التجربة الأولى ..مأساة أم مجرد فشل..
أ . عبير النحاس
كنت أستطيع وصف تجربتي الأولى في صنع الكعكة الإسفنجية بأنها مأساة، و كنت أستطيع أن أقول عنها أنها مجرد تجربة فاشلة أو أنها مغامرة غير مرضية أو أنها أي شيء آخر لولا أنها كانت سببا في ابتعادي حتى هذه الساعة عن المحاولة من جديد، وهذا ما دعاني لأن أصفها بأنها مأساة حقيقية، فقد ابتعدت منذ ذلك الوقت عن صنع الكعكات الإسفنجية بأنواعها ورحت أصنع تلك التي تشبه الكيك وأتفنن في تزيينها وحشوها، ولكن رغبتي في صنع النوع الإسفنجي منها كانت حاضرة دوما، و كانت تجربتي المحبطة حاضرة أيضا مع خوفي من تكرار فشلي في إعدادها من جديد.
فشلت أيضا بعد زواجي في طهو بعض الأكلات، وما زال أول طبق بامياء باللحم ماثلا في مخيلتي بكل بؤسه، فقد قمت بقلي قرون البامياء أكثر من اللازم ولم أنتظر نضج اللحم المسلوق بشكل تام ولم أترك الطبق على نار هادئة حتى ينضج جيدا. لقد كانت تجربة فاشلة أخرى، والفرق بين التجربتين هو أنني لم أصنع الكعكة مرة أخرى بينما اضطررت لطهو البامياء مرات كثيرة لأنها طبق رئيس في المطبخ السوري، والكثيرون يعشقونها ومنهم زوجي وهذا ما اضطرني لإعادة التجربة و نجحت، وغدا من الأطباق التي أتميز بها فأقوم بقلي البامياء بخفة وأترك اللحم حتى ينضج وأضيف كمية مناسبة من فصوص الثوم المقطعة وأختار حبات الطماطم الجيدة وفي الحقيقة لقد كنت أعتني بطبقي هذا وأعده بحب بينما نسيت أمر الكعكة لأنني لم أضطر يوما لإعدادها مع وجود بديل في الأنواع الأخرى أو في السوق.
ربما تنطبق حكايتي على أمور أخرى نعيشها في حياتنا، ومنها ما يحصل معنا في المدرسة ويخص أمورنا الدراسية، فقد تكون لنا تلك التجربة السيئة مع درس لم نفهمه أو مدرس لم نحاول فهم قسوته، وقد حصل هذا معي عندما كنت في الصف الرابع ويومها علمتنا المدرسة طريقة القسمة على عدد أو أكثر، وكانت سريعة في خطواتها ولست أدري لم شعرت أنها هي أيضا لم تكن منسجمة مع درسنا الذي طرح طريقة جديدة في عملية القسمة لم تكن موجودة في المناهج القديمة، ولم تكرر معلمتنا التجربة بما يكفي، و اكتفت بالتمارين الموجودة في الكتاب، وتجاوزت الدرس نحو دروس أخرى.
لم أفهم يومها الطريقة جيدا، وخسرت بعض الدرجات في الامتحان، ولكن المشكلة تجلت في السنة الدراسية الجديدة؛ فقد كانت عملية القسمة حاضرة وكان الأولاد يقومون بها بسهولة وكدت أكره الرياضيات جميعها لولا مساعدة تلقيتها من أحدهم، وتمارين كثيرة قمت بحلها حتى صارت عملية القسمة صديقة من أصدقائي.
وعندما كنت صبية في بيت أهلي كانت والدتي هي من يهتم بأمور الكي، وكانت تقوم بكي جميع قطع الملابس بنفسها ولم تطلب مني أو من أخواتي مساعدتها يوما، وكانت تفعل هذا مع ملابسنا أيضا، ويدفعها حرصها على مظهرنا للعمل بنفسها، ولكنني في النهاية اضطررت للوقوف أمام طاولة الكي بعد زواجي، وكان بنطال زوجي هوأول قطعة تقف أمامي وكان الصراع مريرا بيننا وانتهى بدموعي.
لم أتوقف عن الكي بالطبع ولم أتوقف عن الطهو، وما زلت أساعد أولادي في دراستهم وتمر عملية القسمة بسلاسة في تلك الساعات، وقد علمتني تلك القصص درسا جميلا لعله من أهم الدروس التي يجب على المرء تعلمها منذ نعومة أظفاره، وهو أن المرة الأولى قد تبدو صعبة والفشل فيها لا يتعدى كونه تجربة غير ناجحة، ولكنه سيتحول إلى مأساة حقيقية عندما يصيبنا الإحباط ونتوقف عن المحاولة من جديد مرة بعد مرة. fiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |