تمت الإضافة بتاريخ : 30/09/2012
fiogf49gjkf0d

الأب الطيب .. والأولاد المدللون

ليلى حلاوة

يشعرني زوجي دائمًا أنني "الست الشريرة والأم التي لا تطاق"، فما إن يعود إلى المنزل بعد يوم عمل طويل حتى يرتمي الأولاد في حضنه كما عودهم من صغرهم، وبمجرد أن يدخل إلى المنزل يكون ممنوعًا عقاب الأولاد أو لفت انتباههم لخطأ ارتكبوه، فهو يريدهم حوله، يدللهم ويمرح معهم ويحملهم.. وعندما أقوم بتوجيه الأولاد إلى خطأ اقترفوه، يقول لي زوجي أمامهم: أنت جالسة معهم طوال اليوم.. اتركيني أنا معهم الآن.. بالطبع أشعر أكثر بالضيق، حيث يشعرونني جميعًا أنني الأم الشريرة التي تأمر وتنهى فقط، بالرغم من أنني أراعي حاجاتهم النفسية والمالية طول اليوم".

هل ما يفعله هذا الأب صحيح؟ وهل الأم هنا شخص شرير بالفعل؟.. بعض الآباء يدللون أبناءهم بشكل زائد تعويضًا لهم عن البعد الطويل، نظرًا للعمل أو للانشغالات المختلفة، فالأب لا يقضي مع أبنائه سوى لحظات أو ساعات قليلة، وهذه اللحظات غالبًا ما تكون لطيفة، فيرسخ في ذهن الأطفال فكرة أن الأب أفضل من الأم، وفي المقابل تكون الأم مشغولة معهم ومع احتياجاتهم طوال اليوم، لذا فهي قد تتعصب عليهم أو ترغمهم على فعل أشياء لا يودونها، كإنجاز الواجبات وترتيب غرفهم ومساعدتها في بعض الأمور.. فيظهر أمامهم أن الأم مزعجة في حين أن الأب لطيف وطيب.

وفي بعض الأحيان يكون النموذج معكوسًا، حيث تكون الأم لطيفة وهادئة وتعرف كيف تتصرف مع أبنائها جديًا في الوقت الذي لا يحب الأب أي إزعاج، فيتعصب في وجه الأولاد ويضربهم للابتعاد عنه فيخاف منه الأبناء..

هل التودد الزائد للأبناء وتدليلهم صحيح تربويًا؟ وما هو دور كل من الأم والأب المنوط بكل منهما القيام به مع الأبناء؟.. هذا ما يجيب عنه مستشارونا التربويون...

لكل أم : لا تحزني

تقول د.دعاء راجح، المستشارة الاجتماعية: لا يجب أن تحزن الأم إن كانت هي الطرف الشرير، فالطفل لا يترسخ في ذهنه كونها شريرة إلا من تصرفاتها معه وليس بمقارنتها بالأب. أما بخصوص تصرفات كل منهما مع الأبناء فهذا يعتمد إلى حد كبير على شخصية كل من الأب والأم، من حيث العصبية ومن حيث قدراتهم ومعلوماتهم التربوية، فالأب أو الأم العصبية المزاج بالطبع تتعامل مع الطفل بهذه العصبية، كما أن قراراتها بشأن الطفل: "افعل أو لا تفعل" غير مبررة، بمعنى: لماذا افعل ذلك ولا افعل ذلك..(هو كده وخلاص)".

وفى المقابل نرى الكثير من الآباء أو الأمهات مدللين لأبنائهم، فلا يرفضون لهم طلبًا، بدعوى "الحنية"، وهو أمر خاطئ تربويًّا، وفي الغالب يصعب التعامل مع مثل هذه المواقف إلا بإقناع الأب والأم بأن هذا (خطأ تربوي) يؤثر بشكل سلبي على شخصية الطفل مستقبلًا، ويجعله ينحو في اتجاهين :

- إما أن يكون طفلًا سلبيًا غير مبالٍ بما يدور حوله.

أو يكون طفلًا عصبي المزاج، يميل إلى العنف عندما لا تلبى طلباته.

تستطرد راجح قائلة: الحنان والحب احتياج فطري يحتاج إليه الطفل كما يحتاج إليه الكبير أيضًا.. ولكن حاجة الطفل له تفوق حاجة الكبير، لأنه في فترة نمو عاطفي لازمة لتكوين شخصيته. وكثير من الآباء يخلطون بين الحب والتدليل، فالحب هو التعبير عن المشاعر وتلبية احتياجات الطفل (العاطفية) بوسائل التعبير المختلفة، كالقبلات والأحضان ونظرات العين واللمس الرفيق والحديث معه واللعب معه. وهذا التعبير لابد أن يشبع ويلبي احتياجات الطفل بغزارة كلما أمكن ذلك. أما التدليل فهو تلبية احتياجات الطفل (المادية).. بمعنى أنه تكون كل طلباته مجابة.. وكل ما يجب أن يقوم به يمكن التغاضي عنه، وللأسف يخلط الكثيرون بين تلبية الاحتياجات المادية والاحتياجات العاطفية، ويعتبرونها وسيلة للتعبير عن حبهم لأبنائهم، وهذا خطأ فادح لا يشبع الابن عاطفيًّا ويجعله طفلًا مدللًا.

تكمل راجح قائلة: لابد أن يتعلم الآباء كيف يقولون (لا) بحب، وكيف يقولون (يجب أن تفعل ذلك) أيضًا بحب، حتى العقاب يجب أن يتم بحب، كما يجب أن تكون الأوامر والنواهي مبررة، بمعنى أن يفهم الطفل لماذا يجب أن يفعل ذلك، ولماذا لا يجب حتى ينمو عنده المبدأ والقيمة. كما يجب أن يتفق الوالدان على ذلك، وأن يتعاملا مع الطفل بنفس الأسلوب.

وبالنسبة لمشكلة الأب الغائب فهذه مهمة الأم، فالأم هي من يدير العلاقة بين الأب والأبناء، الأم هي غالبًا الأكثر خبرة بأمور التربية، وهي من يوجه الرجل إلى كيفية التعامل الأمثل مع أبنائه، مع مراعاة شخصية الأب.

فإن كان الأب يحب أن يجلس مع أبنائه عند عودته من العمل فيجب أن تتيح هذا الوقت له.. وتجعله وقتًا ظريفًا ممتعًا للاثنين، بحيث يحصل على كفايته العاطفية من عاطفة الأب، وألا تبادر بالشكوى إلى الأب من أفعال الصغير طوال اليوم، أو تطلب منه عقابه؛ لأنها لابد أن تقوم هي نفسها بهذا الدور. وإذا كان الأب من النوع العصبي، أو أن الطفل مزعج بشكل يجعل علاقته دومًا بأبيه متوترة فلابد أن تكون هي الوسيط الذي يلطف الجو ويتحكم في الطفل بقدر المستطاع.

تؤكد راجح قائلة أن الطفل يحتاج إلى عاطفة الأبوة كما يحتاج إلى عاطفة الأمومة، والأبوة عاطفة مكتسبة إلى حد كبير، فلابد أن تساعد الزوجة زوجها على نموها بالتدريج كي يحب ابنه، وكلما كانت العلاقة بين الأب والابن رائعة كلما كانت في مصلحة الطرفين.

مسئولية مشتركة

ومن جهته يقول د.عمار عبد الغني، المستشار التربوي: إن رعاية الطفل مسؤولية الأبوين معًا، قال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].

ولكننا إذا نظرنا إلى واقع الأمر وجدنا أن الرجل لا يقضي في بيته ومع أطفاله إلا جزءًا يسيرًا من الوقت، هذا من حيث الكم، ومن حيث الكيف فهذا الوقت يكون فيه منهكًا من العمل، يطلب الراحة، وليس لديه قدرة على التفكير في شأن أولاده. لذا يظهر لنا أن الدور الأكبر في هذا هو دور المرأة ومسؤوليتها، لذا في البداية اسمحوا لنا أن نفك الاشتباه بين الدور الحقيقي للأب وبين الدور المزيف، الدور الحقيقي للأب في حياة الأسرة لم يعد كما كان سابقًا، منحصرًا في أداء الواجبات المنزلية والاحتياجات المادية، وتأمين الدخل المادي وحماية الأسرة وتوفير اللوازم الأساسية، ولم يكن هناك احتكاك بين الأب والأبناء، وما ينتج عن ذلك من آثار سلبية على حياة الأطفال وتربيتهم، فكان الأب يجهل الكثير عن الأبناء، فكانت نتائج الإهمال والتجاهل تظهر جليًا عندما يكبر الطفل.

أما اليوم فقد تعدى ذلك بكثير، ليكون للأب الدور المعنوي الكبير في تربية الأطفال وإعدادهم وفق طرق وأساليب علمية تربوية منهجية، تقوم على معرفة متطلبات الطفل ومراحل نموه والمؤثرات النفسية وكل ما يتعلق بسيكولوجية الطفل، وكبر طموح الآباء في بناء جيل قويم يتمتع باستقلالية نسبية، يعتمد على نفسه، ويحس بمسؤولياته، وهو مازال في السنين الأولى من عمره، فصار يمضي جل وقته قريبًا من أطفاله، يصغي لهم ويلبي طموحهم، ليودع بذلك مرحلة سيطر فيها الجهل على سلوكه، فالسنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل مهمة خاصة على مستوى النمو الجسدي وعلى المستوى التربوي، لذا فإن وجود الأب كمعلم وتربوي في حياة الطفل يعتبر من العوامل الضرورية في تربيته وإعداده.

وبالرغم من أن الأم هي الأساس في حياة الطفل منذ الولادة فهي التي أنجبته، إلا أن دور الأب يبقى مهمًا من نوع آخر، فيقدم الحنان الأبوي ويسهر على حياة الطفل ويحميه من كل أذى بالتواصل معه والعيش قريبًا منه.. فينمو الطفل ويكبر على أسس تربوية سليمة، وبالرغم من أن الأدوار التي يؤديها كل من الأب والأم مختلفة، إلا أنها تبدو مهمة للبناء التربوي للطفل، حيث تظهر الأم الهدوء والحنان تجاه سلوكه، ويقوم الأب بدور النشاط والحيوية اللازمين لينهل منهما الطفل.

يستطرد د.عمار قائلًا: إن الدور الحقيقي وعكسه المزيف الشكلي أو الدور السطحي يقوم مقام المجاملة التعويضية النفسية عن تقصيره تجاه أبنائه، فيظهر الوجه الطيب، يكشفه الأبناء وإن طال، لأنه غير حقيقي، خاصة وقد بدأ الآباء يشاركون في المهمة التربوية للأطفال، ويسجلون حضورًا له قيمته الكبيرة في حياة الطفل. وتبقى الأم في جواره فترة أطول وتقدم له كل ما يحتاجه من وسائل الرعاية والخدمات الضرورية، فإن دور الأب خرج من الإطار التقليدي للأبوة وفق النموذج القديم، ليؤدي الأب دورًا متميزًا تجاه الطفل، ويسخِّر له أوقات فراغه، ويقيم معه علاقات صلبة من اليوم الأول لولادته، فيحميه ويتعرف على متطلباته اليومية والتربوية.

خلاصة الموضوع

وبخصوص دور الأم فلا يسع عشرات الصفحات إدراك أهميتها وضرورة دورها وتأثيره على الأبناء منذ أيام الحمل حتى ما بعد وفاتها تظل هي اللصيق الوجداني بالأبناء والضمير المميز لهم في حياتهم، فالأم بمثابة غرفة التحكم التي من خلالها يتحرك الطفل، فهي التي تغرس فيه معالم المستقبل، وتأخذ بيده إلى طريق النجاح، خاصة إذا كانت هذه الأم تعرف ملامح الطريق وتفهم دينها وترعى بيتها رعاية إسلامية متكاملة، فلابد من أن تكون الأم والمدرسة حلقتين متصلتين مترابطتين لا انفصال بينهما.

يؤكد د.عمار أنه لا يصح البتة أن تتنحى الأم عن دورها جانبًا، بسبب العمل أو الانشغالات الأخرى، وبالتالي يعاقب الزوج على حساب أبنائه الذين لا ذنب لهم في تصفية المصالح بين الزوجين.

ويعتقد د.عمار أن خلاصة الموضوع تكمن في نقطتين مهمتين :

- ضرورة تولي الوالدين مسوؤلياتهما كاملة تجاه أبنائهما في التربية والتحصين والتنشئة.

- تجنب التمثيل وارتداء قناع الوالد الحنون وارتداء الأم القناع الحازم أو العكس، تعويضًا نفسيًا، سرعان ما سيكشف زيفه الأولاد في زمن النباهة وسرعة البديهة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسلام اليوم

fiogf49gjkf0d