التعامل مع أخطاء الأطفال
كثير من أخطائنا التربوية مع أطفالنا تكون في التعامل مع الأخطاء التي تصدر منهم، فالطفل لم يولد وفي ذهنه ما هو صحيح وما هو خاطئ، فليس لديه خريطة بالسلوكيات والقيم الصحيحة فيتمسك بها، ولا لديه كتيب بالسلوك الخاطئ فيبتعد عنه، فالطفل ولد على الفطرة، لم يدري بعد الصحيح من الخاطئ، فدورك أيها الوالد هو غرس القيم الصحيحة في طفلك.
شروط غرس القيم:
ولكي نوفر جوًّا ملائمًا لغرس القيم؛ لابد من توافر شرطين في غاية الأهمية لتتم هذه العملية على أكمل وجه:
1- توفير بيئة تربوية داعمة.
2- استخدام التوجيه والتعليم الإنساني.
الشرط الأول: جود بيئة تربوية صالحة:
وينشـأ ناشــئ الــفـتيان منا على مــا كـان عـوده أبوه
وما دان الفتى بحج ولكن يــعــوِّده الـتـديـن أقربوه
تحتاج التربية القيمية إلى بيئة لها شكل معين حتى تؤدي غرضها، فالأساليب على كثرتها لا تستطيع أن تغرس قيمة من القيم ما لم تكن البيئة التي تُنَفَّذ فيها هذه الأساليب تدعمها.
وبالتالي؛ فإن الأطفال لن يستفيدوا من أية برامج تربوية ولا أساليب قيمية، إذا لم تتوفر البيئة الملائمة لنجاح هذه الأساليب.
فالأسرة على سبيل المثال، لها (دور كبير في تهيئة المناخ المناسب للأبناء، ليكتسبوا القيم الخُلقية الفاضلة، ويعتمد ذلك على جوانب كثيرة؛ منها:تهيئة المجال للابن بإبداء آرائه، والاستماع منه وحل مشاكله، ومزاولة الأنشطة الهامة لديه، وتهيئة الطفل للتعامل مع بيئته الخارجية؛ من خلال التخطيط والإنفاق والاستهلاك وحضور مجالس الكبار، مما يعطي الفرصة للطفل للممارسة العملية لتوجيهه للسلوك الصحيح، وتهذيب خلقه، وإكسابه القيم الإيجابية) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى].
والبيئة التربوية المدرسية كذلك من أعظم المؤثرات على العملية التربوية؛ ومنها التربية القيمية، فالمدرسة تستطيع (أن تسهم إسهامًا فعالًا في بناء شخصية الفرد، بما تهيئه له من مناخ صحي يساعد على النمو المعرفي والانفعالي والجمالي والاجتماعي والعقدي، لا بما تقدمه من معلومات نظرية فقط، بل بالممارسة العملية، وما يعنيه هذا من تكامل بين المعرفة والممارسة، وهذا يوضح أن دور المدرسة في تنمية القيم الإسلامية ليس نظريًّا، وإنما هو نظري تطبيقي) [تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى].
الشرط الثاني: التوجيه الإنساني:
نأتي إلى الشرط الثاني من شروط غرس القيم، وهو استخدام التوجيه والتعليم الإنساني، ونعني به التعامل مع الطفل باعتباره إنسانًا مكونًا من جوارح ومشاعر وأحساسيس، مركبَّة مع بعضها البعض في مزيج متناسق.
والسر في التأكيد على هذه النقطة، أنه في كثير من الأحيان يتبادر إلى الذهن أن التربية هي مجموعة من قواعد الصواب والخطأ، تعلَّم إلى الأبناء والأطفال بلا مراعاة لجوانبهم النفسية ومشاعرهم، وهذا المنظور الضيق لاشك أنه قلَّل من جدوى العملية التربوية إلى حدٍّ كبير؛ فنشأ التوجيه والتعليم الإنساني ليعتني بالجوانب المشاعرية والشخصية في توجيه سلوك الأطفال.
إن الأطفال ليسوا أماكن لتخزين المعلومات وحسب، إنهم بشر لهم مشاعر وصفات شخصية وحاجات، ويتأثرون بالضغط الأسري والمدرسي وضغط الرفقاء، وكل ذلك لابد وأن يهتم به المربي ويراعيه خلال العملية التربوية.
فالتربية هي تفاعل بين المعايير التربوية المراد تعليمها للطفل، وبين الطفل نفسه باحتياجاته وشخصيته ومشاعره.
ولهذا؛ فإن التوجيه الإنساني يهتم بعلاقة المربي بالمتربي، ويضع لها أسسًا يضمن حسن التواصل بينهما؛ لإنجاح العملية التربوية، ولضمان قدرة المربِّي على تحقيق أهدافه مع المتربي.
والتربية القيمية من أهم المواضيع التي تتطلب هذا النوع من التواصل؛ لأن غرس القيم لا يأتي بالقوة، بل يحتاج إلى احتكاك متفاعل بين المربِّي والمتربي، يسمح بغرس القيم والمثل العليا.
الشرط الثالث: اختار الكلام القليل الدال:
لا يتحمل الطفل أن يتلقى باستمرار محاضرات كلامية لا تجدي نفعًا، خاصة في حالة تعليمه سلوك أخلاقي، فغرس السلوك الحسن له أساليب فعَّالة سوى الكلام، إذ لا تمثل الكلمات سوى 7% من عملية الاتصال، بينما تمثل نبرة الصوت 38%، في حين تمثل حركات الجسم وتعبيرات الوجه 55%.
كذلك فإنَّ مدة تركيز الطفل بشكل متواصل = عمر الطفل+ دقيقتين، وهذا يعني أن طفل الخامسة يستطيع أن يركز لمدة سبع دقائق متصلة، لذلك يحسن بك ـ عزيزي المربي ـ مراعاة قلة الكلام وانتقاء الألفاظ عند توجيه الطفل، مع الاهتمام بالإيماءات ونبرة الصوت والإشارات والحركات [محمد سعيد مرسي، كيف تكون أحسن مربي في العالم؟ ص(119)].
الشرط الرابع: نوَّع من صوتك:
فصوتك أداة فعَّالة، وتنوع النبرات الصوتية حسب الانفعال النفسي، من معجزات الله سبحانه في جانب البيان الإنساني .
بل قد يكون صوت الإنسان من أهم وسائل التعبير عما يريد، وتراوح نغمة الصوت بين الارتفاع والانخفاض، والانحباس والانطلاق، والسرعة والبطء في الأداء، والرقة والفخامة، يؤدي إلى توصيل المعاني بشكل صحيح.
وقد يفلح تغيير مستوى الصوت في توقف المشاغبة أو إلزام الطفل بفعل ما تريد، [عمرو أبو ليلة، نسيبة أحمد، حتى لا يتحول طفلك من امبراطور إلى ضفدعة، ص(55)].
كيف تتعامل مع أخطاء طفلك:
وأثناء غرسك للقيم الصالحة في طفلك، قد يخطئ طفل في التعامل مع بعض الأمور، ولذلك هناك بعض الأشياء يجب أن تضعها في اعتبارك وأنت تتعامل مع أخطاء طفلك:
(1- عدم المثالية:
كثيراً ما نكون مثاليين مع أطفالنا، وكثيراً ما نطالبهم بما لايطيقون، ومن ثم نلومهم على ما نعده أخطاء وليست كذلك.
فالطفل في بداية عمره لا يملك التوازن الحركي لذا فقد يحمل الكوب فيسقط منه وينكسر، فبدلاً من عتابه وتأنيبه لو قالت أمه:الحمد الله أنه لم يصيبك أذى، أنا أعرف أنك لم تتعمد لكنه سقط منك عن غير قصد، والخطأ حين تتعمد إتلافه.
إن هذا الأسلوب يحدد له الخطأ من الصواب، ويعوده على تحمل مسؤولية عمله،ويشعره بالاهتمام والتقدير، والعجيب أن نكسر قلوب أطفالنا ونحطمهم لأجل تحطيمهم لإناء ، فأيهما أثمن لدينا الأطفال أم الأواني؟
2-التوازن في العقوبة:
قد تضطر الأم لعقوبة طفلها، والعقوبة حين تكون في موضعها مطلب تربوي، لكن بعض الأمهات حين تعاقب طفلها فإنها تعاقبه وهي في حالة غضب شديد، فتتحول العقوبة من تأديب وتربية إلى انتقام، والواقع أن كثيراً من حالات ضربنا لأطفالنا تشعرهم بذلك.
لا تسأل عن تلك المشاعر التي سيحملها هذا الطفل تجاه الآخرين حتى حين يكون شيخاً فستبقى هذه المشاعر عنده ويصعب أن نقتلعها فيما بعد والسبب هو عدم التوازن في العقوبة.
3-تجنب البذاءة:
حين تغضب بعض الأمهات أو بعض الآباء فيعاتبون أطفالهم فإنهم يوجهون إليهم ألفاظاً بذيئة، أو يذمونهم بعبارات وقحة، وهذا له أثره في تعويدهم على المنطق السيء.
والعاقل لا يخرجه غضبه عن أدبه في منطقه وتعامله مع الناس، فضلاً عن أولاده.
4- تجنب الإهانة:
من الأمور المهمة في علاج أخطاء الأطفال أن نتجنب إهانتهم أو وصفهم بالفشل والطفولة والفوضوية والغباء …إلخ. فهذا له أثره البالغ على فقدانهم للثقة بأنفسهم، وعلى تعويدهم سوء الأدب والمنطق.
5-تجنب إحراجه أمام الآخرين:
إذا كنا لا نرضى أن ينتقدنا أحد أمام الناس فأطفالنا كذلك، فحين يقع الطفل في خطأ أمام الضيوف فليس من المناسب أن تقوم أمه أو يقوم والده بتأنيبه أو إحراجه أمامهم أو أمام الأطفال الآخرين). [تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان، ص(144-145)].
6- التجاهل:
(ليس معنى تأديب الأبناء أن نحاسبهم على كل هفوة حتى وإن كانت صغيرة، بل التربية الحكيمة تقتضي في بعض الأحيان التغاضي لأن استمرار التنبيه ضار تمامًا كالإلحاح فيه، وحكمة المربي في أن يعرف متى يتغاضى ومتى يوجه) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(436)].
وأخيرًا:
اعلم أيها الوالد أن (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر وأُهمِل إهمال البهائم شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (3/72)].
المصادر:
· اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري.
· تربية الطفل في الإسلام، سيما راتب عدنان.
· إحياء علوم الدين، الغزالي.
· أبوليلة، نسيبة أحمد، حتى لا يتحول طفلك من امبراطور إلى ضفدعة.
· محمد سعيد مرسي، كيف تكون أحسن مربي في العالم؟.
· تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى.
المصدر: مفكرة الإسلام
fiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |