كيف تهيئ أبناءك للحج
بقلم: د. رشاد لاشين
الحج فريضة غالية وعظيمة والنفوس تهفو إلى الحرم وتتمنى أن تطير إليه وتحلق فوقه وتطوف به، والقلوب مليئة بالحب والشوق لأحب الخلق وأعز البشر صلى الله عليه وسلم تتمنى زيارته والسلام عليه والمكوث بعض الوقت في رحابه.
والأبناء جزء من كياننا الغالي والسفر إلى الديار المقدسة والغياب عنهم قضية تحتاج إلى حسن رعاية وتدبير؛ ففراق الأبناء لأبيهم وخاصةً أمهم ليس بالشيء الهين الذي نمر عليه مرور الكرام أو ننظر إليه بسطحية أو بساطة.
وبالطبع من الجريمة بمكان إخفاء أمر السفر أو الغياب عن الأبناء مهما كانوا صغارًا فغياب الوالدين فجأة يحدث صدمة نفسية كبيرة ويترك آثارًا وخيمة في نفوس الأبناء تمتد لفترات طويلة وقد تحدث كراهية لشعائر الإسلام وللحج وسيرته كلما مرت بهم الذكرى.
لذا يجب أن نحتاط للأمر ونحسن ترتيب وتدبير شئون فلذات أكبادنا لتقليل أثر ذلك الغياب عليهم.
أخي الحاج أختي الحاجة:
وفقكم الله تعالى وحج مبرور وذنب مغفور وذهاب آمن وعود حميد بإذن الله تعالى:
بارك الله لكم في أبنائكم وقوى الله عزم الأم صاحبة المشاعر الفياضة والعاطفة القوية الرقراقة المرتبطة بأبنائها بأقوى رباط وأشده، وأعان الله كل أب وكل أم ورزقهما الصبر... وفعلاً ما أصعب أن تفارق أم أبنها أو أبناءها وقد وصف الله تعالى قلب أم سيدنا موسى حينما ذهب عنها ?وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10)? (القصص)، تفريغ القلب، أو تفرغ القلب من كل اهتمام ومن كل شاغل غير ابنها ثم وصف الله تعالى عودة الابن إلى أمه: ?فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ? (القصص: من الآية 13)، أسأل الله تعالى أن يربط على قلب كل أم فترة غيابها عن أبنائها لحج بيت الله تعالى.
بالفعل مفارقة الأبناء عملية صعبة ولكن بالاستعانة بالله تعالى ثم باتخاذ بعض التدابير يسهل الله كل عسير:
1- احكوا قصة الحج لأبنائكم وشوقوهم إليه وأشعروهم بمكانة الحج كركن من أركان الإسلام حتى تعظموا الشعيرة في نفوسهم ويتعلموا منها دروسًا في واقعهم وذلك عن طريق رواية قصة سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، وأمنا هاجر عليهم السلام أو توفيرها برامج كارتون أو أفلامًا مرئيةً والخروج منها بدروس وعبر مثل موقف ترك سيدنا إبراهيم لأبنه الرضيع وكيف حفظه الله تعالى في غياب أبيه حتى يستدعوا هذا الموقف عند سفر أبيهم وتركه لهم.
2- شوقوا الأبناء للهدايا واللعب والملابس التي ستأتيهم من الديار المقدسة والمكافآت التي سيحظون بها.
3- اربطوا مشاعر الأبناء بشعائر الحج وأن الأب والأم بين هؤلاء الحجيج يؤدون عبادةً عظيمةً وركنًا من أركان الإسلام الخمسة ليتعلق الابن بمحبة الحج من ناحية وليطمئن على والديه من ناحية أخرى أبي يطوف بالكعبة أبي في عرفات أبي في منى أبي يرمي الجمرات في المدينة المنورة، وهكذا سفر الوالدين يربط الأبناء أكثر بالأماكن المقدسة.
4- تعميق الحج في وجدان الأبناء عن طريق:
- الرسم والتلوين: رسم الكعبة والحجاج يطوفون حولها رسم باقي المناسك مثل الوقوف بعرفة ورمي الجمرات رسم لذهاب بابا وماما للحج، ورسم لقدومهما من الحج، ورسم يصور اللعب والهدايا القادمة من الحج.
- تحفيظ الأبناء أناشيد عن الحج وتشجيعهم على تقديم أعمال فنية مثل الكاريكاتير والمسرحيات والاسكتشات.
- توفير مطويات وأشرطة كاسيت وفيديو وأقراص مضغوطة (c.d)وأفلام الكارتون وقصص مصورة، صوتيات ومرئيات توضح شعائر الحج وتشجيع الأبناء الأكبر سنًّا على عمل بحوث عن الحج.
- متابعة الفضائيات للتعرف على الشعائر مباشرة ولمتابعة أخبار الحجيج ومنهم الأب والأم.
5- صارحوا الأبناء بوضوح أنكم ستتركونهم فترة زمنية محددة: بثوا لهم مشاعر الحب والود وقدرهم الكبير في نفوسكم وأنه يعز عليكم فراقهم لولا شيئًا غاليًا وعظيمًا وهو فريضة الحج.
6- تشاوروا جيدًا وادرسوا باستفاضة اختيار الشخص أو البيت أو العائلة التي ستتركون أبناءكم عندهم فترة الغياب، وبالتأكيد سيكون هذا الاختيار على معايير من الصلاح والأمانة وتحمل المسئولية والحب للأبناء والانسجام معهم وتوفر الرغبة عن طيب خاطر وأن يكونوا أقرب إلى نفوس الأبناء ومتقبلين منهم، وتأكيد ذلك مع الأبناء بأنهم يحبونهم وسيكرمونهم ولن يفرطوا فيهم.
7- بعد الاستقرار على اختيار الشخص الراعي ومكان الإقامة على الوالدين أن يعودوا الأبناء بشكل تدريجي على الشخص الراعي ومنزله فتقومون بزيارته برفقة الأبناء عدة مرات وتعملون على مد جذور الود والتفاهم بينهم وبين الأبناء، ويا حبذا أن يقدموا للأبناء هدايا يمكن أن تشتروها أنتم وأن تقوموا بعملية تعريف وتكيف للأبناء على الوضع المستهدف فتعرفوهم جيدًا على غرفة إقامتهم التي سيكونون فيها بعد سفركم والبيئة المحيطة ومعالمها وهكذا.
8- عمل سيناريوهات مصغرة لعملية الغياب بأن تقوموا بتدريب الأبناء على تركهم فترات تزداد تدريجيًّا في المكان المختار والاتصال بهم هاتفيًّا عند غيابكم حتى يتعودوا على مسألة الغياب وأن الهاتف هو وسيلة التواصل بينكم في حالة الغياب.
9- تكرار سيناريوهات الغياب والاتصال عدة مرات يجعل الأمر شبه معتاد ويجعل مرة الخروج الأخيرة الحقيقية سهلة ويقلل من الآثار السلبية والتجاذبات والصدمات.
10- يجب أن نحسن تدبير العلاقات مع أطفال الأسرة المستضيفة والإغداق عليهم بالهدايا واللعب حتى يستشعروا السعادة التي لحقت بهم بقدوم الأبناء عندهم.
11- يجب تدبير احتياجات الأبناء بشكل جيد وكافٍ حتى لا نثقل على الأسرة المستضيفة ويكفي جهدها واستضافتها المشكورة.
12- تحدث باستفاضة مع الأسرة المستضيفة عن طباع وعادات واحتياجات أبنائك وطريقة كل واحد الخاصة ونظامه في: أكله- استحمامه- لعبه- ملابسه- مميزاته- مشاكله- طريقة نومه- طريقة انفعاله- كيف نهدئ من روعه- الحلوى المفضلة له- نبذة مختصرة عن نمط شخصيته- مشاكله الصحية- الطبيب المفضل له لا قدر الله... و.....
13- توصية الأسرة المستضيفة بمتابعة وضبط سلوك الأبناء في غياب الوالدين والبرامج التي يشاهدونها وكافة الأنشطة التي يقومون بها وألا يكون غياب الوالدين مدعاة للانفلات أو التفريط أو الانحراف لا قدر الله بل يجب الاتفاق مع الأبناء ومع الأسرة المستضيفة أن لها سلطة الضبط والربط.
14- أوصوا باقي الأعمام والأخوال والأصدقاء بالاهتمام بالأبناء واصطحاب أبنائهم لزيارتهم بين الحين والحين وكذلك استضافتهم عندهم إن أمكن ذلك.
15- تقوية اليقين بالله تعالى والتوكل عليه وأن نستودع أبناءنا عند الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه وأن نتذكر قصة سيدنا إبراهيم وأمنا هاجر عليهما السلام وأن الله تعالى هو خير راعٍ وكيف حفظ الله تعالى سيدنا إسماعيل في غياب أبيه وكيف فجر ماء زمزم من تحت قدميه بعد أن عجزت أمه عن إغاثته بشيء.
16- اتصلوا على الأبناء من هناك واطمئنوا عليهم بين الحين والحين واجعلوا لهم نصيبًا من دعائكم فحينما غاب سيدنا إبراهيم عن أبنائه طاعة لربه توجه إليه سبحانه متضرعًا: ?رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)? (إبراهيم)، فتوجه إلى الله عند غيابك عن أبنائك: يا رب تركت أبنائي وجئت إليك فأكرمهم بكذا وكذا وكذا.
17- أيها الأب الكريم أيتها الأم الفاضلة لا تنسوا أن الآلاف بل الملايين من الآباء والأمهات قد مروا بتجربتكم هذه وذهبوا للحج وتركوا أبناءهم في أعمار صغيرة وأكرمهم الله تعالى بالحج وحفظ لهم الأبناء في غيابهم بأكثر ما كانوا يتصورون.
أخي الحاج أختي الحاجة: أداء الفريضة يحتاج إلى بعض التضحيات وأنا أقدر مشاعر الأبوة والأمومة، وقدر ومقدار حب الأبناء في نفوسكم رتبوا الأمور قدر استطاعتكم وخذوا بالأسباب وتوكلوا على العزيز الوهاب ولا تنسوا أنكم وفد الله تعالى فهو معكم يوفقكم ويرعاكم ويخلفكم في أحبابكم وفلذات أكبادكم.. وفي النهاية أقول لكم اذهبوا لحجكم ولن يضيع الله أبناءكم.
_____________________________
المصدر: إخوان أون لاين
fiogf49gjkf0d fiogf49gjkf0d |