القيم الدينية والاجتماعية وأثرها في تعديل السلوك
مقدمة:
الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الجماعة فهو منذ أن يولد يمر بجماعات مختلفة فينتقل من جماعة إلى أخرى محققاً بذلك إشباع حاجاته المختلفة، والمجتمع يمثل المحيط الذي ينشأ فيه الطفل اجتماعياً وثقافياً، وبذلك تتحقق التنشئة الاجتماعية من خلال نقل الثقافة والمشاركة في تكوين العلاقات مع باقي أفراد الأسرة بهدف تحقيق تماسك المجتمع.
وللمجتمع عدة معايير وملامح مميزة له وتتمثل: بالمعايير والمكانة والمؤسسات والثقافة.
والعائلة هي أول عالم اجتماعي يواجهه الطفل، وأفراد الأسرة هم مرآة لكل طفل لكي يرى نفسه والأسرة بالتأكيد لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية، ولكنها ليست الوحيدة في لعب هذا الدور ولكن هناك الحضانة والمدرسة ووسائل الإعلام والمؤسسات المختلفة التي أخذت هذه الوظيفة من الأسرة، لذلك قد تعددت العوامل التي كان لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية وتعديل السلوك
تعريف تعديل السلوك :
هو عملية تقوية السلوك المرغوب من ناحية وإضعاف أو إزالة السلوك غير المرغوب من ناحية أخرى ويتم ذلك من خلال تغيير الظروف البيئية والاجتماعية أو تعديلها .
ما هي الاستراتيجيات المفيدة في تغيير السلوك :
1ـ قوانين البيت :
تكتب على ورقة وتغلفها جميع القوانين التي تريد الجميع عدم تجاوزها ويفضل أن تشركهم في وضعها حتى لا يظن الطفل أنه يعيش رعاية جبرية بل ليتعلم القوانين والمشاركة في وضعها والعمل الجماعي والشورى والنظام
2ـ التعاقد السلوكي :
بكل سهولة كما هو مكتوب "التعاقد" يعني عقد بينك وبين طفلك تشتركان في كتابته ليتحمل بعد ذلك مسؤولية سلوكه وليتخذ القرار بنفسه وهذا العقد فرق بينه وبين "التعهد" الذي غالبا ما يكتبه المعلمون والمرشدون في المدارس على الطلاب فهو بمثابة سيطرة من جانب واحد وإملاء بنود وشروط من طرف المعلمين بينما التعاقد يختلف عنه في أن الطرفين مشتركان في كتابة البنود
3ـ مدح النموذج " القدوة الحسنة " :
عليك بمدح طفلك الذي يمتاز بسلوك حسن أمام أخيه حتى يقوم أخوه بتقليده ليحظى بمديحك وكن حريصا على أن تمدح إذا قلّد أخيه ورضيت على سلوكه .
العوامل المؤثرة في السلوك:
1- الدين:
يؤثر الدين بصورة كبيرة في عملية التنشئة الاجتماعية لذلك يحرص كل دين على تنشئة أفراده حسب المبادئ والأفكار التي يؤمن بها.
2- الأسرة:
هي الوحدة الاجتماعية التي تهدف إلى المحافظة على النوع الإنساني فهي أول ما يقابل الإنسان، وهي التي تساهم بشكل أساسي في تكوين شخصية الطفل من خلال التفاعل والعلاقات بين الأفراد، لذلك فهي أولى العوامل المؤثرة في التنشئة الاجتماعية، ويؤثر حجم الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية وخاصة في أساليب ممارستها حيث أن تناقص حجم الأسرة يعتبر عاملاً من عوامل زيادة الرعاية المبذولة للطفل.
3- نوع العلاقات الأسرية:
تؤثر العلاقات الأسرية في عملية التنشئة الاجتماعية حيث أن السعادة الزوجية تؤدي إلى تماسك الأسرة مما يخلق جواً يساعد على نمو الطفل بطريقة متكاملة.
4- الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة:
تعد الطبقة التي تنتمي إليها الأسرة عاملاً مهماً في نمو الفرد، حيث تصبغ وتشكل وتضبط النظم التي تساهم في تشكيل شخصية الطفل، فالأسرة تعتبر أهم محور في نقل الثقافة والقيم للطفل التي تصبح جزءاً جوهرياً فيما بعد.
5- الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسرة:
لقد أكدت العديد من الدراسات أن هناك ارتباط إيجابي بين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للطفل وبين الفرص التي تقدم لنمو الطفل، والوضع الاقتصادي من أحد العوامل المسئولة عن شخصية الطفل ونموه الاجتماعي.
6- المستوى التعليمي والثقافي للأسرة:
يؤثر ذلك من حيث مدى إدراك الأسرة لحاجات الطفل وكيفية إشباعها والأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع الطفل.
7- نوع الطفل (ذكر أو أنثى) وترتيبه في الأسرة:
حيث أن أدوار الذكر تختلف عن أدوار الأنثى فالطفل الذكر ينمى في داخله المسئولية والقيادة والاعتماد على النفس، في حين أن الأنثى في المجتمعات الشرقية خاصة لا تنمى فيها هذه الأدوار، كما أن ترتيب الطفل في الأسرة كأول الأطفال أو الأخير أو الوسط له علاقة بعملية التنشئة الاجتماعية سواء بالتدليل أو عدم خبرة الأسرة بالتنشئة وغير ذلك من العوامل.
8ـ جماعة الرفاق:
حيث الأصدقاء من المدرسة أو الجامعة أو النادي أو الجيران وقاطني نفس المكان وجماعات الفكر والعقيدة والتنظيمات المختلفة ، ويتلخص دورها في تكوين معايير اجتماعية جديدة وتنمية اتجاهات نفسية جديدة والمساعدة في تحقيق الاستقلال، وإتاحة الفرصة للتجريب، وإشباع حاجات الفرد للمكانة والانتماء.
9ـ ثقافة المجتمع:
لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة له والتي تكون لها صلة وثيقة بشخصيات من يحتضنه من الأفراد، لذلك فثقافة المجتمع تؤثر بشكل أساسي في التنشئة وفي صنع الشخصية القومية.
10ـ وسائل الإعلام:
لعل أخطر ما يهدد التنشئة الاجتماعية الآن هو الغزو الثقافي الذي يتعرض له الأطفال من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التليفزيون، حيث يقوم بتشويه العديد من القيم التي اكتسبها الأطفال إضافة إلى تعليمهم العديد من القيم الأخرى
11ـ المدرسة:
هي المؤسسة الاجتماعية الرسمية التي تقوم بوظيفة التربية، ونقل الثقافة المتطورة وتوفير الظروف المناسبة لنمو الطفل جسمياً وعقلياً وانفعالياً واجتماعياً، وتعلم المزيد من المعايير الاجتماعية، والأدوار الاجتماعية.
12ـ دور العبادة:
تعمل دور العبادة على تعليم الفرد والجماعة التعاليم والمعايير الدينية التي تمد الفرد بإطار سلوكي معياري، وتنمية الصغير وتوحيد السلوك الاجتماعي، والتقريب بين الطبقات وترجمة التعاليم الدينية إلى سلوك عملي.
أثر القيم الدينية والاجتماعية في تعديل السلوك:
ظهر في السنوات الأخيرة كم هائل من الدراسات والأبحاث التجريبية المنضبطة التي تشير جميعها إلى إن السلوك الإنسان لا يتغير من خلال التوجيهات والنصائح أو كثرة الوعظ والكلام عن القيم النبيلة والفضائل والآداب الرفيعة .. فبالرغم من أهمية هذه النصائح والتوجيهات إلا أن أثرها الفعلي في تعديل التفكير وتغيير الاتجاهات والسلوك يظل محدودا ما لم يرتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات طويلة وتدعم من البيئة المحيطة لضمان تكرارها وتثبيتها حتى تتحول إلى عادات راسخة في السلوك الإنساني ..
ويصدق هذا بالطبع بل ويصبح أكثر إلحاحا في عصرنا هذا .. عصر السرعة والتعجل والتشويش الذهني الناتج عن تأثير الثقافات والسلوكيات الواردة إلينا من الشرق والغرب ، وحالة عدم التوازن وفقدان القدرة على تحديد الأهداف ومواصلة السعي لتحقيقها التى اصبحت ايضا من العوامل التى تؤكد على ان التغيير الايجابى المنشود لن يأتى ابدا من خلال الخطاب الوعظى اوالتوجيهات الصارمة او العلوم والمحفوظات النظرية المنفصلة عن الواقع ، والتى تجعل الناس تعيش فى منظومة لا نهائية من الازدواجيات والتناقضات ..
إن السلوك والعادات لا تستقر وتستمر إلا من خلال أساليب وتطبيقات عملية قادرة على تحويل المعاني والمفاهيم الأخلاقية إلى أنماط ثابتة من السلوك تقوم على مفاهيم وأفكار ايجابية يحرص المجتمع على مكافئتها وتدعيمها حتى تتأصل وتستمر
وإن ما يسمعه الشباب من نصائح وتعاليم مرسلة وخطب نارية يتبخر من الذهن بعد دقائق تحت تأثير التشويش الذهني وزحام الحياة وضغوطها .. وارتباك التفكير وتداخل القيم وعدم وضوح الأهداف والرؤية المستقبلية ، وفيضان المثيرات التي يراها الناس في الفضائيات ، والصراعات التي يعايشونها على ارض الواقع .
لذلك فإن تعديل التفكير والتخلص من الأفكار السلبية والانهزامية الهدامة
وكذلك تعديل السلوك وتبنى أنماط وعادات صحية وايجابية راسخة ومستمرة لن يحدث إلا من خلال التحول من الثقافة الوعظية و علوم الكلام وفلسفة الأخلاق إلى التدريب والتطبيق العملي لعلوم سلوكية إسلامية عصرية وتطبيقية جديدة .
ولقد اشتمل القرآن والسنة النبوية الشريفة على عدد هائل من هذه النماذج السلوكية العملية والتطبيقات العملية في كيفية التصرف في مختلف نواحي ومواقف الحياة وتحت مختلف الضغوط والظروف النفسية والاجتماعية ، مما يفرض علينا ضرورة دراسة وتحليل هذه النماذج والمهارات السلوكية والتدريب عليها .. بل وضرورة تأسيس علوم جديدة في فقه السلوك تهتم بدراسة تلك الأساليب السلوكية وتطويرها لتتناسب مع العصر وظروفه ، وان يكون ذلك وفق مناهج التفكير العلمي التجريبي .. مع الاستفادة من علوم النفس والطب النفسي والاجتماع وبحوث التعلم وعلوم النفس المعرفية وقواعد العلوم السلوكية والتي من أهمها التدرج في تعديل السلوك واستخدام أسلوب المكافأة والتدعيم وغيرها لتثبيت السلوكيات المرغوبة والعادات الايجابية
ولقد وردت النماذج السلوكية العظيمة التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف الحياة المختلفة في السنة وفى تراثنا الديني .. وجميعها تحتاج إلى إعادة دراستها وعمل نوعاً من الحفريات السلوكية التي تهتم بتحليل ودراسة السلوك ومهاراته ولا تتوقف عند النص اللفظي أو التعاليم والحكم اللفظية المرسلة بمعنى أن لا يقتصر اهتمامنا على الحديث وألفاظه –رغم أهميته البالغة- بل على السلوكيات والتصرفات بمهاراتها وخطوات ممارستها تبعاً لكل الظروف المحيطة بها .. وهناك العديد من أساليب تعلم السلوكيات المختلفة وتثبيتها والاستفادة منها مثل التعلم عن طريق النمذجة (التعلم من النماذج الضمنية ) والتكرار والمحاكاة وأساليب الضبط الذاتي وغيرها..
ولقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج عملية حية ذات طبيعة تعليمية تسمى في علم النفس بالنماذج الضمنية وتعتبر أحد أساليب تعديل السلوك في علم النفس الحديث .
ولا شك أن العديد من الدراسات والأبحاث التجريبية الحديثة تؤكد أن سلوك الإنسان لا يتغير بمجرد الاستبصار أو العلم بسبب المشكلة كما كان يعتقد فرويد ومدارس علم النفس التقليدية .
وأن التوجيه والنصح والوعظ أو التعاليم المرسلة ـ رغم أهميتها ـ لا تكفي لتعديل السلوك وتثبيت السمات والأنماط السلوكية الجديدة وأنه قد آن الأوان إلى التحول من الثقافة الوعظية إلى الأساليب العصرية التطبيقية ، فتغير السلوك أمر صعب واكتساب بعض السمات والعادات أكثر صعوبة ، ولقد قدم الإسلام مجموعة من الأساليب الفعالة في هذا المجال تتفق مع الأبحاث الحديثة ومع آراء علماء معاصرين ، فقد أشار الأمام الغزالي رحمه الله في كتابه " إحياء علوم الدين " إلى عدة أساليب وردت في تراثنا الإسلامي لتعديل السلوك واستخدم لفظ رياضة النفس ليؤكد على أهمية التدريب العملي المستمر لاكتساب وتثبيت السلوكيات المرغوبة : فعلى سبيل المثال يوضح كيفية السيطرة على الغضب وتعلم الحلم والصبر من خلال التدريب الذي يبدأ بالتكلف والافتعال ـ إذا لزم الأمر ـ لفترة زمنية كافية مصداقا للحديث الشريف {إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم } حتى يصبح جزءً من المنظومة العصبية والسلوكية للفرد ..ويتطلب ذلك الالتزام بخطوات متدرجة تصاعدياً , مع التقيد الصارم بنظام محكم ومتواصل .
ومن النماذج العملية التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم لتزكية المهارات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي الذي يدعم التوافق الاجتماعي والصحة النفسية .. أنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام وبوجه بشوش .. وكان إذا لقي أحداً من الصحابة بدأه بالمصافحة.. وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته.. وكان يعطى كل من جلس إليه نصيباً من وجهة.. أي من النظر إليه والاهتمام به.. وكان في كل سلوكه يتسم بالحياء والتواضع.. كما كان أكثر الناس تبسماً وضحكا في وجه أصحابه.
لقد كان محبوبا يلتف الناس حوله ويتعلقون به.. فصدق فيه قول العزيز الحكيم
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران
{ .....فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ........} (109) سورة البقرة
{...... وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ......} (83) سورة البقرة
كما كان الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ يردد في أكثر من موقف: ( تبسمك في وجه أخيك صدقة )
لذلك ننصح كل شخص أن يزكى في نفسه هذه الصفات :
- أن يبتسم في وجه الآخرين.. وهناك مقولة في الغرب تقول "إذا أردت أن تعيش سعيداً.. فقط ابتسم في وجه من تقابله".
-أن يكثر من إلقاء السلام وتحية الآخرين وان يبدأ بالمصافحة.
- أن يعطى اهتمامه لكل من يجلس إليه أو يتحاور معه.
- أن يكون عطوفاً لين القلب في تعامله مع الناس.
- أن يقول للناس قولاً حسناً ولا يكن غليظ القلب أو القول.
- أن يدرب نفسه على التسامح و الصفح والعفو باستمرار... فهي أهم مفاتيح السعادة والنجاح والصحة النفسية.
أثر الإيمان في تعديل السلوك:
نزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم أساساً لهداية الناس ولدعوتهم، إلى عقيدة التوحيد وتعليمهم قيماً سامية في التفكير والحياة.. ولإرشادهم إلى السلوك السوي السليم الذي فيه صلاح الإنسان وخير المجتمع ولتوجيههم إلى الطرائق الصحيحة لتربية النفس وتنشئتها التنشئة السليمة. قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (57) سورة يونس
فديننا الإسلامي الحنيف يبعث على هدوء النفس.. واستقرارها وتهذيبها وتأديبها. وتؤدي العبادات جميعها قولاً وفعلاً إلى إحساس النفس بالراحة والرضا كما تؤدي إلى التخلص من مشاعر الإثم والذنب والقلق والتوتر والصراع والغضب والضيق والوهم والشك والريبة والكره والبغض
ونحن نعيش هذا العصر نمط حياة ذات نظام معين بما فيه من أعباء وسرعة وتعقيدات وتوالي الاختراعات التكنولوجية وتقدمها بشكل مذهل فهذه أسباب بالطبع تركت آثارها على المجتمع وتسببت بلا شك في وجود اضطرابات نفسية يتعرض لها بعض الناس ويتعرضون للكثير من الضغوط الانفعالية والصراع النفسي. لذا ينتج عنها الإصابة بالمرض النفسي فإن الإيمان بالله تعالى وتوحيده وعبادته عامل أساس وهام في علاج المرض النفسي وتحقيق الصحة النفسية للإنسان. ويجعل الإنسان أكثر ثقة بنفسه وأكثر قدرة على الصبر والمصابرة وتحمل متاعب الحياة وعلى الشعور بالرضا والقناعة والطمأنينة قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
(28) سورة الرعد
ويساعد الإيمان بالقضاء والقدر الإنسان على تحمل ما قد يصيبه من مصائب الدهر فلاً يلوم نفسه ويؤنبها ويعنفها ولا يشعر بالحسرة واليأس والضغوط. قال تعالى:
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(11) سورة التغابن
والإيمان بالله يدفع عن صاحبه كل مشاعر الخوف من أي قوة في هذه الحياة..
لأنه على ثقة أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله وشاء. قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
(13) سورة الأحقاف
والإيمان بالله يدفع بصاحبه أيضاً إلى الشعور بالرضا.. والقناعة لعلمه أن الأرزاق بيد الله تعالى وهو الذي قسمها وقدرها بين الناس. قال تعالى:
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(62) سورة العنكبوت
كذلك الإيمان بالله يساعد صاحبه على عدم الشعور بالخوف من فكرة الموت بعكس الإنسان الملحد الذي تؤدي فكرة الموت في نفسه إلى هاجس.. أو وسواس الموت من مجرد تردد فكرة الموت على ذهنه ويصبح الموت عنده شبحاً مفزعاً قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة الجمعة
والمؤمن يعلم أن ما يصيبه من سراء أو ضراء إنما هو مقدر من الله وابتلاء منه حتى يعلم سبحانه وتعالى من سيحمده.. ومن سيكفر فالمؤمن لا يجزع.
والدين الإسلامي الحنيف يقوم على إبعاد مشاعر الإثم والذنب وتأنيب الضمير ولوم الذات.. فالاستغفار وطلب المغفرة من شأن المؤمن في حالة ارتكابه خطأ.
قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
(110) سورة النساء
ومن خصائص العلاج النفسي الإسلامي.. أنه يعتمد على ترسيخ الإيمان في نفسية الفرد.. فالإيمان قيمة علاجية ووقائية ومن خصائصه أيضاً أنه يخدم كرامة الإنسان ويعتمد على بث المبادئ الخلقية ويدعو الفرد إلى القيم والمبادئ السائدة في المجتمع. كذلك من خصائصه أنه يقدم المساعدة للفرد والثقة بالنفس، كما يقوم على أساس إقناعي للمريض بالحلول المنطقية العقلية ويستهدف تعديل سلوك الفرد في إطار «الإسلام الدين المعاملة» ولا يعتمد الأسلوب الإسلامي على الأمور الفلسفية أو الوهمية لذا فإنه علاج واقعي.
ونستطيع القول أن العلاج النفسي بشكل عام يستهدف إعادة تكيف الفرد مع نفسه.. ومع البيئة التي يعيش فيها مما يساعده على مواجهة الأزمات.. والتوترات.. والعقد والأمراض كالقلق والاكتئاب أو توهم المرض.
وهناك مناهج كثيرة تستخدم في العلاج النفسي الحديث.. بعد تشخيص دقيق
للتعرف على المرض وأسبابه ومن هذه المناهج على سبيل المثال:
مدرسة التحليل النفسي، والأسلوب السلوكي، وأسلوب العلاج المتمركز حول
العميل، وأساليب أخرى للعلاج باللعب، والعمل، والرسم، والموسيقى وغيره.
أما العلاج أو الأسلوب الديني الإسلامي في علاج الأمراض النفسية «محور حديثنا» فإنه يستهدف تكوين الفرد المؤمن القوي السليم المعافى ويستهدف شفاء النفوس أو القلوب مما يصيبها من علل أو أمراض.
والقرآن الكريم أنزله الله تعالى على عباده وماله من الأثر الكبير في شخصيات
الناس ووضع أسس جديدة لنظام حياة الإنسان الشخصية. ونظام العلاقات
الإنسانية. فالتقوى والعبادة.. والإيمان بعقيدة التوحيد والتي من شأنها مساعدة الفرد في التحكم في دوافعه.. وانفعالاته.. وسيطرته على ميوله وشهواته.
تأثير بعض العبادات في تعديل السلوك:
للدين الإسلامي الحنيف أثر كبير في تربية شخصيات الناس وتغيير سلوكهم،
وتعديل السلوك كما نعلم له أثر في تحقيق صحة نفسية أفضل ونشير هنا إلى
تأثير بعض العبادات في شخصية الفرد.
أولاً: العلاج النفسي بالصلاة:
للصلاة تأثير فعال في علاج الإنسان من الهم، والقلق، فوقوف الإنسان في الصلاة أمام ربه في خشوع واستسلام وفي تجرد كامل عن مشاغل الحياة.. ومشكلاتها إنما يبعث في الإنسان الهدوء والسكينة ، ويقضي على القلق وتوتر الأعصاب الذي أحدثته ضغوط الحياة ومشكلاتها، وللصلاة تأثير فعال في علاج الشعور بالذنب الذي يسبب القلق الذي يعتبر الأصل في الكثير من الأمراض النفسية.
إن وقوف الإنسان في الصلاة أمام الله سبحانه وتعالى في خشوع وتضرع يمده بطاقة روحية تبعث فيه الشعور بالصفاء الروحي، والاطمئنان القلبي، والأمن النفسي. ففي الصلاة لا ينشغل الإنسان إلا بمولاه فقط وينصرف عن مشكلات الدنيا وهمومها وآلامها وعدم التفكير فيها أثناء الصلاة.. ففي هذه الحالة يبعث في الإنسان حالة «الاسترخاء التام» وكما نعلم أن الاسترخاء وسيلة من وسائل العلاج النفسي. فإذا أُدّيت الصلاة بشكل صحيح وخشوع تام فإن عملية الاسترخاء ستتحقق خلال هذه الشعيرة الإسلامية وتتحقق خمس مرات في اليوم. والاسترخاء كما نعلم من الوسائل التي يستخدمها المعالجون والاختصاصيون النفسيون في علاج الأمراض النفسية لمساعدة الفرد في التغلب والتخلص من التوتر العصبي الذي تسببه ضغوط الحياة. أضف إلى ذلك فإن ذهاب الفرد إلى المسجد واختلاطه بالجماعة والتعرف على جيرانه فيؤثر ذلك على تفاعله مع المجتمع وتكوين علاقات اجتماعية سليمة. والذهاب إلى المسجد والعودة منه وغيره سلوك شخصي يتكرر في اليوم خمس مرات فيتغير نمط
الحياة الذي كان يشكو منه ويستسلم لبعض الهموم والقلق.
ثانياً: العلاج النفسي بالصيام:
في الصيام تربية، وتهذيب، وتدريب للإنسان على مقاومة شهواته والسيطرة عليها. واستمرار التدريب على ضبط الشهوات والسيطرة عليها مدة شهر في عام سيؤدي إلى تعليم الإنسان قوة الإرادة.. وصلابة العزيمة في شهواته وسلوكه العام في الحياة.. ففي الصيام تدريب على السيطرة على الدوافع والانفعالات.. أضف إلى ذلك فإن في الصيام فائدة طبية علاجية من الأمراض البدنية ونعلم أن صحة الإنسان البدنية لها تأثير في صحته النفسية
ثالثاً: العلاج النفسي بالحج:
الحج يعلم الناس الصبر على تحمل المشاق ويدربه على جهاد النفس والتحكم في
شهواتها، لأن الحاج لا يباشر النساء، ولا يشاحن ولا يسب ولا يؤذي أحداً والحج
يعالج الكبر والزهو، والعجب بالنفس، والتعالي على الناس فجميع الناس في الحج سواسية.
رابعاً: العلاج النفسي بالصبر:
المؤمن الصابر لا يجزع لما يلحق به من أذى، ولا يضعف أو ينهار إذا ألمت به مصائب الدهر وكوارثه.. والمؤمن يعلم أن ما يصيبه في الحياة الدنيا إنما هوابتلاء من الله ليعلم الصابرين منا.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (155) سورة البقرة
خامساً: العلاج النفسي بالذكر:
المؤمن يرتبط مع خالقه في صلاته وصيامه وكل أعمال الخير يختتمها دائماً بالدعاء، وذكر الله بالتسبيح والتكبير والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن تؤدي إلى تزكية نفسية وصفائها وشعورها بالأمن والطمأنينة.
سادساً: العلاج النفسي بقراءة القرآن:
القرآن الكريم يساعد الإنسان على التغلب على التوتر والقلق من خلال قراءته وتنزل السكينة على الإنسان حينما يقرأ القرآن بتجرد وإخلاص وبتوجه كامل إلى الله.
سابعاً: العلاج النفسي بالتوبة:
شعور الإنسان بالذنب يسبب له شعوراً بالقلق مما يؤدي إلى نشوء أعراض بعض
الأمراض النفسية فالقرآن الكريم يمدنا بأسلوب فريد وناجح في علاج الشعور بالذنب ألا وهو «التوبة» فالتوبة إلى الله تعالى تغفر الذنوب وتقوي في الإنسان الأمل في رضوان الله فتخفف من حدة قلقه، والتوبة تدفع بالإنسان إلى إصلاح الذات وتقويمها حتى لا يقع مرة أخرى في الأخطاء والمعاصي.
أثر القيم الإسلامية في تعديل السلوك:
إن الأسلوب الإسلامي الديني في العلاج النفسي هو أفضل الأساليب المستخدمة في علاج الأزمات النفسية وخصوصاً في مجتمعات إسلامية لها خصوصيات وقيم فإن على المعالج النفسي سواء كان معالجاً أو اختصاصياً الاستعانة ببعض الأساليب والمآثر الإسلامية التي تساعده على الاستفادة الممكنة ومنها:
1ـ تعميق العقيدة الإيمانية والتوحيدية وترسيخها في النفوس والتي ستؤدي بالطبع إلى تقويم الشخصية والسلوك.
2ـ الحث على تأدية العبادات المختلفة التي تساعد على التخلص من كثير من
العادات السيئة السابقة.
3ـ الحث على تعلم الصبر وهي الخصلة التي تعلم وتساعد على تحمل المشاق.
4ـ الحث على المواظبة على ذكر الله مما يزيد من شعور الإنسان أنه قريب من
الله، وفي حمايته ورعايته فيغمره الشعور بالأمن.
5ـ الحث على الاستغفار والتوبة مما يساfiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |