الداعية ومحاسبة النفس
ضيف الحوار/ أ. الداعية صلاح نور .
أجرت الحوار/ المحررة. أمينة سلامة .
إن نفس الإنسان المسلم بحاجة إلى تهذيب حتى تستقيم,وتكون نفساً مطمئنة تدعوه إلى الخير وتحببه فيه وتنهاه عن المنكر وتنفره منه,والنفس دائماً بحاجة إلى قائد حتى يهذبها ويذكرها بتقصيرها؛فإذا كان هذا حال الإنسان العادي فما بالنا بالدعاة إلى الله الذين يحملون هم الدعوة إلى الله فهم أشد الحاجة إلى محاسبة أنفسهم حتى يستطيعوا أن يؤثروا في غيرهم ويصلحوا أحوال الناس؛ فقد نصح الأمام علي رضي الله عنه الأئمة والدعاة والمصلحين فنادى عليهم قائلاً:(من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتهذيب نفسه قبل تهذيب غيره، وليكن تهذيبه بسيرته قبل تهذيبه بلسانه،ومعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم)فما أحوج أنفسنا إلى المحاسبة الدقيقة والمعاقبة الشديدة لكي تتوب وتستقيم قبل فوات الأوان؛فمتى يحاسب الداعية نفسه؟وكيف؟ وما هي الأسباب التي تعينه على ذلك؟ دعوتها تطرح هذه التساؤلات وغيرها الكثير على ضيفنا الشيخ الداعية/ "صلاح نور" من خلال الحوار التالي :
س1/ البطاقة التعريفية لضيفنا الكريم ؟
الاسم: صلاح بن نور الدين نور .
العمل: أعمل خطيباً وواعظاً بوزارة الأوقاف والشئون الدينية بغزة.
الدرجة العلمية: حاصل على درجة البكالوريوس في أصول الدين من الجامعة الإسلامية بغزة, وأدرس حالياً ماجستير في الحديث الشريف من نفس الجامعة.
الأنشطة الدعوية:"إعطاء دروس, ودورات وعظية,وفقهية,وعلمية في مساجد متعددة" .
المؤلفات: لي مؤلف واحد اسمه (تذكير أهل المعمورة بطائفة من السنن المهجورة),وسيصدر قريبا بإذن الله كتاب (شعاع الضوء في فقه وأحكام الوضوء) .
س2/ حديثنا اليوم سيكون عن محاسبة النفس للداعية المسلم فلنستهل حوارنا بتعريف المحاسبة كيف يمكن أن نعرفها ؟
تعريف المحاسبة: هو مراجعة النفس لكل ما تقوم به من عمل دنيوي وأخروي من حيث القصد والنية .
س3/ لعلي اسأل, كيف أحاسب نفسي ؟
أولاً: من صفات المسلم الحق أنه كثير المحاسبة والمراجعة لنفسه فقد قال تعالى:{وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة2],قال الحسن البصري: (لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا أردت بكلمتي هذه ماذا أردت بكلمتي, وأما الفاجر فانه يمضى قدماً لا يعاتب نفسه) .
فمحاسبة النفس بشير خير ودلالة حق لصاحبها بإذن الله وأما المحاسبة فإنها تتم بالوقوف مع النفس لحظات لاسيما قبل النوم يسأل نفسه ماذا صنع في يومه هذا من الخير وماذا قدم فيه لدين الله فطريق المحاسبة أول درجة في سلم الصعود إلى الله كما قال ابن القيم، وهناك ما يعرف بالمحاسبة الآنية واللحظية؛أي يحاسب الإنسان نفسه في كل لحظة وبعد كل عمل مباشرة لا ينتظر موعد النوم, وهذا فعل المقربين ودأب الصديقين لا يتوصل إليه الإنسان إلا بعد مشوار طويل من الرحلة إلى الله تعالى .
س4/ سبب محاسبة النفس ؟وهل يجب أن تكون خالصة لوجه الله تعالى ؟وما فوائدها؟
الفائدة كل الفائدة في محاسبة النفس ولو لم يكن في محاسبة النفس إلا إتباع السلف الصالح والسير على هديهم في هذا الخلق لكفى فهذا عمر رضي الله عنه وهو ازهد الناس يحاسب نفسه كان يقول لنفسه: ( والله لتتقِ الله يا عمر أو ليحاسبنك الله ويكرر ذلك) عمر الذي قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا,وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم)، وهذا يزيد الرقاشي يحاسب نفسه : (ويحك يا يزيد من ذا يصلى عنك بعد الموت من ذا يصوم عنك بعد الموت من ذا يصوم عنك بعد الموت),وهكذا.
وأما عن الفوائد المرجوة من محاسبة النفس:
1/ أن يعرف الإنسان نعمة ربه عليه فيزداد شكراً لله تعالى .
2/ يعرف تقصيره وعيوبه فيجتهد في معالجتها .
3/ بالمحاسبة يزول التقصير وتعلو الهمة نحو الرب الكبير.
س5/ أمر الله تعالى عباده المؤمنين بمحاسبة النفس وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون* وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر 18-19],لنبحر معاً في تفسير تلك الآية الكريمة؟ ما أثر ذلك على المسلم؟
في هذه الآية إشارة إلى تقوى الله تعالى في كل سكنة وحركة,والنظر والمحاسبة فيما قدم الإنسان للآخرة من عمل صالح؛فالمحاسبة طريق للتقوى التي حثت عليه الآية المباركة فقد قال ميمون بن مهران: (لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه)؛فهلا سألنا أنفسنا ماذا قدمنا ليوم القيامة يوم الحسرة والندامة؟هل تزودنا لهذا اليوم الشديد؟ فليسال كل واحد منا نفسه أين أنا من صلاة الجماعة, وقيام الليل,وقراءة القرءان,وصلة الأرحام,والصدقة,وما هو رصيدي من هذه الأعمال الصالحة التي تنفع صاحبها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
س6/ قد يتخذ البعض من العام الهجري الجديد أو رمضان وغيره من المناسبات فرصة متجددة لمحاسبة النفس؛فهل هناك وقت محدد لمحاسبة النفس ؟
بعض الناس يعتقد أن محاسبة النفس موسمية إما في بداية العام الجديد,أوفى شهر رمضان المبارك,وهذا خطأ كبير؛لأن محاسبة النفس يجب أن تكون باستمرار وفى كل يوم فلا يترك الإنسان نفسه بلا محاسبة منتظراً موسماً من مواسم الرجوع إلى الله؛ فلا والله فليس هذا فعل الصالحين ولا المقربين بل المحاسبة وراء كل عمل هو الأجدى والأنفع والأحسن قبولاً عند الله تعالى وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه، و عمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني) . حديث صحيح
س7/ برأيكم ما هي الأسباب المعينة على محاسبة النفس ؟
العلم بأن طريق النجاة والسلامة والفوز في الآخرة هي محاسبة النفس وان الإنسان إذا ترك نفسه بلا محاسبة فانه سيهلك من حيث لا يشعر؛لأن النفس مجبولة على حب السوء وجانحة دوماً للراحة والكسل؛فبالمحاسبة ينقها من سوءها ودرنها,ومن الأسباب المعينة:
1/ أن يعلم أن السلف الصالح ما ساروا إلى الله وما وصلوا إلى الله؛إلا بمحاسبة أنفسهم وإدانتها ومراجعتها بين اللحظة والأخرى, وإلا ما وصلوا إلى تلك المرحلة من الإيمان والتقوى والعمل الصالح .
2/ الصحبة الصالحة فإن الإنسان إذا أراد ربه به خيراً يسر له صحبة صالحة تذكره دائماً بمراجعة نفسه, وأن يقف عند حدودها وضوابطها فينضبط بما حد لها ولا يزيد .
س8/ أتجد الداعية السعادة في محاسبة نفسها ؟وهل تختلف محاسبة النفس عند الداعية المبتدئ عن الداعية صاحب المسيرة الطويلة في الدعوة؟
بالتأكيد ستجد سعادة غامرة؛فالمسلم يسعد إذا رزقه الله بشيراً ونذيراً من نفسه, ويعلم أن الله أراد به خيراً,وستسعد أكثر عندما ترى النتيجة ملموسة والتقدم ملموس وملحوظ؛فالمحاسبة طريق السعادة في الدنيا والآخرة .
س9/ حين تغفل الداعية عن محاسبة نفسها لتحاسب غيرها ما أثر ذلك على مسيرتها ؟
إن من انشغل بعيوب الآخرين عن عيبه لهو الممقوت حقاً ولن يفلح أبداً لا في دنيا ولا آخرة؛ لأنه إنسان مغرور يعتقد أنه خالٍ من النقائص والعيوب؛فلهذا تفرغ لعيوب الآخرين ولكن المؤمن الحق يعلم أنه لن يصل للكمال وأنه ملئ إلى جوفه عيوباً كان من كان فعليه أن ينشغل دائماً بإصلاح نفسه وإصلاح عيبه؛ فما للإنسان وعيوب الآخرين!؟ فإن واجب الإنسان تجاه غيره أن ينصحه فقط بأيسر عبارة,وأوجز أسلوب أما أن يغفل عن نصيحة نفسه ويتفرغ لنصح الآخرين فإن هذا لا يستقيم عقلاً ولا شرعاً .
س10/ وصيتكم للداعيات في ختام هذا اللقاء ؟
الاهتمام بالعلم الشرعي من الكتاب والسنة, وأن يحرصوا على نشر العلم بين الناس من خلال الدروس والندوات والابتعاد عن الأحاديث الضعيفة والقصص الواهية التي ملأت الكتب وتناقلها الناس جيلاً بعد جيل,وعليهن الحرص على همة العبادة,وذلك من خلال صيام النوافل, والمحافظة على السنن الرواتب,وقراءة القرآن وألا يزيد ختمه عن شهر,وقيام الليل ولو بقصار السور,وكثرة المحاسبة؛فإنها طريق النجاة فهذا الإمام أحمد يقول: (مكتوب في حكمة داود: حق على العاقل أن يكون له كل يوم أربع ساعات وذكر منها: ساعة يحاسب فيها نفسه).
وأذكر أخيراً بقول الحسن: (إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا؛ فالمؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه دائماً وأبداً).
هذا وبارك الله فيكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موقع دعوتها fiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |