة، فمن الضروري أن تدرك أنك مسلم أولاً ثم مهني ثم زوج، فإذا نظرت للأمر من هذا المنظور فكل الأمور ستجد طريقها للارتباط السليم، أما إن فكرت بأنك مهني أولاً أو زوج ثم مسلم فستجد التعارض وستنزلق في أعراض وأمراض ضعف المبادرة الذاتية وستجد ألف عائق يمنعك.

ويشدد المؤلف على أن الأمر لا يقتصر على امتلاك النظرة المتكاملة؛ فالإنسان صاحب المبادرة الذاتية بحاجة كذلك إلى تكوين ثقافة ومبادئ ومعتقدات راسخة ثابتة يسير عليها دائمًا بدون انفصال أو تراجع أو تغيير، وإلا سيكون من المذبذبين. وإذا ما نجح الإنسان في امتلاك رؤية متكاملة تستند على ثقافة ومعتقدات راسخة، فإن الخطوة التالية هي: تحديد الهدف، فالعمل المنتج هو العمل الذي ينطلق من أهداف واضحة محددة يعيها المبادر ويوظف إمكاناته والوسائل المتاحة له لتحقيقها.

ويجب على المبادر كذلك أن يراعي التوازن بين إهمال الأهداف والإغراق فيها؛ حيث إن العمل بدون هدف واضح ومحدد مدعاة للتخبط والاضطراب، كما أن الإغراق في الأهداف يحوِّله إلى آلة، كما أن الأهداف يجب أن تكون مشتقة من الثوابت والأصول الشرعية وأن تراعي في أولوياتها المقاصد الشرعية، فضلاً عن ضرورة الانتباه لاختيار أهداف مركَّزة يمكن قياس مدى فاعلية تنفيذها، ومعروفة نتائجها النهائية ضمن إطار زمني محدد مسبقًا، وهذه الأهداف يجب أن تكون ممكنة التنفيذ وفي الوقت نفسه مرنة ويمكن تعديلها حسب الظروف والمستجدات.

ويعدّ " التجديد والابتكار الدائم" من الصفات الملازمة للشخص المبادر، ويعرف المؤلف الابتكار بأنه: عملية يحاول فيها الإنسان عن طريق استخدام تفكيره وقدراته العقلية وما يحيط بها من مؤثرات مختلفة وأفراد مختلفين، أن ينتج إنتاجًا جديدًا بالنسبة له أو بالنسبة للبيئة المحيطة به، على أن يكون هذا الإنتاج نافعًا للمجتمع الذي يعيش فيه. والابتكار يحتاج دومًا إلى التمرد من قبل المبادر على المألوف والعصيان على الروتين، كما أن قدرة الإنسان على الابتكار ترتبط بعدة عوامل تشمل: المهارات الذاتية للفرد، والقيم الدينية والاجتماعية، وتوافر كل من المعرفة والمعلومات والنظام والحوافز.

ولكي يقوي الإنسان روح الابتكار بداخله، فإنه يحتاج إلى أن يبدأ عمله باسم الله ويتوكل عليه، وأن يثق بقدرته على الوصول إلى الهدف بفضل الله، ومخالطة المبدعين وقراءة تجاربهم، وافتراض أن كل شيء في الحياة ممكن والحرص على توليد الأفكار باستمرار، وتجنب الخوف من الفشل أو الهزيمة، وتقدير المخاطر جيدًا والتعامل معها باتزان، وإتقان الإبداع الجماعي والاستفادة من خبرات الآخرين.

صفات ضرورية

ويشير المؤلف إلى أن الشخص المبادر يجب أن يتحلى كذلك بالقدرة على تحمل المسئولية، ولكي يتمكن المبادر من غرس تلك الصفة في نفسه فإنه لابدَّ أن يدرك أن تحمل المسئولية هي عبارة عن مهارة مركبة وليست مهارة مستقلة أو قائمة بذاتها أي أنها عبارة عن خليط متجانس من مجموعة من المهارات والملكات الأخرى أهمها: الثقة بالنفس، والثقة بالآخرين وحسن الظن بهم، والصبر والتحمُّل، والقدرة على نقد الذات، والقدرة على تحليل المعطيات واتخاذ القرار، والمواجهة والجرأة والتقدم . وتحمل المسئولية، يعني كذلك اعتراف المبادر بالأخطاء التي يقع فيها، بل والاستفادة منها، فكل الناس ترتكب الأخطاء والقليل منهم هو الذي يتعلم من أخطائه، ولكي يتعلم المبادر من أخطائه فإنه بحاجة إلى تحديد الخطأ بدقة وتوضيحه حتى يفهمه ويستوعبه ويتمكن من توقعه مستقبلاً.

وفي نهاية الكتاب يورد المؤلف مجموعة من الصفات التي تميز صاحب الشخصية المبادرة، وهي أن يمتلك قدرة كبيرة على المثابرة والصبر للوصول إلى ما يريد من خلال التركيز على كل ما يستطيع القيام به وليس على ما لا يستطيع فعله، وهو ما يتطلب تحديد العقبات والتخلص منها تدريجيًا، إضافة إلى البحث المستمر عن الأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف سواء كانت صفات أو سلوكيات أو دورات تدريبية، كما أن الشخص المبادر يجب أن يجيد تطبيق مبدأ إدارة الأولويات، وتحديد ما يتحمل التأجيل وما يستدعي التعجيل. وهذه الصفات- بدورها- تتطلب حماسًا لا ينقطع حتى في أحلك الظروف، وهذا الحماس يمكن الحفاظ عليه من خلال الإيمان الكامل بنصر الله وتنظيم الوقت والعمل بمتعة واستثمار أي فرصة للنجاح لإعادة شحن بطارية الحماس ونقل عدوى ذلك للمحيطين وتغيير أجواء العمل الرتيبة.

fiogf49gjkf0d