fiogf49gjkf0d كيف نصنع عامًا دراسيًّا متميزًا؟
د. عادل هندي
سريعًا... مضت الإجازة الصيفية، وعادت الأسر من جديد لتتجهز لاستقبال العام الدراسي الجديد، ويستقبل وطننا العربي والإسلامي هذا العام وكلُّنا أملٌ في أنْ يكون عامًا متميزًا وسعيدًا.
ولن يكون كذلك إلا إذا علت الهمم، وأفاقت القلوب، وتجهز الناس لاستقباله تجهزًا سليمًا، وأخذ الآباء والأمهات بالأسباب المؤدية للتميز والنجاح لهم ولأبنائهم، وصدق القائل:
ترجو النجاةَ ولم تسلك مسالكها إنَّ السفينة لا تجري على اليَبَسِ
الآباء وعظم المسئولية
لا شكَّ أنَّ الله- سبحانه وتعالى- عندما خلق الإنسان وجمَّله كلَّفه وحمَّله مسئوليةً تكليفيةً بالعبودية لربِّه سبحانه، ومما كُلِّفَ به الإنسانُ أنْ يراعي ربَّه فيما أُسند إليه من مسئولياتٍ ومهام، ومسئولية الأبوين معلومة للقاصي والداني؛ من رعاية الأبناء، والقيام على أمورهم بما فيه مرضات ربهم ورفعة أبنائهم وبناتهم.
وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلَّم- كما في الحديث المتفق عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما-: "أَلَا كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيت بَعْلِها وولده وهي مسئولةٌ عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسئول عنه، أَلَا فكلكم راعٍ مسئولٌ عن رعيته".
ومن منطلق الحرص على إنجاح مهمة الأبوين والأسر المسلمة في العالم العربي والإسلامي كله- يأتيكم هذا البيان التالي، متحدثًا عن مهارات وفنون صناعة عامٍ دراسي سعيد متميز رائع.
ومنها على سبيل المثال ما يأتي:
1. الأمل والتفاؤل في استقبال العام الدراسي الجديد
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، ويقول ابن مسعود- رضي الله عنه-: "أكبر الكبائر الإشراكُ بالله، والأمن من مكر الله، والقنوطُ من رحمة الله، واليأسُ من رَوْح الله"، واليأس بضاعة المفلسين.
أمَّا الناجحون فبضاعتهم الأمل، والتفاؤل، والشعور بالقدرة على التميز، والأمل في النجاح، وكما يقولون: كن جميلًا ترى الوجود جميلًا، وابتسم للحياة تبتسم لك الحياة
وكل ما نريده في بداية هذا العام أنْ نمتلئ وأبناؤنا أملًا في هذا العام، وأنَّه سيكون أكثر عملًا وروعة وتميزًا لأبنائنا بمشيئة الله تعالى.
ولنزرع هذه المعاني في أبنائنا، بل يمكن مما أقترحه عليكم- أيها السادة الآباء والأمهات- أنْ تكتبوا كلماتٍ محفزة لأبنائكم على ورقٍ، ويعلَّق بالبيت أو في غرفهم الخاصة، لاسيما التي يذاكرون فيها، وكما نحفظ قول الزعيم مصطفى كامل: "لا يأسَ مع الحياة ولا حياةَ مع اليأس".
2. الثقة بالنفس، واليقين بأنَّنا نستطيع التميز، ويستطيع أبناؤنا الترقي والتميز.
إنَّ الثقة بالنفس تولِّد إنسانًا متميزًا، وعدم الثقة بالنفس تولِّد إنسانًا مهزوزًا، والأيدي المرتعشة- كما هو معلوم- لا تبني ولا تعمِّر، ولا ترقى ولا تقوى على البناء والتميز؛ لذا ينبغي أنْ نزرع الثقة وننميها في الأبناء ونحن في بداية عامٍ دراسي جديد.
ومن بين وسائل زراعة الثقة في الأبناء أيها الآباء- مما ذُكِر في الدراسات التربوية والاجتماعية- الآتي:
أ- امدح طفلك أمام الغير.
ب- لا تجعلْه ينتقد نفسه.
ت- قل له: "لو سمحت" و"شكرًا".
ث- عامِلْه كطفل، واجعلْه يعيش طفولته.
ج- ساعدْه في اتخاذ القرار بنفسه.
ح- علِّمْه السباحة.
خ- اجعلْه ضيف الشرف في إحدى المناسبات.
د- اسألْه عن رأيه, وخذ رأيَه في أمرٍ من الأمور.
ذ- اجعل له ركنًا في المنزل لأعماله، واكتب اسمه على إنجازاته.
ر- ساعدْه في كسب الصداقات؛ فإنَّ الأطفال- هذه الأيام- لا يعرفون كيف يختارون أصدقاءهم.
ز- اجعلْه يشعر بأهميته ومكانته، وأنَّ له قدرات وَهَبَها الله له.
س- علِّمْه أنْ يصلي معك، واغرس فيه مبادئ الإيمان بالله.
ش- علِّمْه مهارات إبداء الرأي والتقديم، وكيف يتكلم ويعرض ما عنده للناس.
ص- علِّمْه كيف يقرأ التعليمات ويتبعها.
ض- علِّمْه كيف يضع لنفسه مبادئ وواجبات ويتبعها وينفذها.
ط- علِّمْه مهارة الإسعافات الأولية.
ظ- أجب عن جميع أسئلته.
ع- أوفِ بوعدك له.
غ- علِّمْه مهارة الطبخ البسيط؛ كسلق البيض، وقلي البطاطا، وتسخين الخبز وغيرها.
ف- عرِّفْه بقوةِ البركة، وأهمية الدعاء.
ق- علِّمْه كيف يعمل ضمن فريقه.
ك- شجِّعه على توجيه الأسئلة.
ل- اجعله يشعر أنَّ له مكانة بين أصدقائه.
م- أفْصِح عن أسباب أي قرار تتخذه.
ن- كن في أول يوم من أيام المدرسة معه.
هـ- ارْوِ له قصصًا من أيام طفولتك.
و- اجعل طفلك يلعب دور المدرس وأنت تلعب دور التلميذ.
ى- علِّمْ طفلك كيف يمكن العثور عليه عندما يضيع.
أأ- علِّمْه كيف يرفض ويقول "لا" للخطأ.
بب- علِّمْه كيف يمنح ويعطي.
تت- أعْطِه مالًا يكفي ليتصرف به عند الحاجة.
ثث- شَجِّعْه على الحفظ والاستذكار.
جج- علِّمْه كيف يدافع عن نفسه وجسده.
حح- اشرح له ما يسأل عنه من شبهات وشكوك في نفسه.
خخ- لا تهدِّدْه على الإطلاق.
دد- أعْطِه تحذيراتٍ مسبقة.
ذذ- علِّمْه كيف يواجه الفشل.<fiogf49gjkf0d /FONT>
رر- علِّمْه كيف يستثمر ماله.
زز- جَرِّبْ شيئًا جديدًا له ولك في آنٍ معًا مع معرفة النتائج مسبقًا.
سس- علِّمْه كيف يصلح أغراضه ويرتبها.
شش- شاطِرْه في أحلامه وطموحاته، وشجعه على أنْ يتمنى.
صص- علِّمْه عن اختلاف الجنسين بين الذكر والأنثى من وحْي آيات القرآن الكريم.
ضض- علِّمْه القيم والمبادئ السليمة والكريمة.
طط- علِّمْه كيف يتحمل مسئولية تصرفاته.
ظظ- امدحْ أعماله وإنجازاته وعلِّمْه كتابتها.
عع- علِّمْه كيف يتعامل مع الحيوان الأليف.
غغ- اعتذرْ له عن أي خطأ واضح يصدر منك.
فف- اجعلْ له يومًا فيه مفاجآت.
قق- عوِّدْه على قراءة القرآن كل يوم.
كك- أخْبِرْه أنَّك تحبه، وضمه إلى صدرك؛ فهذا يزرع فيه الثقة بنفسه، ولا تتردد في أنْ تكون صديقه.
3. الحذر من تكرار أخطاء العام الماضي؛ من الصحبة السيئة، أو تضييع الأوقات، أو اللهو واللعب غير المفيد، بل والمضيع لأعمارنا.
لا شكَّ أنَّ الحياة تجارب، وقد تكون التجارب أحيانًا قاسية، ولكنها صارت كذلك حتى يتعلَّم منها الإنسانُ كيف يجتنبها، وطرق التغلب عليها، وعدم العودة إليها، وهذا ما نوجه النظر إليه من خلال الأسرة؛ لابد أنْ يتعلَّم أبناؤنا أنَّ الحياة مليئة بالإيجابيات والسلبيات، وعلينا أنْ نكثر من الإيجابيات، وأنْ نجتنب السلبيات ولا نقع فيها من جديد.
انظر- أيها الأب والأم وأنت أيها الطالب- في عامك الماضي: ما هي أكثر الأشياء سلبية مرَّتْ بك في العام الدراسي الماضي، مثل: "الصحبة السيئة، الفراغ، وضياع الأوقات، اللعب غير المباح، ذنوب ما،..."، وهكذا يتم حصر هذه السلبيات والحذر منها لئلا تتكرر من جديد.
لن نَأْسى على ما فات، لكنْ لا يكون يومنا الجديد كمثل الذي فات؛ (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
4. الرؤية الراشدة للمستقبل.
ازرعوا في أبنائكم أيها الآباء الطموح في المستقبل والنظرة المستقبلية، لابد أنْ نُعِدَّهم بهذه الطريقة؛ كمثل طريقة "هند بنت عتبة"- رضي الله عنها- وهي تعد ولدها معاوية، عندما مرَّ عليها رجل من قريش، فقال لها وهي تلاعب ولدها معاوية: "إني لأتوسَّم يا هند أنْ يسود ولدُك هذا العربَ، فقالت: ثَكِلَتْه أمُّه إنْ لم يسد الدنيا كلَّها"؛ وكمثل أم محمد الفاتح وهي تربيه على أنَّه الأمير الذي سيكبر يومًا من الأيام، ويفتح الله على يديه القسطنطينية، ويكون خير الأمراء، وكان "محمد" السلطان العثماني بن "مراد الثاني" السلطان والأمير العثماني.
إنَّها الرؤية للمستقبل، لماذا لا نربي أبناءنا على أنْ يكون منهم أشهر مهندسٍ مسلم في العالم، وأنْ يكون منهم عظيمُ الكيمياء، أو المبدع العربي المسلم الذي ليس له مثيل؟.
وهكذا فلْنُرَبِّ أبناءنا على هذه المعاني والرؤية المستقبلية؛ حتى إذا ما بدأ مذاكرةً أو اجتهادًا كانت الدرجات العليا له في الدنيا، وإنْ شاء الله يقودك أيها الأب وأنت أيتها الأم إلى الدرجات العلى في الآخرة.
5. التخطيط والجدولة.
من الأهمية بمكان أنْ تخطط الأسرة المسلمة للعام الدراسي الجديد؛ فليس هناك أهمُّ من أبنائنا نخطط لهم ونساعدهم في رسم طريق حياتهم بصورة سليمة؛ ينبغي عمل جدول تنفيذي للأعمال والمهام المدرسية والدراسية، والاجتماعية، والترفيهية كذلك، ولا مانع من كتابة ذلك ووضعه في غرفة الأبناء والبنات، كلٌّ على حِدَة.
إنَّ الأسرة العاقلة هي التي تبادر قبل أنْ يفوت الوقت، وتندم على فوات وضياع رأس مال الإنسان "وقته".
وهذا تصور مقترح لجدولة أيام ومواعيد الأبناء والبنات، على النحو التالي:
اليوم |
بعد الفجر |
بعد الظهر |
عصرًا |
بعد المغرب |
بعد العشاء |
ملاحظات وأعمال إضافية |
السبت |
|
|
|
|
|
|
الأحد |
|
|
|
|
|
|
الاثنين |
|
|
|
|
|
|
الثلاثاء |
|
|
|
|
|
|
الأربعاء |
|
|
|
|
|
|
الخميس |
|
|
|
|
|
|
الجمعة |
|
|
|
|
|
|
6. اختيار الصحبة الصالحة لأبنائنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله..."، وفي الحديث المشهور الذي رواه البخاري: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك: إما أنْ يحذيك، وإما أنْ تبتاع منه، وإما أنْ تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير: إما أنْ يحرق ثيابك، وإما أنْ تجد ريحًا خبيثةً".
عليكم أيها الآباء ألَّا تتركوا أبناءكم في مهب الريح يخطفهم أصدقاء السوء يمينًا أو يسارًا، لابد من مراقبتكم لأصحاب أبنائكم، ولن يتحقق ذلك إلا إذا صاحبتم أبناءكم، مصاحبةً وصداقة حقيقية في المذاكرة واللعب والعواطف والمشاعر والاحتياجات.
علِّموا أبناءكم جزاء الصحبة الصالحة، وأثرها عليهم في الدنيا والآخرة؛ لاسيما في الدنيا: ذكر لله، ولقاء على طاعته، وبشرى أمل، ونجاح، وتفوق، وتميز، ورفعة اسم أمام الناس، وخلق فاضل، ووُدٌّ، ومشاعر طيبة.
وبيِّنوا لهم مخاطر الصحبة السيئة، ومخاطرها عليهم في الدنيا والآخرة؛ وذلك من خلال القصة- التي لها أثر رهيب على النفس البشرية.
7. تجهيز وإعداد حاجات الأبناء للدراسة.
من أهمِّ ما يميز طريقة المسلمين في أنحاء الأرض في استقبال العام الدراسي الجديد- شراء احتياجات الأبناء للدراسة والتعلُّم، كـ "شنطة المدرسة، والكراسات والكشكول، والأقلام وخلافه"، وفي الحقيقة في هذا الباب بالذات يمكن تعليم قيم عظيمة للأبناء كالآتي:
أ- الشعور بحرمان الآخرين، وضرورة العطف على الأطفال الأيتام.
ب- عدم الإسراف والتبذير عند الشراء؛ لأنَّ الله لا يحب المبذرين أو المسرفين.
ت- ضرورة تجهيز حاجاتنا للانطلاق مع العام الدراسي؛ كضرورة تجهيز ملابس السفر إذا أردنا السفر، فيمكن معه التَّذكِرة بالسفر الطويل الذي لا عودة من ورائه، قد يقول قائل: ولماذا نذكِّر أبناءنا بذلك ونحزنهم في بداية عام دراسي جديد؟ أقول: يا إخوان لا يليق بنا كمسلمين أنْ نضيع فرص التعلم والتدريب على كل شيء.
ث- يمكن شراء حاجاتٍ لأطفال أقارب أو جيران وتهدى إليهم، أو تعطيها أنت لأبنائك يهدون غيرهم بأسلوب جميل، يتعلمون من خلالها حب الآخرين وإسعاد الناس.
ج- يمكن أخذ مشورتهم عند الشراء واحترام رأيهم، وهذا من باب التقدير وكذلك الإشعار بالقيمة؛ مما يجعلهم أكثر ثقة بالنفس، وأكثر قدرة على استغلال الطاقات.
هكذا، يمكن الاستفادة من عامٍ دراسي جديد، وكذا يمكننا أنْ نحوِّله إلى عامِ جهادٍ ونجاحٍ وتميز وتفوق بإذن الله تعالى، وفوق هذا وذاك لا ننسَ الإخلاص والمراقبة لله تعالى، وضرورة زرع التواضع في أبنائنا وبناتنا، والشعور بنعمة الله تعالى علينا، وشكران هذه النعم باستخدامها فيما يرضي الله تبارك وتعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم |