التربية بالرعب
أ/ متعب الودعاني
“سأقطع لسانك إن سمعت صوتك”.. ” سأسلخ جلدك أن تحركت من مكانك” ..”سأحرقك بالنار إن كررتها”..”سأكسر هذه العصا على رأسك إن فعلتها” ، لعل جميع العبارات السابقة معروفة لدى الكثير منا، فاستعمالها في البيت أو المدرسة أصبح شائعا عندنا، ولا أبالغ إن قلت أن استخدام مثل هذه الألفاظ هو الأسلوب الأكثر انتشارا في المنطقة لتربية الأولاد ومع كل هذا التهديد والتخويف إلا أن الحالة الأخلاقية أو التربوية للجيل الحالي لم تتحسن بل زادت سوءا وبدأنا نرى ونسمع عن بعض السلوكيات التي لم يكن يخطر ببالنا أن نراها من قبل فلماذا لم يجدي هذا الأسلوب نفعا ؟
إجابة هذا السؤال هي التجربة التي قام بها أحد أطباء علم النفس، ففي إحدى رياض الأطفال تم إجراء هذه الدراسة العجيبة على شعبتين (فصلين) من شعب الروضة، ففي الشعبة الأولى تم تنبيه الطلاب بأسلوب الإقناع على خطورة اللعب بإحدى الألعاب المتوفرة في الروضة.
وكنتيجة طبيعية استجاب قسم من الطلبة والقسم الآخر لم يبالي و لعب باللعبة ، كانت الخطوة التالية هي توعية هؤلاء الذين لم يتبعوا تعليمات مدرسة الفصل ، وتكررت التجربة يوميا على مدار أسبوعين حتى لم يعد أحد من الأطفال يقترب من تلك اللعبة.
أما الشعبة الثانية ، فقد تم تحذير الأطفال من اللعب بتلك اللعبة و تم تهديدهم بأقسى عبارات التهديد .وعندما رأى الأطفال اللعبة قسم منهم امتنع عن اللعب بها خوفا من التهديد وقسم آخر لم يجدي معه التهديد نفعا، فكانت الخطوة التالية هي تعنيف الذين حاولوا اللعب بتلك اللعبة وتهديدهم بالضرب المبرح والعقاب الأليم إن هم أعادوا الكرة ، وخلال أيام كانت تلك اللعبة خالية تماما من الأطفال.
وبعد مروا أسبوعين على التجربة، تم إخبار طلاب الشعبة الأولى أنهم بإمكانهم اللعب بتلك اللعبة وأن ذلك لن يترتب عليه اتخاذ أي شيء ضدهم، وهنا كانت المفاجأة .. حيث أن جميع الأطفال امتنعوا عن اللعب بتلك اللعبة اقتناعا منهم بخطورتها.
أما الشعبة الثانية فقد تم إعلان إلغاء جميع العقوبات المترتبة على اللعب بتلك اللعبة، وهنا كانت المفاجأة الأكبر.. حيث تسابق الأطفال كلهم للعب بتلك اللعبة وتركوا بقية الألعاب فارغة.
لعل هذه التجربة تفسر لنا كثير من الظواهر التي نعيشها في حياتنا اليومية،فأسلوب التربية بالتهديد و التنكيل يجعل عند الطفل أو المراهق يمتنع عن فعل الخطأ خوفا من العقاب فإذا ما زال العقاب أو أداة العقاب أو الشخص المكلف بالعقاب تحرك في قلب هذا الطفل أو المراهق حب هذا الخطأ فلا يتوانى عن الوقوع فيه بل والتشبع منه.
وبالتالي فإن الوازع الداخلي لديه يكون في حالة غيبوبة تامة ، أما من يقلع عن الخطأ نتيجة الحوار والاقتناع بأن هذا التصرف هو تصرف خاطئ فإنك تجده لا يكترث إن غاب الرقيب أم حضر، فباعثه على الإقلاع عن التصرف هذا أو ذاك هو قناعته الداخلية بأن هذا تصرف خاطئ.
لذا فليس من الغريب ما نعاينه يوميا من تمرد بعض المراهقين في الشوارع والأسواق فهو ردة فعل عن أسلوب الترهيب والتهديد، وأيضا ما هو إلا نتائج هذا الأسلوب التربوي العقيم الذي لا يربي الوازع الداخلي بل يقتله.
باعتقادي أن التجربة هذه جديرة بالدراسة والتحليل ومن الضروري جدا أن يطلع عليها الآباء والمدرسين حتى لا يكون الجيل القادم بلا وازع داخلي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متابعات fiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |