تمت الإضافة بتاريخ : 12/01/2013
fiogf49gjkf0d

د. خالد حنفي رئيس اتحاد مسلمي ألمانيا لـ «الوعي الإسلامي»:

الإعلام العربي والإسلامي لم ينتبه جيدا لقضايا المسلمين خارج أرضهم!

 

حوار: محمد ثابت توفيق

د.خالد محمد حنفي، رئيس هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا الاتحادية، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ونائب رئيس لجنة الفتوى بألمانيا، واحد من علماء الأزهر الشريف الذين يمثلونه خير تمثيل في جزء مهم من أوروبا.

في هذا الحوار يفتح لنا الداعية الشاب قلبه راويًا تجربته كداعية لله تعالى في الغرب، ويحدثنا عن الخلط غير المبرر للسياسات الغربية والشعوب هنالك، ورؤيته لما يسمى بـ«صدام الحضارات»، وأهمية التواصل مع الملايين من الغربيين وشرح الإسلام لهم على نحو صحيح، والدور المناط بالإعلام الإسلامي في مؤازرة المسلمين بالغرب، ورؤيته لمستقبل الإسلام في الغرب، وغيرها من القضايا الحيوية المهمة في هذا الحوار..

 

** كثير من المسلمين في الغرب على وجه الخصوص يفهمون مصطلح التسهيل في الدين على أنه أمر من أمور التنازل عن الضروريات.. فهل هذا الفهم صحيح؟

ـ  ينبغي الانتباه إلى كون التسهيل في أمور ديننا أمر مطلوب بقوة، وهو مختلف تمامًا بالمناسبة عن التنازل، والعياذ بالله تعالى، والمهم في أمر التسهيل أن يضبط بضوابط شرعية واضحة، أما غير المقبول فهو أن يصدر من غير أهله وفي غير محله، وبوجه عام فإنه أمر ضروري للمسلم، بل إن التيسير في الفتوى هو منهج قرآني نبوي مطلوب للمسلم، فإذا ما تعلق الأمر بحاجة الأقلية الإسلامية في الغرب كان أكثر ضرورة، وهنا يجب الوضع في الاعتبار أنها في حالة ضعف من جميع النواحي، فإذا ما تجمع لها هذا مع التشدد في الفتوى فسنشدد الحياة عليهم، وسينحرف مفهوم الإسلام في أذهانهم عن أهدافه ومقاصده الجزئية والكلية.

 

** لعل الأمر يقودنا لضرورة أن يكون الداعية الإسلامي الذاهب للدعوة إلى الله في الغرب مؤهلًا لهذا.

ـ  بل يجب أن تكون له مؤهلات خاصة وسمات مميزة بحيث يكون متميزًا في دراسته العلمية في الأزهر الشريف أو غيره، على أن يذهب فور تخرجه، أو يكون ممن نشأوا في البلد الغربي الذي سيدعو إلى الله فيه، بحيث يكوّن تكوينًا صحيحًا من الجانبين معًا العلمي والواقعي.

 

** قبل أن يأخذنا الحوار لمناطق أخرى أود أن أعرف منك مثالًا أو أكثر على أمر التيسير السابق الذكر وبعده عن التساهل في الدين.

ـ  على سبيل المثال ضرورة الجمع ما بين فريضتي المغرب والعشاء في ألمانيا، وهي مشكلة تزداد في الدول الأوروبية كلما اتجهنا شمالًا للنرويج وفنلندا مثلًا، وجوهر المشكلة أن وقت صلاة الفجر يحين عند الساعة الثانية من بعد منتصف الليل هناك، بينما موعد صلاة العشاء يبدأ من منتصف الليل للواحدة صباحًا في فنلندا مثلًا، أو كلما اتجهنا شمالًا، فإذا ما علمنا أن الغربي، في العادة، إنسان منضبط ينام عند الثامنة مساء، في أيام العمل وهي أغلب أيام الأسبوع، فإن جاء يسألني عن الإسلام.. فهل من المنطقي أن أقول له إن الدخول فيه سهل ميسور، ثم يجد أنه سيقوم من نومه عند منتصف الليل ليصلي العشاء، ثم بعدها بساعة أو اثنتين ليصلي الفجر؟ وهل هذا يتوافق مع جوهر ديننا؟ ومن العلماء هناك من تشدد في ضرورة أداء صلاتي العشاء والفجر في موعديهما، ولم يأخذ بأمر التيسير الذي ذهبت إليه، فكانت النتيجة أن طلب جيران المسجد الشرطة للمسلمين لأنهم يمنعونهم من النوم بأداء الصلاتين في المسجد بعد مواعيد النوم المتعارف عليها هناك. بل إن من تركوا أمر الجمع هذا فقدوا قرابة ثلاثمائة مسلم عادوا عن دينهم لصعوبة الأمر، ومن هذا المثال يظهر بوضوح أننا لا نفرط في جوهر ديننا، ولكننا ننظر في الأمور المختلفة خاصة ما تعلق بخلاف ما بين الفقهاء، فلا يستطيع مفتٍ في الاتحاد الأوروبي للفتوى الذي يترأسه الشيخ د.يوسف القرضاوي الإفتاء بجواز سباحة الفتيات المسلمات في حمامات السباحة بالمدارس الأوروبية، ولكن الأمر إذا ما تعلق بلعاب الكلب هل هو نجس، مع انتشار الكلاب في مختلف أقطار أوروبا ومحبة الأوربيين لاقتنائها، وجمهور العلماء يقضي بنجاسة لعابها إلا الإمام مالك، رحمه الله تعالى، فلمَ أفتي بما يشق عليهم ولدي جواز من أحد أئمة الفقه لدينا؟

 

** في ثنايا كلماتك تحدثت عن تراجع عدد من المسلمين عن ديننا الحنيف.. فهل هو أمر متكرر؟

ـ عدد الداخلين في الإسلام، والحمد لله تعالى كبير جدًّا، ولكن الحقيقة أن هناك من يتراجعون عنه ولكنهم قليل، وذلك عائد في إجماله لكون الأوروبيين، على الأقل ممن عرفت، ذوو عقلية ممنهجة مثقفة قارئة متأملة، تربى أحدهم على ما يسمى بـ«ثقافة الحرية»، وأيًّا ما كان عمر الواحد منهم قد يدخل في الإسلام، ومما لا أنسى أن امرأة قاربت الستين من العمر تعمل ممرضة في قسم الحالات الحرجة بأحد أكبر المستشفيات بألمانيا، وطبيعة المرضى في هذا القسم ممن لا يرجى شفاؤهم، وهؤلاء يلحون على الأطباء والممرضات، بما يرون أنه رحمة لهم من الآلام الرهيبة التي يعانونها، بأن يحقنوهم بحقن تسمى، ظلمًا، بحقن الرحمة، وهي مميتة.. الممرضة وجدت مريضة واحدة صابرة بين هؤلاء، وكانت أشدهم بلاء وأكثرهم صبرًا، لم تكن تراها إلا والابتسامة مشعة على وجهها، ولما تكرر الأمر سألتها: لماذا أنت على هذه الحالة؟ فأجابت المرأة: لأنني مسلمة وديني يأمرني بالصبر على الابتلاء، ولي أجري العظيم في الآخرة ومنزلة عظمى من النعيم عند ربي. وتضيف الممرضة: ولما كانت المريضة مغربية بسيطة، كما يبدو عليها، عميقة في فكرها، لذا دفعتني للتفكير في الإسلام الذي حقق لهذه المريضة الإشباع الروحي والعقلي مهما تألمت.

 

** ولكني أعلم أن هناك حالات على النقيض، تمامًا، إذ يدفع بعض المسلمين بسوء أفعالهم الغربيين لعدم الدخول في الإسلام..

ـ  في الحقيقة لم أفهم معنى الآية الكريمة: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}ُ (الممتحنة: 5)، إلا حينما سافرت للغرب، ولذلك فلي فكرة خاصة حيال هذا الأمر.. إنني أعمد إلى المسلمين في كل مكان أذهب إليه فأنصحهم بحسن الخلق، فقط، واتقاء الله تعالى، ومن بعدها يصبح أحدهم نعم السفير للإسلام في كل مكان يذهب إليه، ومن هنا يدخل 90% من الغربيين في الإسلام، ولدي من الأمثلة الكثير، وعلى سبيل المثال، فإن مسلمًا رزق بطفلة، ثم سافرت زوجه وطفلتها إلى تركيا، مسقط رأس الزوجين، ثم ماتت الصغيرة بعد وصولها، وخوفًا على نفسية الأب رفضت زوجه وأسرتها إخباره بالأمر، ولما كان الأطفال الذين يولدون في ألمانيا يصرف لهم مال مخصص كل شهر، فقد استلم التركي المسلم المال، قبل معرفته بوفاة ابنته، حتى إذا ما عاد لتركيا علم بالأمر، فتوجه، فور رجوعه لألمانيا، للجهة الحكومية التي صرف المال منها طالبًا من الموظف المختص استلام المال لموت الطفلة، ولكن الأخير رفض، فما كان من المسلم الحسن الإسلام إلا أن أعاد المال إليه عن طريق حوالة بنكية، هذا الموقف وحده كان كافيًا لأن يأتي الرجل الموظف للمسجد طالبًا نسخة من القرآن الكريم ليتعرف أكثر إليه وإلى الإسلام، وبالتالي يدخل في دين الله تعالى، ولم يعلم المسلم الذي أعاد المال ببقية القصة، ولكنه حسن التصرف والفهم لصحيح الإسلام من قبل المسلمين هو من يصدم الغربي ويدفعه دفعًا للدخول في الإسلام، وهكذا فشريعة الصيام في حد ذاتها تستوقف الكثيرين للدخول في ديننا الحنيف إذ يمتنع المسلم عن الطعام والشراب مخيرًا، بلا مراقبة من أحد أو ضغط من جهة ما.

 

** كم عدد المسلمين في ألمانيا الآن وما المتوقع أن يصل إليه عددهم فيما بعد ومن يرعى حديثي الدخول في دين الله تعالى؟

ـ  بحسب إحصاء 2009م فإن عدد المسلمين بألمانيا اليوم خمسة ملايين مسلم يمثلون 7% من عدد سكان ألمانيا وفي حال استمر معدل زيادة المسلمين على هذا النمط هناك فإن عددهم سيصل لـ40% من عدد الألمان عام 2040م بإذن الله تعالى.

 

أما من يرعى حديثي الدخول في الإسلام هناك فقد أنشأ اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا قسمًا جديدًا للمسلمين الجدد، ولكن هذا لا يمنع من وجود خلل كبير في هذه الناحية، فلا يكفي إعطاء الداخل في الإسلام حقيبة تخص الرجل وأخرى للمرأة، خاصة أننا ننفق على الأمر من أموال الزكاة من خلال مصرف المؤلفة قلوبهم، وقد تضاءل الدعم الذي كان يأتينا بعد أحداث 11 سبتمبر.

 

** ولكن ألا ترى أننا مطالبون بتفعيل دورنا كمسلمين في الغرب بوجه عام وألمانيا بوجه خاص؟

ـ  أتفق معك إلى حد كبير، خاصة إذا ما سلمنا بأن الألماني صورة من الإنسان الغربي يملك كل ما يريد من متاع الحياة الدنيا، حتى لو كان لا يعمل، فهو يتقاضى بدل بطالة، وكل ما يحتاجه في الحياة متوافر له سواء أكان رجلًا أو امرأة، وبرغم هذا ينتحر لشعوره بالفراغ الذي لا يملأه إلا الإسلام، ولذلك فلدينا مشروع لإنشاء كلية للدراسات الإسلامية نظرًا للأقبال الشديد على تعلم اللغة العربية والدين الإسلامي، وكذلك حاجة أبناء الجالية الإسلامية هناك لهذا لأمر بصورة بالغة الأهمية.

 

** وكيف ترى مستقبل الإسلام خارج أرضه؟

ـ  مزهر ومثمر ومشرق بإذن الله تعالى، برغم وجود تحديات كبيرة، ويقيني بأن التحديات تحتاج لتضافر جهود المخلصين في جميع المجالات.

يجب الاعتراف بوجود خلل في متابعة شؤون الداخلين في الإسلام

 

الدكتور خالد حنفي في سطور

- رئيس اتحاد العلماء والدعاة في ألمانيا، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ونائب رئيس لجنة الفتوى بألمانيا.

- حاصل على الإجازة (ليسانس) من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف 1994م

- حاصل على درجة الماجستير في دراسة وتحقيق كتاب: «إفاضة الأنوار في إضاءة أصول المنار» للشيخ محمود الدهلوي، وهو أحد علماء القرن السابع الهجري.

- حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر الشريف، أيضًا، عن دراسة بعنوان: «أصول فقه عمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  وأرضاه»، عام 2007م، بمناقشة الأساتذة الدكاترة: محمد إبراهيم الحفناوي، علي حسين عبد المجيد، رمضان عيد هيتي.

- بدأ داعية متجولًا في المراكز الإسلامية بألمانيا، ثم انتخب رئيسًا لهيئة العلماء والدعاة.

هيئة العلماء والدعاة في ألمانيا

أنشئت عام 2002م

دورها: توحيد المسلمين هناك، وجمع كلمتهم، وربطهم بالأمة الإسلامية عبر إزالة الشبهات عن الإسلام، وحل إشكالية تضاد بعض الفتاوى الصادرة من علماء الدين بمختلف أقطار العالم الإسلامي.

أنشأها: عدد من العلماء والأئمة ومنهم الشيخ أحمد هليل من علماء الأزهر الشريف.

أبرز إنجازاتها:

تشكيل لجنة للفتوى على مستوى أمانيا كلها بالتعاون مع المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والذي يعد المرجعية الرئيسية للمسلمين في أوروبا ويترأسه الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي.

ربط الفتوى بالواقع مع رعاية مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء.

التيسير في الأمور الدينية، مع عدم تضاد هذا مع جوهر الشريعة الإسلامية الغراء.

المجلس الأوروبي للإفتاء

يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي يتواصل مع جميع أقطار أوروبا لتوحيد الفتوى، ويعتمد على خطى تنظيمية تعتمد على توحيد الفتوى بأوروبا، وهو بديل لاجتهاد العلماء المتفرقين، وفي الغالب تتناسب الفتاوى التي يقرها مع البيئة الأوروبية، وإن لم يستطع الإفتاء في أمر يحيله للمجامع الفقهية بالعالم الإسلامي، وأعضاؤه موزعون كالتالي: عضوان بفرنسا، ومثلهما ببريطانيا، وعضو واحد بألمانيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوعي الإسلامي

fiogf49gjkf0d