تمت الإضافة بتاريخ : 09/12/2012
fiogf49gjkf0d

"الحياة الزوجية".. عندما تطيل العمر!

ليلى حلاوة

"هاتموتني ناقصة عمر. انت وعيالك قضيتوا عليَّ"

هكذا يصرخ أحد الزوجين في وجه الآخر أحيانًا، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن إحدى الدراسات الاجتماعية الصادرة حديثًا تؤكد العكس، وهو أن الحياة الزوجية المشتركة تقي من الأمراض وتطيل العمر.

ولكن هل تنطبق هذه النتائج على مجتمعنا العربي؟ وهل هذا لحالات معينة دون غيرها أو هناك شروط معينة يمكن أن تدل عليها الدراسة؟

بحسب الدراسة الصادرة عن مركز أبحاث الديموغرافيا الاجتماعية في العاصمة التشيكية براغ، والتي نُشرت خلال نوفمبر الحالي، فإن الحياة الزوجية المتجانسة تطيل العمر خمس سنوات مقارنة بالعلاقات خارج إطار المؤسسة العائلية وحالة العزوبة.

أشارت الدراسة إلى أن السبب يعود إلى حالة الاستقرار والاطمئنان النفسي لدى الزوجين، وسعادة الأطفال التي تُؤمِّن حاجزًا مناعيًّا ضد تسرب بعض الأمراض إلى الجسم، مثل: الاكتئاب أو المعاناة النفسية التي عادة ما تكون مدخلًا لباقي الأمراض العضوية.

كما تشير دانا هامبلوفا رئيسة البحث إلى أن الوضع العائلي المعروف بالزوج والزوجة والأطفال يجعل حياة هؤلاء صحية في مستوى يزيد على 50% من الاستقرار النفسي، الذي سيكون له الفضل في النجاح وتجاوز المشاكل الحياتية، خاصة عندما يشعر الإنسان بأنه سيحصل على المساعدة الفورية لدى وقوع مشكلة معينة اجتماعية أو صحية، حيث يسرع أحد الشريكين لتقديم المساعدة اللازمة والضرورية، انطلاقًا من الحرص على حماية العائلة وضمان استمرارها بشكل جيد ونقلها إلى الأفضل دائمًا، الأمر الذي يجعل كلا الشريكين مهيئًا نفسيًّا لتجاوز المشكلة.

ويتفق بعض الأزواج مع نتائج هذه الدراسة في حين يختلف معها آخرون:

تقول "علياء" 29 سنة، وهي زوجة وأم لطفلتين:

نتائج الدراسة واقعية لأنني أحمد الله على حصولي على زوج وأبناء طيبين ولطفاء وأذكياء، نجلس دائمًا نتسامر ونلهو ونتحدث ونحكي، وهذا بالطبع لا يمنع وجود كثير من التحديات المتعلقة بالماديات والمسئوليات الاجتماعية وطلبات الأولاد التي لا تنتهي. وهذا يجعلنا نعيش الحياة على طبيعتها؛ وقت للفرح، ووقت لحل المشكلات.

أما "محمد" 30 عاما ويعمل طبيبًا فيقول:

بالطبع حال المتزوجين الآن أفضل كثيرًا من غيرهم؛ فنسب العنوسة تزداد، وهموم الشباب الذي يريد الزواج ولا يستطيع كثيرة أيضًا؛ فمن يتزوج ويصبح لديه بيت يأوي إليه، وزوج يحن عليه، وأطفال يدللهم ويشاهدهم وهم يكبرون، هذا في حد ذاته نعمة كبيرة من الله، وإنجاز كبير في الحياة.

و"همت" هي الأخرى تشارك في الموضوع بقولها:

الفرق بين حياة العزوبية والحياة الزوجية مسألة نسبية تختلف من فرد لآخر ومن قصة لأخرى؛ فأنت عندما تكون عازبًا تتمنى لو أنك تستطيع الزواج، وعندما تتزوج تتمنى لو تعود عازبًا مرة أخرى. هكذا هي طبائع البشر.

وتختلف "نجلاء" مع نتائج الدراسة:

حيث تؤكد لـ "الإسلام اليوم" أن الحياة الزوجية وطلبات الأولاد من الممكن أن تصيب بقصر العمر، تقول نجلاء:

عن نفسي أشعر أنني أدور في دائرة مُفْرَغة ما بين مهام لا تنقضي وطلبات لا تنتهي، كما أصبحت الأيام كلها يشبه بعضُها بعضًا، ربما تنطبق نتائج دراسة كهذه على المجتمعات أو الأسر التي لا تعاني ماديًّا، ويكون فيها الزوجان متحابَّين، ولا يوجد كثير من المنغصات في حياتهما الخاصة.

وعلى عكس نجلاء يؤكد أحمد ما تقوله الدراسة بقوله:

عن نفسي لا أجد في الحياة أجمل من بيت دافئ فيه زوجة جميلة تنتظر عودتك من العمل بفارغ صبر؛ لتجلس معها تتحدث معك وتلاطفك، ولا يوجد أرقى من العلاقة الأبوية لأطفال يُشعرونك بمدى أهميتك في الحياة. أما بالنسبة لحياة العزوبية فهي بالطبع لا تُحمِّلك مسئوليات كثيرة، ولكنها في المقابل لا تمنحك مشاعر طيبة كالدفء والحنان ووجود أنيس، تشكو له همومك، ويخفف عنك كل ما تمر به من صعوبات.

تعلق وفاء أبو موسى المستشارة الاجتماعية على هذه الدراسة فتقول:

بالطبع أتفق مع نتائج الدراسة ولكن بشروط؛ فكلما تعززت الروابط الأسرية كلما كانت الحياة إيجابية وناجحة، ومعروف أنه كلما تمتع الإنسان باستقرار اجتماعي وصحة نفسية كلما تمتع بصحة جسدية أفضل، وحتى نخفف عن أنفسنا ضغوط الحياة لابد من نصف ساعة يوميًّا يقضيها كل واحد في التأمل الذاتي والاختلاء بالذات مع الطبيعة بعيدًا عن هموم الحياة؛ فهذا يساعد على قوة "الأنا" بالشكل الطبيعي المطلوب، فلا يشعر كل شخص في الأسرة أنه منهك ومجبر على فعل أشياء من أجل الآخرين.

وتتفق مانيفال أحمد المستشارة الاجتماعية مع وفاء أبو موسى، فتخاطب كل أم وزوجة قائلة:

من المهم أن تقومي بعمل "توقف مؤقت Pause " لحركة يومك، وأن تأخذي نفسًا عميقًا بعيدًا عن ضغوط البيت والأولاد حتى تستطيعي المواصلة والاستمتاع بما لديك، ومن المفيد جدًّا أن تفعلي خلال هذا الوقت القصير شيئًا تحبينه كالاهتمام بنفسك أكثر، أو قراءة شيء تستمتعين به، أو الاسترخاء وأخذ نفس عميق والتفكير فيما يجب فعله وما يجب تحسينه. المهم هو عمل شيء مختلف بعيدًا عن زحمة الحياة الزوجية. فهذا سيجعل السعادة مستمرة ومتواصلة ويبعد التعب والإنهاك.

وتواصل مانيفال أحمد تعليقها على الدراسة فتقول:

ربما تنطبق نتائج الدراسة على الأسر المستقرة، والتي لا تعاني من مشكلات كثيرة، في مجتمعاتنا العربية هناك الكثير من الأزواج ممن لا يرضَون عن حياتهم وشَراكتهم الزوجية، وذلك نابع من عدم نضجهم وعدم معرفتهم لطبيعة الحياة الزوجية، وكذلك لانتشار بعض الأفكار غير الصحيحة؛ فالحياة الزوجية على سبيل المثال لا تعني "التطابق" فهذا أمر مستحيل، ولكن تعني أن يدرك كل طرف أن الطرف الثاني مختلف عنه، والمطلوب من الطرفين معًا أن يتغيَّرا ويتكيَّفا، فمن يتصور أنه سيحتفظ بكل صفاته ولن يتغير، أو أنه سيغير الطرف الآخر حتى يتوافق مع ما يريد؛ فهو يسير في طريق الصدام.

وللتمتع بحياة زوجية سعيدة تنصح مانيفال أحمد بالآتي:

- تفريغ الشحنات السلبية أولا بأول وبشكل دائم بين كل زوجين، فلا ندع منغصات تتراكم داخلنا تجاه الطرف الآخر، فالتعبير عن النفس والمشاعر والأفكار من الأشياء المريحة؛ لأنه إن لم يحدث ذلك وتراكمت الخلافات البسيطة داخلنا سيحدث الانفجار في يوم من الأيام على أتفه الأسباب.

- على الزوجة ألا تثقل على الزوج بالطلبات المادية، وأن تترفق به عند العودة من العمل، ولا ترفع صوت شجارها مع أولادها، وكذلك لابد أن تحرص على مظهرها في المنزل بشكل أكبر من اهتمامها بمظهرها وهي في الشارع.

- يجب احترام الخصوصية بين الزوجين، فكثير من الأزواج يخلطون بين الحب الشديد وبين انعدام الخصوصية، بمعنى أنهم يعتبرون أنه ليس من حق الطرف الآخر أن يكون له أصدقاء أو معارف خارج دائرة الأسرة، وهذا خطأ كبير يقع فيه الزوجان، فاحترام كل طرف لخصوصية الآخر يجعل الحياة الزوجية أكثر نجاحًا وهدوءًا.

- على كل من الزوجين كذلك تقدير واحترام ما يقوم به الطرف الآخر، فكلمات التقدير من الأشياء الجميلة التي تسعد كل من في الأسرة.

- كما يجب على الزوجين تخصيص الوقت الكافي للقيام بأشياء مشتركة معًا كتنظيف المنزل أو طبخ وجبة جديدة أو الذهاب معًا إلى رحلة أو خروج للترفيه؛ لأن هذه الأشياء تخلق حوارًا مختلفًا ورُوحًا جديدة.

وهذا ما لفتت إليه الدراسة أيضًا؛ حيث أكدت الدراسة التي شارك فيها مختصون بالطب النفسي أن الرحلات العائلية لها الفضل الكبير في تجدد واقع الحياة الزوجية، لأنها تعمل على تجديد العلاقة والحب والعطف بين الزوجين واستمرار ذلك وتطوره نحو الأفضل، وينعكس أثر ذلك على الأطفال بشكل طمأنينة تجعلهم أصحاء قادرين على التميز والنجاح في تحصيلهم الدراسي، وأيضًا يبعد عنهم الأمراض، وتكون حالة النمو عندهم طبيعية، مقارنة بالأطفال الذين لديهم مشاكل عائلية أو الذين يعيشون بدون أحد الوالدين.

ويعلق "يرجي تيل" الطبيب النفسي من براغ على هذه الدراسة للجزيرة نت قائلًا:

إن الدراسة تعني بالدرجة الأولى التفاهم بين الزوجين، والبحث الدائم عن الحلول المشتركة لحل المشاكل، حيث يصبح الإنسان بحالة استقرار نفسي تجعله في حالة بحث دائم عن أفضل الحلول للمشاكل اليومية، حتى تلك البعيدة عن الحياة الزوجية.

ويؤكد "تيل" على أن الحياة الصحية والمميزة المتجددة التي تنشأ نتيجة الحب المتبادل بين العائلة تزيد من تحصين أفرادها بشكل يشابه متانة الجهاز المناعي عند الإنسان، حيث يصبح من الصعب اختراق الأمراض لهؤلاء المحصنين بسهولة.

وينصح "تيل" العائلات بمناقشة جميع المشاكل حتى تلك الصغيرة ووضع الحلول المناسبة لها، ذلك لأن هذا الأمر يضمن تعزيز الاستقرار النفسي.

وينصح أيضًا بالتجديد الدائم لحالات البهجة والفرح، مثل: تقسيم الإجازة السنوية إلى قسمين بحيث تكون على شكل رحلة عائلية لمدة أسبوع في الصيف وأسبوع آخر في نهاية الخريف أو الشتاء.

ويؤكد أيضًا أنه بقدر الانتباه إلى حالة الهدوء وقلة المشاكل بين الزوجين تصبح الحالة النفسية أكثر استقرارًا وتحصنًا ضد المخاطر الحياتية، وبالتالي تثمر عمرًا مديدًا وحياة سعيدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نوافذ

fiogf49gjkf0d